الحكومات المتعاقبة متهمة دائما في مصر

الرئيس السيسي تحمل انتقادات كبيرة بدلا من رئيس الحكومة ولم يعرف المصريون غيره فحملوه وحده الأزمات المختلفة.
الأحد 2024/06/30
مع كل أزمة تختفي الحكومة

تصب شعوب عديدة غضبها على حكوماتها في أوقات الشدة وتعتبرها سببا رئيسيا في مشاكلها، وعدم القدرة على علاج الأزمات الناجمة عن أخطائها وتلك الخارجة عن إرادتها، وواجهت الحكومة المستقيلة في مصر صعوبات كبيرة تتحمل جانبا منها لسوء تقديرها في تنفيذ بعض السياسات، وتواجه الحكومة المنتظر تشكيلها حكما مسبقا بفشلها في علاج الأزمات، ولا توجد علامات تؤكد أن المواطنين سيمنحونها ثقتهم.

يتحكم رئيس الدولة في رسم السياسات العامة، ويعلم غالبية المصريين أن الحكومة والمسؤولين عن الحقائب الوزارية جهة تنفيذية، لكن وقت الأزمات القاسية يبدو رئيس الدولة حكما بين السلطات، وتتحمل الحكومة جميع الأخطاء، ويصب الناس غضبهم على العاملين فيها، ومشكلة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أنه تصدى منذ بداية حكمه لمخاطبة المواطنين، وقام تقريبا بدور الحكومة وعدد كبير من الوزراء فيها، وشرح بنفسه الكثير من التصورات والتوجهات وتفسير التصرفات نيابة عنهما.

تحمل الرئيس السيسي انتقادات كبيرة بدلا من رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، ولم يعرف المصريون غيره فحمّلوه وحده الأزمات التي تمر بها البلاد وتجاهلوا التطورات التنموية التي حدثت في الدولة وتذكروا فقط مشاكلهم المعيشية المباشرة. وبعد أن بدأت تجليات المسألة تزداد معالمها في الشارع، أفسح رئيس الدولة المجال لرئيس الحكومة لمخاطبة المواطنين لتخفيف الضغوط عنه، وتأكيد أن الحكومة مسؤولة أمام الشعب وبالتالي الإشارة ضمنيا إلى أن الخطأ في التنفيذ وليس السياسات.

◙ الحكومة الجديدة من المتوقع أن تحوي وزراء كفاءات (تكنوقراط) لكن ليس بالضرورة أن يقبلهم الناس ويمنحونهم ثقتهم

وسواء أكان الخطأ في التنفيذ أم في السياسات، أو في الاثنين معا، يتعامل الناس في مصر مع الحكومة على أنها متهمة دائما بالتقصير، ولا توجد حكومة مصرية خلال القرن الأخير أو قبله لم تتعرض إلى انتقادات واتهامات وضعتها في زمرة الفاشلين، فحكومة مصطفى مدبولي المستقيلة أو التي يعتزم تشكيلها لن تحظى بالقبول الواسع مهما كانت تصرفاتها، لأن مطالب الناس لا تنتهي، وطموحاتهم بلا حدود، والجهة الوحيدة التي يمكنها محاسبة الحكومة أو إقالتها وهي مجلس النواب (البرلمان) دورها متذبذب، صعودا أو هبوطا، وفقا للأجواء السياسية العامة، ما جعل الناس هم الخصم والحكم.

فعندما توضع المسؤولية في يد البرلمان من السهل محاسبة الحكومة سياسيا، ووفقا للقانون وما يفرضه من ضوابط صارمة، لكن عندما توضع في يد الشعب بفئاته المختلفة حتما سيكون الحكم قاسيا وربما عشوائيا، لأن رؤيته تنبثق من تطلعاته وطموحاته وأحلامه وليس من منطلق الصواب والخطأ، ما ينجم عنه انقسام حاد، فالمستفيدون ومن حققوا مكاسب من وراء تصرفات الحكومة في أوج إخفاقها سوف يدافعون عنها، والعكس صحيح، وفي الحالتين يأتي الحكم عليها غير دقيق.

رسخ في وجدان المصريين أن تغيير رئيس الحكومة أسهل من تغيير رئيس الدولة المحدد بإجراء انتخابات مكلفة كل ستة أعوام وفقا للدستور، ما يدفعهم نحو توجيه غضبهم إلى رئيس الحكومة، باعتباره حلقة ضعيفة يمكن النيل منها دون عواقب أمنية وسياسية كبيرة أم صغيرة، ولا يرتبط تغييره بتوقيت زمني معين، ولا توجد مدة قانونية تفرض الالتزام بها لتغييره أو المسؤولين عن الحقائب الوزارية في حكومته.

تمنح هذه الثغرة الفرصة لتصاعد حدة الانتقادات للحكومة للتنفيس عن الغضب الشعبي، واختبار قدرة النظام الحاكم على المقاومة السياسية، وقد يقبل النظام التنفيس في وقت معين، وتشارك أذرعه الإعلامية في تغذيته لامتصاص جوانب منه، لكنه يحرص على تعزيز مناعته السياسية، فالتضحية برئيس الحكومة عند أول مد شعبي ضده يفضي إلى تقصير أجل من يأتي بعده، وكان يمكن إقالته بسهولة لو أن هناك أحزابا قوية في البرلمان بالصورة الكافية، وبما يساعدها على تشكيل الحكومات أو إقالتها.

ينحصر تعيين الحكومات أو إقالتها عمليا في يد رئيس الدولة وتقديراته السياسية والأمنية، والآن أصبح العنصر الاقتصادي حاسما فيها، فمصر تعيش أزمة اقتصادية طاحنة، ارتفعت بسببها الشريحة الواقعة تحت خط الفقر، وثمة قطاع يواجه عقبات معيشية ولا يستطيع تلبية الحد الأدنى من متطلباته الحياتية، وهي دوافع رئيسية لقبول استقالة حكومة مدبولي، لكن إعادة تكليفه بتشكيل الحكومة غير مقنعة لفئة من المواطنين بشأن تحقيق إنجازات ومعالجة عيوب هيكلية في الرؤى الاقتصادية.

◙ العقبة التي تواجه الحكومة المنتظرة أن الناس أكثر تحفزا، وأقل رهانا على قدرتها في تجاوز الكثير من العقبات

من المتوقع أن تحوي الحكومة الجديدة وزراء كفاءات (تكنوقراط)، لكن ليس بالضرورة أن يقبلهم الناس ويمنحونهم ثقتهم، لأن المطلوب تحقيقه على المستوى الاقتصادي لن يحدث بين يوم وليلة، والشريحة التي ضجت من الأزمات المعيشية قد لا تنتظر كثيرا، فجُلّ ما يعنيها أن ترى تحسنا ملموسا في حياتها، يساعدها على كسر حلقات الفقر الجهنمية أو جزء منها، بما يوفر الأمل في المستقبل، الأمر الذي يصعب حدوثه مع تعاظم الأزمات، والوقت الذي يمكن أن تستهلكه لتفكيكها.

لن تستطيع الحكومة الجديدة تقديم حلول سحرية لأزمات المصريين الواسعة، وهو ما يجعل قبولها شعبيا عملية مضنية، فقد ظهرت ملامح الامتعاض مع تكليف مدبولي نفسه بإعادة تشكيلها، وهي إشارة فهمها مصريون على أنه شخصيا قد لا يبقى طويلا على رأس الحكومة، وعلامة على جس نبض المواطنين حياله، لأنه ورقة مدخرة منذ فترة لامتصاص غضبهم، وبدلا من أن تُلقى مرة واحدة من خلال تغيير يشمله، جرى التفكير في تجزئتها، أي تحميل مسؤولية الأزمة للوزراء فقط، وإذا لم ينجح هذا الاتجاه في التهدئة يمكن التضحية برئيس الحكومة في مرحلة آنية أو لاحقة.

فمع تزايد الشكوك الشعبية في قدرة مدبولي على تحسين الأوضاع الاقتصادية بطاقم وزاري جديد، أو أغلبه، قد يضطر الرجل إلى طلب الإعفاء، لأن المهمة التي سوف يقوم بها الفترة المقبلة توصف بـ”الانتحارية”، في إشارة دالة على حجم الصعوبات التي تواجهه ونجاحه في التغلب عليها كي يشعر الناس بأن تحسنا حقيقيا قد حدث مع تشكيل الحكومة الجديدة.

العقبة التي تواجه الحكومة المنتظرة أن الناس أكثر تحفزا، وأقل رهانا على قدرتها في تجاوز الكثير من العقبات، وإذا كان هذا الاتجاه يشي بأريحية في تعاملها مع الأزمات، فإنه ينطوي على إحباط مضاعف، ربما يجبرها على الاستسلام وعدم الاعتداد بعواقبه، أو السعي إلى تبديله من خلال سياسات قادرة على تغيير هذه الصورة، وتظل الحالة الثانية أفضل، لأنها كفيلة بتوفير نقلة نوعية إيجابية في رؤية المصريين لحكومتهم، يؤدي حدوثها إلى إعادة الثقة في من يتبوأ هذا المنصب.

ما يعلمه مصريون كثيرون أن منصب رئيس الحكومة يمنحه الدستور صلاحيات كبيرة، يتوقف توظيفها واستغلالها على شخصية من يتولاه، وهي مزايا أغرت بعض الشخصيات على التفكير في هذا المنصب خلال السنوات الماضية، وهي ذاتها التي أبعدتهم عندما وجدوا انتقاصا في بعض المهام التي يجب أن يقوموا بها.

4