الحكومة المصرية تنشد الانضباط بتغليظ عقوبة إهانة الموظف العام

القاهرة - عبّرت تحركات رسمية عن الحاجة إلى تحقيق الانضباط في مصر، والذي يساهم في تمرير قرارات وإجراءات اقتصادية الفترة المقبلة، وظهر ذلك من خلال تشريعات أصدرها البرلمان أخيراً هدفت إلى ضبط الأوضاع في الأسواق ومنح الأجهزة الأمنية دورا أكبر وتشديد العقوبات الخاصة بمحاولات إثارة القلق وتأليب المواطنين.
ووافقت اللجنة التشريعية والدستورية في البرلمان (من حيث المبدأ) على تعديلات تقدمت بها الحكومة تخص قانون العقوبات بشأن التعدي على الموظفين العموميين. ونصت على تطبيق عقوبة الحبس مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد عن سبع سنوات على كل من اعتدى بالإشارة أو القول أو التهديد على أيّ من الموظفين الذين تكمن مهمتهم في تحقيق الانضباط في مجالات مختلفة.
وحددت التعديلات المقررة المجني عليهم بأنهم: أعضاء هيئة الشرطة، أو رجال الضبط، أو أعضاء هيئة التعليم، أو أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، أو العاملين بالمنشآت الصحية العامة، أو موظفًا عموميًا أو مكلفًا بخدمة عامة بالسكك الحديد أو غيرها من وسائل النقل العام، إذا وقع الاعتداء أثناء سيرها أو توقفها بالمحطات.
وتعد التعديلات أداة مساهمة في مساعي ضبط الأسواق والتعامل مع حالات الانفلات جراء ارتفاع الأسعار مؤخراً، وظهرت بشكل أكثر وضوحًا عندما حاول مواطنون الاعتداء على وزير التجارة والتموين علي مصيلحي أثناء افتتاحه أحد المعارض الغذائية الحكومية أخيرا، اعتراضاً على زيادة الأسعار، ما تطلّب ردعاً قانونيًا يساعد الأجهزة الأمنية في مهامها، حال حدوث مناوشات خارج السياق العام.
ويرى العديد من المهتمين بالشأن السياسي والحقوقي أن تشديد العقوبات يمس الحريات العامة ويضع الموظفين العموميين في مواجهة مع المواطنين ويزيد الاحتقان الذي هو في حاجة إلى احتواء الانفلات في التصرفات والمواقف التي يشعر فيها المواطن بالعجز. ويعتقد هؤلاء أن تطبيق القوانين الحالية على الجميع دون أن يشعر المواطن واتخاذ إجراءات لوقف ارتفاع الأسعار المستمر وتعزيز الأدوات الرقابية، يخلق ثقة بين الهيئات الحكومية والمواطنين، وهي سبل أكثر فاعلية من تشديد العقوبات.
وأكد مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق اللواء محمد نجم أن الأخلاقيات المتردية في المجتمع والرغبة المستمرة في اختراق سيادة القانون وتزايد معدل العنف عوامل تفرض اتخاذ إجراءات قانونية رادعة تحقق مصلحة المواطنين والموظفين العموميين. وكشف في تصريح لـ”العرب” أن الأيام الماضية شهدت اعتداءات على موظفين يملكون ضبطية قضائية، وهو مؤشر على خطر يجب التعامل معه بقوة وحسم، لأن مأمور الضبط القضائي وغيره من القائمين على مسألة ضبط الأسواق هدفهم حماية الاقتصاد والمواطنين، وقد يجد أحدهم نفسه في وجه خارجين على القانون ويحتاج لحماية قانونية تساعده على أداء عمله.
وشدد على أن الفوضى التي سادت بعض الأسواق والتحجج بسعر العملة الأجنبية وتقلباته خطأ، فبعض السلع ليس لها علاقة بالعملة وأوجدت قناعة حكومية بوجوب التدخل لضبط الأوضاع، وأن الاعتماد على إجراءات قانونية من الأدوات المطمئنة للمواطنين، فمن سيواجهون العقوبات هم من يخالفون القانون.
وتزامن هذا الإجراء مع إقرار اللجنة التشريعية والدستورية في البرلمان تعديلات أخرى قدمتها الحكومة على قانون جهاز حماية المستهلك وتغليظ العقوبات على احتكار السلع الإستراتيجية في الأسواق المحلية. وتلقى توجهات البرلمان والمؤسسات الرسمية نحو الضبط قبولاً لدى قطاعات واسعة تدرك أن غياب الأجهزة الأمنية ومن حصلوا على حق استخدام الضبطية القضائية له تأثيرات سلبية على الاستقرار المجتمعي.
وأكد عضو مجلس النواب المصري إيهاب منصور أن القوانين التي تقدمها الحكومة وترسخ لاحترام الآخرين وتساهم في تحقيق الانضباط في الشارع محل ترحيب من النواب، لكن ذلك لا يعني الاكتفاء بخطوات تشديد العقوبات بلا إجراءات أخرى لدعم الموظفين الذين يقومون بعملية الرقابة ودعم الأجهزة المعنية عبر توفير القوة البشرية والتنظيمية التي تساعد على إنجاز عملهم بسهولة.
◙ الأخلاقيات المتردية في المجتمع والرغبة المستمرة في اختراق سيادة القانون وتزايد معدل العنف عوامل تفرض اتخاذ إجراءات قانونية رادعة
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الرقابة في حاجة إلى دعم مادي وبشري لا يتوافر في الكثير من الهيئات الحكومية، وأن أجهزة التفتيش في وزارة الإسكان مثلاً أو وزارة التموين تعاني من عجز بسبب سوء التوزيع الذي يترتب عليه وجود ندرة في الحملات التي مهمتها تنظيم العلاقة بين التجار مثلاً والمواطنين، وأن الحكومة يغيب عنها أن صرف دولار واحد على الرقابة قد يعود إليها بعشرة دولارات.
وأشار إيهاب منصور، وهو رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي في مجلس النواب، إلى أن ضبط الأوضاع في الأسواق في حاجة إلى إجراءات شاملة تضمن تحقيق العدالة للمواطنين والموظفين، وتساعد على تطوير العمل داخل المنظومة الإدارية دون حاجة إلى المزيد من الاحتقان المجتمعي.
وتضمن مشروع القانون تعديل المادة 133 بالنص على “أن كل من أهان بالإشارة أو القول أو التهديد موظفًا عموميًا أو أحد رجال الضبط أو مُكلفًا بخدمة عامة أثناء تأدية وظيفته أو بسبب تأديتها يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سنتين وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه، ولا تتجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين”.
ونص القانون على تعديل المادة 137 من قانون العقوبات لتنص على “إذا حصل مع التعدي أو المقاومة ضرب أو نشأ عنهما جرح تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تتجاوز خمسين ألف جنيه، أمّا إذا حصل الضرب أو الجرح باستعمال أسلحة أو آلات أو أدوات أخرى تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تتجاوز خمس سنوات، وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تتجاوز مئة ألف جنيه”، (والدولار يساوي 31 جنيها رسميا).
وتبقى المخاوف الاجتماعية حاضرة تجاه تشديد العقوبات في جرائم تنشب نتيجة سلوكيات غير منضبطة ممن ينفذون القانون أو في أوضاع تواجه صعوبة في إثبات التهم، فذلك من شأنه إحداث انقسام بين المواطنين ومن بيدهم الضبطية القضائية التي سوف تتعزز قدرتها، حال تمرير القانون بشكل نهائي من البرلمان في الأيام المقبلة.