الحكومة الباكستانية الجديدة عينها على دول الخليج

حالة الغموض في إسلام أباد تفرض المراقبة قبل تقديم الدعم المالي.
السبت 2022/04/30
ضمان الدعم الخليجي يطيل عمر الحكومة

يدرك رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف جيدا أهمية الدعم الخليجي في استمرار حكومته من عدمه، لذلك يضع تعزيز التقارب وإصلاح العلاقات الفاترة مع الرياض وأبوظبي نصب عينه، وسارع بالتحرك نحوهما في زيارة تبدأ بالسعودية كمحطة رئيسية لمناقشة الجوانب المشتركة إلى جانب إعادة العلاقات السعودية - الباكستانية إلى سالف قوتها.

هناك حكومة ائتلافية جديدة على رأس السلطة في إسلام أباد، ومثل الحكومات التي سبقتها، لم ترث هذه الحكومة اقتصادا محاطا بالأزمات فحسب، بل إنها فتحت الباب على مصراعيه لتدخل ومشاركة صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى شركاء أجانب رئيسيين، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وذلك بغرض الحصول على الدعم الطارئ.

وللأسف يكرر التاريخ نفسه في باكستان، حيث لا تعيد صراعات النخبة على السلطة والانهيارات الاقتصادية نفسها بوتيرة منتظمة فحسب، بل إنها تميل إلى الحدوث في نفس الوقت. ووسط لعبة الكراسي الموسيقية السياسية التي لا تنتهي في باكستان، ذهب حكامها إلى صندوق النقد الدولي لما يقرب من عشرين مرة، وعلى مدى عقود، وتدخلت أبوظبي والرياض في مناسبات عديدة لتجنب الانهيار التام للاقتصاد الباكستاني.

لذا لن يفاجأ حكام دول الخليج العربية من زيارة رئيس الوزراء شهباز للمنطقة بأيد ممدودة، فقد قام شقيقه نواز رئيس الوزراء السابق لثلاث مرات بهذه الرحلة عدة مرات من قبل.

وقدمت أبوظبي والرياض المليارات من الدولارات في شكل تمويل قصير الأجل لتعزيز احتياطيات إسلام أباد من العملات الأجنبية، ولكن مع مستوى التضخم الذي وصل إلى خانة العشرات وتوجه العجز في الحساب الجاري والعجز المالي نحو مستويات خطيرة، فإن باكستان بحاجة ماسة إلى تعزيز مخزونها من العملات الأجنبية، والذي بالكاد يغطي شهرين للواردات، فضلا عن إدارة التكلفة المتزايدة للوقود.

حزمة الإنقاذ من قبل شركاء باكستان الخليجيين للحكومة شريان الحياة الذي تحتاجه للبقاء في السلطة

وقررت حكومة شريف مؤخرا عدم إلغاء دعم الطاقة باهظ الكلفة الذي أعلنته الحكومة السابقة، والذي قد لا يعرض برنامجها الحالي لصندوق النقد الدولي للخطر فحسب، بل سيفرض أيضا تخفيضات في الإنفاق التنموي.

ويزعم المعلقون الباكستانيون المتحالفون مع الحكومة الجديدة أن شهباز سيعود من السعودية “بأخبار سارة”، وقد يعني ذلك وديعة مالية جديدة لدى البنك المركزي الباكستاني لتفادي أزمة ميزان المدفوعات وتوسيع التسهيلات الائتمانية النفطية الحالية التي قدمتها الرياض.

وقد يسعى شهباز، مثل سابقيه، لدعوة دول الخليج العربية إلى مشاريع مرتبطة بميناء “جوادر” والممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، لكن من المرجح أن تؤجل دول المنطقة اتخاذ قرارات بشأن الاستثمارات الكبرى إلى ما بعد الانتخابات العامة المقبلة.

إن عمر الحكومة الائتلافية غير مؤكد وقد يكون عمرها قصيرا على أي حال، ويمكن أن تستمر لمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر أو حتى إلى العام المقبل، أي عندما تكون الولاية الحالية للجمعية الوطنية على وشك الانتهاء.

وقد تنتهي زيارة شهباز إلى الرياض بالتركيز ببساطة على إصلاح العلاقات مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وتملك عائلة شريف علاقات طويلة المدى مع المملكة العربية السعودية، حيث قضت أوائل منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في المنفى في جدة بعد أن تمت الإطاحة بنواز عن طريق قائد الجيش آنذاك الجنرال برويز مشرف، وكانت لدى شهباز أيضا استثمارات في المملكة العربية السعودية، لكنه رفض في عام 2015 الانضمام إلى التحالف الذي تقوده السعودية في حرب اليمن، مما أغضب الرياض وشكل قطيعة في العلاقات بين شريف والسعودية.

من غير المرجح أن يواصل شهباز منهج الشعبوية الإسلامية الذي اتبعه سلفه عمران خان وقد يعطيه ذلك شيئا من المصداقية مع أبوظبي والرياض
من غير المرجح أن يواصل شهباز منهج الشعبوية الإسلامية الذي اتبعه سلفه عمران خان وقد يعطيه ذلك شيئا من المصداقية مع أبوظبي والرياض

وفي نفس الوقت تقريبا، أقامت حكومة نواز علاقات مع قطر وتركيا، مما مثل تحولا من نهجها الذي كان متمركزا على السعودية، واتجه بدلا من ذلك صوب الشرق الأوسط، وقد تتطلب المساعدة الإضافية السعودية من شريف تقديم شيء في المقابل، مثل اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إيران.

ومن غير المرجح أن يواصل شهباز منهج الشعبوية الإسلامية الذي اتبعه سلفه عمران خان، وقد يعطيه ذلك شيئا من المصداقية مع أبوظبي والرياض، ولم يكن خان من أشد المنتقدين لانتهاكات الهند لحقوق الإنسان في منطقة كشمير المتنازع عليها فحسب، ولكنه كان أيضا صريحا حول معارضته لأيديولوجية هندوتفا لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند.

ويسعى شهباز وكذلك الجيش الباكستاني لاتباع نهج أكثر نفعية مع نيودلهي مع إعطاء أولوية أكبر للتجارة، وذلك النهج، بالرغم من كلفته الباهظة على الصعيد الداخلي سياسيا، إلا أنه قد يقلل التصادم مع أبوظبي والرياض، اللتين تمدان جسور التواصل مع الهند.

وكانت الشعبوية الإسلامية الدولية لخان جزءا محوريا من علاقاته مع تركيا، وهو الأمر الذي أزعج المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وسيواصل شهباز علاقات قوية مع أنقرة، وهي العلاقات التي تعود إلى فترة توليه منصب رئيس وزراء مقاطعة البنجاب، لكن هذه الجهود ستكون قائمة إلى حد كبير على التعاون الاقتصادي.

باكستان ستشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي في الأشهر المقبلة مع استمرار الاحتجاجات حول خان وتدهور الأوضاع الاقتصادية

وستشهد باكستان حالة من عدم الاستقرار السياسي في الأشهر المقبلة مع استمرار الاحتجاجات حول خان وتدهور الأوضاع الاقتصادية. ووسط الفوضى السياسية، يمكن للمرء توقع نمو علاقات باكستان العسكرية مع الشركاء في الشرق الأوسط، ويبدو أن وتيرة التدريبات العسكرية المشتركة بين السعودية وباكستان قد تسارعت في العام الماضي، وتعد تركيا مصدرا كبيرا للمعدات الدفاعية للجيش الباكستاني، كما سيكون التعاون الاستراتيجي بين باكستان وشركائها في الشرق الأوسط بمعزل إلى حد ما عن الاضطرابات السياسية في إسلام أباد.

ويمكن أن توفر حزمة الإنقاذ الاستثنائية من قبل شركاء باكستان الخليجيين للحكومة الجديدة شريان الحياة الذي تحتاجه للبقاء في السلطة حتى العام المقبل كما ستمهد الطريق لشهباز للفوز في الانتخابات العامة المقبلة، ولكن قد تنهار الحكومة الائتلافية الجديدة في الأشهر المقبلة بعد أن حققت هدفها الأساسي المتمثل في إزاحة خان من منصب رئيس الوزراء ومنعه من تعيين ضابطه الكبير المفضل كرئيس للجيش.

وقد يختار شهباز إجراء انتخابات عامة مبكرة في وقت لاحق من هذا العام مع اشتداد التوترات السياسية وتفاقم الأوضاع الاقتصادية، ولكن مع اجتذاب خان لحشود ضخمة في احتجاجات الشوارع منذ سقوطه، لا يمكن استبعاد عودة كابتن الكريكيت السابق إلى السلطة.

وبالنظر إلى حالة الغموض في باكستان، سيكون من الحكمة أن تراقب القوى الكبرى في الخليج والشرق الأوسط التطورات في إسلام أباد من مسافة آمنة.

7