الحكومة المصرية تنجرف خلف هجرة المواطنين إلى المعاهد الأزهرية

وافق مجلس النواب المصري الأحد الماضي على مشروع قانون تقدمت به الحكومة لإعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها، بما يلبي مطالب المعاهد الأزهرية بتعديل القانون ليسمح لها بتعيين معلمين جدد وفقًا لقانون الخدمة المدنية التي تعمل به المدارس الحكومية، وفتح باب التعاقد مع المعلمين لمدة عام أو أكثر بشكل يسهم في التعامل مع العجز المحدود في أعداد معلميه مقارنة بالتعليم المدني.
تشير خطوة البرلمان المصري إلى أن الأزهر سوف يمضي في طريقه نحو التوسع في إنشاء المعاهد الأزهرية وإزالة العقبات القانونية التي واجهت تعيين معلمين جدد في السنوات الماضية، ومنحهم نفس حقوق نظرائهم في التعليم المدني، تحديدا منذ العام 2016 عندما أدخلت الحكومة تعديلات على قانون الخدمة المدنية.
مسار إصلاح الأزهر
وطالب الأزهر مرات عديدة بإدخال تعديلات على قانونه بما يسمح له بالمساواة بين معلميه ومعلمي المدارس المدنية، وهو أمر جرى إرجاؤه كثيرا في ظل محاولات من نواب في البرلمان السابق تعطيله لأن التعديلات تشمل ربط التعليم الأزهري بالمدني، وفي النهاية اقتصر التعديل على ما تبناه الأزهر ومعاهده الدينية.
تؤكد الاستجابة الحكومية وعبارات المديح التي أثنى فيها نواب محسوبون على الحكومة على الأزهر وتعليمه أن المؤسسة الدينية في طريقها إلى ربح معركتها الخفية مع الحكومة التي تحاول تخفيف العبء عن موازنتها العامة في ظل مشكلات اقتصادية عديدة بالارتكان إلى الأزهر وبعض رجال الأعمال في تمويل عجز المخصصات وتبين أنها استسلمت لواقع هجرة الطلاب من التعليم المدني إلى الأزهري.
أكدت أرقام أعلنها وكيل مجلس النواب محمد أبوالعيني في جلسة البرلمان العامة الأحد أن العام 2015 شهد انتقال 88 ألف طالب من التعليم المدني إلى الأزهري، وأن العام الدراسي الحالي شهد انتقال 60 ألف طالب.
وكشفت النشرة السنوية للتعليم قبل الجامعي الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) لآخر تقييم إحصائي وهو العام الدراسي الماضي وجود 68.9 ألف مدرسة ومعهد أزهري عامي 2020 و2021 مقابل 67.5 ألف في العام الذي سبقه، بزيادة بلغت نسبتها 2 في المئة لمواكبة الأعداد المتزايدة.
وحسب تقديرات غير رسمية ارتفع إجمالي عدد طلاب التعليم الأزهري من مليون و777 ألف إلى مليون و900 ألف في العامين الماضيين بزيادة حوالي 124 ألفا، وتقدم هذا العام 320 ألف طالب إلى مرحلة رياض الأطفال بالمعاهد الأزهرية، وهو رقم كبير عن ذلك الذي استقبلته المعاهد خلال العام الماضي.
وقال البرلماني السابق محمد أبوحامد الذي تقدم بأكثر من مشروع قانون لإصلاح الأزهر إن هذه المؤسسة الدينية انتصرت لرؤيتها التي تقضي بالتوسع في إنشاء معاهده من دون أن ترتبط مباشرة بالتعليم المدني، وأن المحاولات العديدة السابقة لتطوير قانون الأزهر كانت تستهدف إيجاد تنسيق مباشر بينه وبين وزارة التربية والتعليم، بما يوجد رؤية موحدة لتطوير التعليم وفقا لما تراه الدولة، لكن ذلك لم يتحقق.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن حالة عدم تكافؤ الفرص بين التعليم الديني والمدني تصب في صالح الأزهر لأنه يتيح تقديم تعليم بمقابل زهيد يجذب أبناء الطبقة البسيطة، وتقبل ما يعرف بكليات القمة فيه طلابا من ذوي الدرجات الأقل مما تتيحه الجامعات المدنية.
ويتماشى نظام التعليم القائم على الحفظ في الأزهر مع السياق المجتمعي الرافض لتقبل تطوير المناهج المدنية، ما يؤكد على أنه في طريقه إلى التوسع في مؤسساته التعليمية.
68.9
ألف مدرسة ومعهد أزهري بين عامي 2020 و2021 مقابل 67.5 ألف في العام الذي سبقه
وشدد أبوحامد على أن عدم وجود تنسيق بين الأزهر والحكومة بشأن المؤسسات التعليمية سوف تكون له انعكاسات سلبية مستقبلا على عقول الأجيال القادمة، والتي يمكن أن تصطحب معها أفكارا مختلفة حول قبول الآخر وترسيخ الهوية الوطنية التي ترفع من أهميتها مناهج التعليم المدني.
ويبدو أن الحكومة المصرية استسلمت لفكرة غياب الرقابة عن المناهج الدينية التي تخضع لإشراف الأزهر وبعيدا عن سلطة وزارة التعليم، وأن التوسع في إنشاء المعاهد الأزهرية والزيادة المضطردة في الإقبال عليها يفتح الباب أمام إنشاء معاهد خاصة ذات مصروفات تقدم جرعات دينية وتعليمية أكبر مما تقدمه المعاهد الأزهرية المجانية، والتي قد لا تتوافر لها رقابة كافية من الأزهر أو وزارة التعليم، ما يهدد بتسرب الأفكار المتطرفة التي تخدم مخططات تنظيمات الإسلام السياسي إلى المجتمع.
يستقوي الأزهر في مواجهة رغبة الحكومة في إخضاع تعليمه لسيطرتها بجذبه أكثر من 40 ألف طالب من مختلف بلدان العالم، وكان ذلك أحد المبررات التي ساقتها اللجنة الدينية في مجلس النواب المصري في أثناء تمرير التعديلات المنظمة لعمل الهيئات التابعة لها باعتبارها منصة تجذب الطلاب الساعين للتعرف على تعاليم الإسلام الوسطي، وتجد الحكومة نفسها في موقف ضعيف في ظل المشكلات التي تجابه تعليمها المدني.
وتمكن الأزهر من توظيف مساعي الحكومة لمواجهة هيمنة جماعات الإسلام السياسي على المنابر الدينية والمساجد لصالحه وتوسع في إنشاء أروقة تعليم وتحفيظ القرآن ما مكنه من جذب 500 ألف دارس خلال إجازة الصيف، وروج لقدرته على جذب الأطفال إلى أروقته وتحقيق نجاح إضافي يعزز ثقة المواطنين فيه، ويشكل بابا خلفيًا لجذب الطلاب إلى معاهده لتلقي تعليمه العلمي والديني.
غياب الرؤية
واستفاد الأزهر من عدم وجود رؤية واضحة لدى الحكومة تستطيع من خلالها مجابهة معتقدات مجتمعية ما زالت ترى أن التعليم الديني هو الأفضل مع غياب الدور التربوي والاجتماعي للمدارس المدنية، وأن الدخول مع الأزهر في صدام وعرقلة ضغوطه المستمرة لتحسين أحوال مؤسساته سوف يؤدي إلى المزيد من الصدام العلني غير المرغوب فيه في ظل مساعي الكثير من المواطنين للتغلب على أوضاعهم الاقتصادية الصعبة بالاتجاه نحو التعليم الأزهري الذي تشكل مصروفاته نسبة 10 في المئة من إجمالي مصروفات المدارس المدنية الحكومية.
وتزايدت شكاوى الأزهر من وجود عجز في أعداد المعلمين بالمعاهد التي تجذب عددا كبيرا من الطلاب في المراكز والقرى التابعة لمحافظات مختلفة، وبدا أن تمرير التعديلات الأخيرة هدفه الحفاظ على تقديم حد أدنى من التعليم والحفاظ على استقرار التعليم في معاهد ومدارس الأزهر، وقد تكون ثمة فرصة في المستقبل لتكون تبعيتها لوزارة التعليم، حال جرى التعامل مع قيادات أزهرية أكثر انفتاحا.