الحظر الأميركي يُعري دور جامعات إيران كقوة نفوذ في الخارج

فروع جامعة المصطفى الدولية يقودها الحرس الثوري الإيراني كغطاء لتجنيد الطلاب في "لواء فاطميون" ونشر التشيع.
الخميس 2020/12/24
الجامعات أذرع خفية للنفوذ الإيراني في المنطقة

عملت إيران، طيلة سنوات، على تأسيس أذرع ناعمة لها في العديد من الدول ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة إليها حتى تكون أداة لتمرير أجندتها وإبقاء شعلة ثورتها متقدة. وتأتي الجامعات كإحدى أهم الأدوات تنفيذا لمبدأ التعبئة التربوية الذي أوصى به آية الله الخميني. ورغم أن تأسيس فروع في الخارج كان يتسم بالخفاء عادة، إلا أن العقوبات الأميركية قد عرّت نشاط تلك الفروع، حيث ثبت تورطها في أعمال تجسس وتجنيد عملاء ضمن شبكة دولية معقدة.

عملت إيران، طيلة سنوات، على تأسيس أذرع ناعمة لها في العديد من الدول ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة إليها حتى تكون أداة لتمرير أجندتها وإبقاء شعلة ثورتها متقدة. وتأتي الجامعات كإحدى أهم الأدوات تنفيذا لمبدأ التعبئة التربوية الذي أوصى به آية الله الخميني. ورغم أن تأسيس فروع في الخارج كان يتسم بالخفاء عادة، إلا أن العقوبات الأميركية قد عرّت نشاط تلك الفروع، حيث ثبت تورطها في أعمال تجسس وتجنيد عملاء ضمن شبكة دولية معقدة.

طهران- استخدمت المؤسسة الدينية الإيرانية منذ ثورة الخميني في عام 1979، المنظمات الدينية لتوسيع نفوذها في الخارج ومن أهمها جامعة المصطفى الدولية، وهي عبارة عن شبكة من المعاهد الدينية، ومقرها مدينة قم المقدسة لدى الشيعة، ولها فروع في حوالي خمسين بلدا.

وتدعي الجامعة أنها تدرس علم الدين الشيعي والعلوم الإسلامية واللغة الفارسية لعشرات الآلاف من الطلاب الأجانب عبر آسيا وأوروبا وأفريقيا وأميركا الجنوبية وربما حتى العرب، لكن خصوم طهران يقولون إن الجامعة متورطة في عمليات تجسس وجنّدت مقاتلين أجانب في حرب إيران بالوكالة في سوريا.

فرود بيزهان: عمق أعمال الجامعات الإيرانية اتضح مع فرض حظر على طهران
فرود بيزهان: عمق أعمال الجامعات الإيرانية اتضح مع فرض حظر على طهران

ولسنوات، وثق خبراء وأجهزة الاستخبارات الغربية تجنيد الحرس الثوري الإيراني وتدريبه ونشره لآلاف من المقاتلين الشيعة في سوريا للدفاع عن رئيس البلاد، بشار الأسد، الحليف الرئيسي لطهران في الحرب الأهلية التي اندلعت في العام 2011، ومع فرض عقوبات على طهران والعديد من المؤسسات التابعة لها، بدأت تتكشف العديد من الخفايا حول دور الجامعات على وجه التحديد.

منصة للتجنيد

افتتحت جامعة آزاد الإسلامية (الجامعة الإسلامية الحرة) الإيرانية في يناير 2018 فروعا جديدة لها في سوريا والعراق، وقد احتفت إيران بشكل لافت بهذا الافتتاح الذي يحمل طابعا سياسيا يخرج الخطوة من سياقها التعليمي الثقافي لتكون جزءا من إستراتيجية تصدير الثورة على المدى الطويل.

وجامعة آزاد هي الجامعة الإيرانية الثالثة التي تفتح في سوريا، إذ سبق أن افتتحت إيران كلا من جامعة المصطفى وجامعة الفارابي منذ بدء التدخل العسكري الإيراني في سوريا إلى جانب النظام عام 2011. وتملك الجامعة فرعين في لبنان وفرعا في العاصمة الأفغانية كابول وهناك أحاديث عن مشروع فرع في اليمن.

ولأن متابعة نشاط تلك الجامعات كان معروفا لدى دائرة ضيقة، إلا أنه وبحسب المحلل فرود بيزهان، الذي يشرح ذلك في تقرير نشره مركز “أوراسيا ريفيو” الأميركي للدراسات والبحوث، اتضح عمق أعمالها مع فرض الولايات المتحدة عقوبات على شبكة جامعة المصطفى الضخمة في الثامن من هذا الشهر، بزعم تورطها في تجنيد طلاب أفغان وباكستانيين للقتال في الصراع السوري.

وقالت وزارة الخزانة الأميركية إن فيلق القدس، ذراع العمليات الخارجية للحرس الثوري، استخدم الفروع الخارجية للجامعة كـ”منصة تجنيد” لـ”جمع المعلومات والعمليات”، بما في ذلك تجنيد الميليشيات الموالية لإيران.

وأشارت الوزارة إلى أن فيلق القدس استخدم جامعة المصطفى الدولية “كغطاء” لتجنيد أفغان في “لواء فاطميون” المدرج على القائمة السوداء، وهي ميليشيا موالية لإيران تقاتل في سوريا.

علاوة على ذلك، استخدم فيلق القدس أيضا حرم المصطفى الجامعي في قم “كأرضية تجنيد” للطلاب الباكستانيين للانضمام إلى “لواء زينبيون” المدرج على القائمة السوداء، وهي ميليشيا تتألف من شيعة باكستانيين. وأضافت وزارة الخزانة أن “العديد من طلاب الجامعة قتلوا أثناء القتال في سوريا”. لكن الجامعة انتقدت قرار واشنطن وقالت إنها تعزز “السلام والصداقة والأخوة بين الدول”.

علي ألفونة: العديد من الطلبة استقطبوا لقوات كتائب فاطميّون وزينبيّون
علي ألفونة: العديد من الطلبة استقطبوا لقوات كتائب فاطميّون وزينبيّون

وكدليل على تورط الجامعات الإيرانية وخاصة الدينية منها، يؤكد علي ألفونة، زميل أقدم في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، والذي راقب عن كثب نشاط الحرس الثوري الإيراني في سوريا، أنه وفقا لقاعدة بياناته من يناير 2012 إلى ديسمبر الجاري، قُتل 3059 مقاتلاً إيرانيا وحليفا أجنبيا في القتال في سوريا.

ومن بين هؤلاء، كان ثلاثة فقط من الطلاب أو خريجي جامعة المصطفى الدولية، وهذا يشير بحسب ألفونة إلى أن جمعية المصطفى لم تكن فقط قاعدة التجنيد الأساسية للحرس الثوري الإيراني في المجهود الحربي في سوريا.

وقام الحرس الثوري بتجنيد الآلاف من المهاجرين واللاجئين الأفغان داخل حدوده واستقطب المئات من الشيعة سرا داخل أفغانستان وتم استخدام نفس الإستراتيجية لتجنيد الباكستانيين.

ويبدو أن الأفراد الثلاثة الذين تم تحديدهم كانوا يشغلون مناصب قيادية أو مخابراتية أو سياسية أيديولوجية وهذا يعني أن الحرس الثوري الإيراني ينظر إلى خريجي أو طلاب جامعة المصطفى الدولية على أنهم أفراد ذوو قيمة عالية.

وغالبًا ما كان يتم استخدام المقاتلين المنتظمين في قوات كتائب فاطميون وزينبيون سيئة التدريب كخط أول للهجوم. ويقول ألفونة، إن الحرس الثوري اعتبر المقاتلين الأفغان وقودا للمدافع، بالنظر للاستثمار الضئيل الظاهر في تدريبهم والتعرض الذي واجهوه في ساحة المعركة.

تصدير التّشيع

سعت طهران في السنوات الماضية من خلال الانتقال إلى مأسسة النفوذ الثقافي، إلى جعل الدول المتحالفة معها وخاصة في الشرق الأوسط مرتبطة بنيويًّا بالعصب العقائدي للنظام الإيراني بغض النظر عن التفاهمات والتسويات والضغوط التي قد تطرأ على المستوى السياسي والتي قد تعيد تعريف النفوذ الإيراني في كامل المنطقة.

وتؤكد العديد من الأبحاث المنشورة في السنوات الأخيرة أن هذا التوسع جزء من إستراتيجية إيران الناعمة والمتطورة التي تعزز الأهداف الأيديولوجية والسياسية لطهران وهو أمر عبّر عنه علي أكبر ولايتي كبير مستشاري السياسة الخارجية للمرشد الأعلى صراحة في كثير من المرات حينما قال إن “تأثير إيران في القوة الناعمة يساعد على نشر الإسلام (الشيعي وفق رؤية الولي الفقيه) في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الصين والهند والعالم العربي”.

الحرس الثوري اعتبر المقاتلين الأفغان وقودا للمدافع، بالنظر للاستثمار الضئيل الظاهر في تدريبهم
الحرس الثوري اعتبر المقاتلين الأفغان وقودا للمدافع، بالنظر للاستثمار الضئيل الظاهر في تدريبهم 

ومن غير الواضح كيف ستؤثر العقوبات الأميركية على أنشطة جامعة المصطفى الدولية في قم، حيث يقع أحد أكبر فروعها الأجنبية في أفغانستان، حيث غالبية المسلمين من السنة، لكن حوالي 15 في المئة من سكانها (معظمهم من الهزارة) هم من الشيعة الذين تربطهم صلات دينية بالأغلبية الشيعية في إيران.

وتشترك إيران بروابط تاريخية وثقافية ولغوية عميقة مع أفغانستان، وقد وسعت نفوذها في البلاد من خلال تمويل الحلقات الدراسية والمنافذ الإعلامية والمراكز الثقافية ومشاريع البنية التحتية.

وينحدر مقاتلو لواء فاطميون الأفغان في سوريا من قومية الهزارة، بعضهم كان موجودا بالفعل في البلاد قبل اندلاع الأزمة، وآخرون كانوا لاجئين في إيران منذ سنوات، بسبب تردي الوضع الأمني في أفغانستان.

واستغلت إيران متمثلة في الحرس الثوري، فقر وجهل هؤلاء الشيعة الأفغان واحتياجهم إلى المال، ليكونوا إحدى أدواتهم في الصراع السوري مقابل مبالغ مادية، وإعطائهم أوراق إقامة قانونية لهم ولعائلاتهم في إيران.

الحرس الثوري قام بتجنيد الآلاف من الأفغان داخل حدوده واستقطب المئات من الشيعة سرا داخل أفغانستان وتم استخدام نفس الإستراتيجية لتجنيد الباكستانيين

ولفتت تقارير حقوقية إلى أن قرابة أربعة ملايين من الأفغان يعيشون في إيران في بيئة تتسم بالفقر والجهل، ويعتنقون المذهب الشيعي. ولعل تعويض خسائر قوات الحرس الثوري وخفض ميزانية الحرب الباهظة التي تصرفها طهران في سوريا، من أبرز الأسباب التي جعلت هؤلاء الشيعة فريسة للاستغلال الإيراني، والزج بهم داخل الصراع السياسي في سوريا.

وتحاول إيران عن طريق هذه المجموعات أن تظهر نفسها أمام الرأي العام العالمي على أنها لا تشارك في الحرب فعليا، متجنبة فرض القوى الكبرى أي ضغوطات أو عقوبات عليها.

وذكرت العديد من الدراسات البحثية والتقارير الاستخباراتية أن طهران عازمة على استخدام أعضاء هذه الميليشيات في فرض نفوذها وسياستها في دولهم، عند انتهاء الحرب في سوريا، ما يعني أن الآلاف من الأفغان الموجودين في ذلك البلد، سيشكلون تهديدات كبيرة على الدولة الأفغانية حال عودتهم إليها خاصة مع خطط الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

6