الحلف الإغريقي أقرب إلى الشرق الأوسط منه إلى الاتحاد الأوروبي

تقترب كل من قبرص واليونان الآن من دول الشرق الأوسط في الوقت الذي تبتعدان فيه عن الاتحاد الأوروبي بسبب عدم قيام التكتل باتخاذ إجراءات صارمة ضد تركيا، وأيضا بسبب استمرار السياسات الاقتصادية غير العادلة. ويستبعد محللون تحقيق انفراجة فورية بين تلك الأطراف بالنظر إلى الخلافات العميقة في السياسات رغم أن تفعيل الدبلوماسية قد يكون مدخلا لتخفيف حدة التوتر بين الحلف الإغريقي وأنقرة.
أثينا - دفعت المضايقات التركية في شرق المتوسط اليونان وقبرص إلى قيادة سفينتيهما السياسية باتجاه منطقة الشرق الأوسط بعيدا عن الاتحاد الأوروبي الذي لا يزال يتعامل بنعومة مع أنقرة رغم أنه فرض العديد من العقوبات الاقتصادية على الأتراك، وسط شكوك في نجاعة هذه الخطوة على الأقل في المدى القريب.
ويعتبر رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، في الأصل مؤيدا قويا للاتحاد الأوروبي، لاسيما وأن العديد من اليونانيين والقبارصة اليونانيين يرون أن الاتحاد الأوروبي مهمّ جدا لتقدّمهم الاقتصادي وتعاملاتهم التجارية وتطورهم.
ولكن نتيجة لشعورهم بالإحباط من سياسات الاتحاد الأوروبي المخيبة للآمال تجاه الاستفزازات التركية في العديد من القضايا الاستراتيجية، اتجه هذين البلدين سياسيا نحو دول الشرق الأوسط بحثا عن متنفس لهما من أجل كسب تأييد لمواقفهما من طرف كبار الفاعلين في المنطقة.
وبالرغم من أن اليونان وقبرص لا تفكران في مغادرة الاتحاد الأوروبي، إلا أن هذا التحول السياسي يراه دميتري شوفوتينسكي، الباحث في مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية، أنه يحدث في الوقت الحالي بوتيرة متباطئة منذ فترة، كما أن موقف الاتحاد الأوروبي الضعيف تجاه ممارسات تركيا العنيفة في منطقة شرق المتوسط لم تترك لكبار سياسيي الدولتين خيارا سوى التقرب من جيرانهم في المنطقة الواقعة في الجنوب الشرقي.
المصالح قبل كل شيء
أثرت الثقافة الإغريقية وتأثرت كذلك بثقافات الشرق الأوسط المختلفة عبر التاريخ، مثل اليهودية، والعربية، والفارسية، والتركية، ويتضح ذلك جليا في الموسيقى اليونانية والقبرصية، والأكلات، واللغة، والدين، ونمط الحياة. وبذلك نستطيع القول إن الثقافة الإغريقية كانت آخر أشكال القوة الناعمة منذ العصور القديمة.
لكن في العصر الحديث، تقرّبت كل من اليونان وقبرص من القارة الأوروبية، وعلى الصعيد اليوناني، اعتمدت أثينا على قوى أوروبا العظمى في الجانب المالي بعد أن حرّرت هذه القوى البلد من أيدي الإمبراطورية العثمانية، وحَكمَ الملوك الأوروبيون الدولة اليونانية التي أعيد تأسيسها بملكية يونانية أجنبية. أما بريطانيا، فقد استعمرت قبرص حتى استقلت عنها في العام 1960.
وعلى الرغم من أن منطقة شمال غرب أوروبا كان لها تأثير ملحوظ على الحضارة الإغريقية في محاولة للتخلص من براثن الإمبراطورية العثمانية، إلا أنه وفي الوقت الحاضر، يبدو أن الأمور تعود مرة أخرى لما كانت عليه قبل ذلك.
وبعد أن قطعت إسرائيل علاقاتها مع تركيا في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وبعد اكتشاف موارد الغاز الطبيعي في حوض بلاد الشام، اتحدت إسرائيل مع اليونان وقبرص لاستغلال هذه الموارد والعمل على إنشاء مشروع طموح لتصدير الغاز إلى أوروبا.
وانضمت إليهم دول أخرى بعد ذلك ثم تعمق هذا التحالف الثلاثي، بدعم من الولايات المتحدة، وشمل تعاونا عسكريا وجهود ضغط متضافرة في واشنطن. وقد عمل تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وأربع دول عربية هي الإمارات والمغرب والسودان والبحرين على دفع هذه العملية إلى الأمام.
ويقول شوفوتينسكي، الحاصل على ماجستير في جامعة أركاديا في السلام الدولي وحل النزاعات، إن كلا من إسرائيل وجيرانها، الذين شاركوا روابط عميقة مع الثقافة الإغريقية، يشعرون بالقلق والخوف تجاه ممارسات تركيا في شرق المتوسط وأيضا بشأن طموحاتها العثمانية الجديدة.
وعمل التعدي المستمر لتركيا على المجال الجوي اليوناني، وكذلك على المياه الإقليمية لقبرص، على إثارة نداءات من نيقوسيا وأثينا تحث الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات على تركيا.
لكن، ورغم ذلك، تدين بروكسل بالفضل للعلاقات الوثيقة بين ألمانيا وتركيا، ولذلك لم تصدر سوى ردة فعل رمزية. وحتى فرنسا، التي دافعت باستماتة عن حقوق اليونان وقبرص، لم تتخذ موقفا حازما وقويا تجاه فرض هذه العقوبات.
وبالنسبة إلى مسؤولي اليونان وقبرص المتشككين بالفعل في الاتحاد الأوروبي بسبب دوره في أزمة الديون، كانت هذه علامات تدل على أنهما لا يجب أن تعتمدا على الكتلة في المستقبل.
التعلم من دروس الماضي

تعلمت كل من إسرائيل وجيرانها من الدول العربية هذا الدرس من قبل، حيث تتجاهل كتلة الاتحاد دائما الممارسات العدائية التي تمارسها كل من تركيا وإيران بحجة انشغالها دائما بقضايا حقوق الإنسان والقضية الفلسطينية.
وتعمّقت العلاقات العسكرية بين اليونان وإسرائيل والدول العربية، حيث أرسلت اليونان أنظمة باتريوت الدفاعية لحماية منشآت السعودية النفطية، بينما أرسلت الإمارات طائرات مقاتلة إلى اليونان للمشاركة في مناورة مشتركة للدفاع الجوي.
وتتعاون مصر سنويا مع اليونان وقبرص في مناورات بحرية مشتركة، كما وافقت إسرائيل منذ فترة ليست بالبعيدة، على افتتاح مركز تدريب طيران مشترك في كلاماتا مع اليونان.
وستؤجر القدس طائرات ذاتية القيادة إلى أثينا حتى تدافع عن حدودها. كما اتفقت إسرائيل مع نيقوسيا وأثينا على تطوير التعاون الدفاعي معهما في العام المقبل، وفي الخارج أيضا. وأخيرا، فرضت الولايات المتحدة، التي تقرّبت من أثينا ونيقوسيا مؤخرا، العقوبات على تركيا لشرائها أنظمة الدفاع الروسية أس – 400.
وعلى مدى سنوات، تبنى صانعو السياسة في كل من روسيا والصين فكرة “الإقليمية”، وهو مفهوم تعمل من خلاله الدول المشتركة في المنطقة الجغرافية على إقامة روابط التعاون في ما بينها بشأن العديد من القضايا، متحررة بشكل كامل من أي تدخل أجنبي. ويبدو أن مثل هذا المفهوم يتحقق الآن على أرض الواقع، وإن كان ليس بالطريقة التي تصورتها كل من روسيا والصين.
ويرى كوستاس غريفاس، أستاذ الجغرافيا السياسية وأنظمة الأسلحة في أكاديمية الجيش الإغريقية، أن اليونان ستعيد رسم الخارطة الجيوسياسية لتشمل الدول العربية المستقرة، والهند، وإسرائيل، وقبرص، وفرنسا، في تحالف شرق متوسط – شرق أوسطي لمواجهة شبكة التحالفات التي شكّلتها تركيا مع باكستان وإخوانها الأتراك في آسيا الوسطى.
وقد وضع سيث فرانتسمان المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للتقارير والتحليل، اليونان والهند في تحالف “الشرق الأوسط الأكبر” من حيث التحالفات الجيوسياسية الناشئة.
وبينما يفقد الاتحاد الأوروبي مصداقيته في المنطقة في نفس الوقت الذي يواجه فيه اضطرابات داخلية، فإن مثل هذه التحالفات الناشئة التي تتشارك الثقافات والمصالح الجيوسياسية، من المحتمل أن تصبح الأقوى والأكثر شيوعا في مواجهة القضايا والمشكلات المشتركة.
وعلى الرغم من ذلك، ينبغي أن تستمر كل من اليونان وقبرص بمساعدة حلفائهما الإقليميين وواشنطن، في الضغط على أوروبا لإصدار ردة فعل أقوى وأكثر حزما تجاه تركيا.
وفي نفس الوقت، ينبغي على الدولتين أن تتبنيا سياسة التقارب الحالية، نظرا إلى احتمال أن يظل الاتحاد الأوروبي متمسكا بموقفه الضعيف تجاه تطلعات سياسة تركيا العثمانية.