الحرب العالمية الرابعة: قصة مفهوم لم يعمر طويلا

الاثنين 2016/02/29

متى اندلعت الحرب العالمية الرّابعة، ومتى وضعت أوزارها؟ ليس ثمة من خطأ في السؤال. ولنوضح المسألة قليلا. لقد شهدت بداية ما يُوصف بالحرب على الإرهاب في عهد جورج دابليو بوش، رواجا مفاجئا لمَفهوم الحرب العالمية الرّابعة. لكن، سرعان ما اختفى هذا المفهوم على حين غرة، كأنه لم يكن شيئا مذكورا.

وتعتقد الكثير من الدراسات بأن ذلك المفهوم قد أبدعه المُحافظون الجدد إبان مرحلة سيطرتهم على الإدارة الأميركية، عندما حاولوا إقناع أصحاب القرار السياسي في أميركا باستبدال مفهوم الحرب على الإرهاب، والتي سبق أن أعلنها بوش الإبن، بمفهوم جديد هو الحرب العالمية الرّابعة.

بالعودة إلى مطلع القرن الحالي، لم تمض سوى أيام معدودة على اعتداءات 11 سبتمبر، حتى نشر إليو كوهن مقالا ضمن مقالاته الاعتيادية بمجلة كومانتري (عدد أكتوبر 2001)، والتي تعد لسان حال تيار المحافظين الجدد، دعا فيه المسؤولين الأميركيين إلى ضرورة التخلي عن مفهوم الحرب العالمية على الإرهاب، واستبداله بمفهوم الحرب العالمية الرّابعة، وقد رأى في ذلك التعديل الاصطلاحي حاجة استراتيجية بالغة الأهمية. ومنذ صُدور ذلك المقال تلقت المَجلة العديد من الرسائل والدراسات التي تؤيد أو تناقش الاقتراح الاصطلاحي لإليو كوهن. على أن المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية السي آي أي، جيمس وولسي، يظل صاحب الفضل الأكبر في شيوع هذا المفهوم، سواء من خلال وسائل الإعلام المرئيّة أو عبر مختلف المقالات التي كان يُوَقعها باسمه في مختلف وسائل الإعلام. ومع ذلك فمن باب الأمانة العلمية أن نعترف بأن مفهوم الحرب العالمية الرابعة، بالرغم من رواجه على يد المحافظين الجُدد، إلا أنّ الادعاء بأنّه إبداع خالص لهم، يجانب الصواب. وهذا ما تؤكده العودة إلى سيرة حياة هذا المفهوم.

يعود أوّل ظهور لمفهوم الحرب العالمية الرّابعة إلى ما قبل إعلان بوش الابن لحربه على الإرهاب، وإلى ما قبل اعتداءات 11 سبتمبر ببضع سنوات. ففي عددها الصادر في شهر أغسطس 1997 أصدرت جريدة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية مقالا يحمل عنوان: الحرب العالمية الرّابعة بدأت.

ورغم ما يوحي به ذلك، إلا أن المفهوم إياه لم ينحت داخل المشهد الثقافي الفرنسي، فقد كان كاتب المقال، هو ماركوس قائد ثورة الزاباتا بالمكسيك، والذي فضل أن يبعث بالمَقال من إحدى غابات المكسيك إلى صحيفة لها صلة قوية بتيارات اليسار والقوى التقدمية في العالم. ولعله من سوء طالع ماركوس أن المفهوم سيعرف بالفعل رواجاً واسع النطاق، لكن ليس على يد قوى اليسار والحركات التقدمية، خلاف ما كان يريده ويطمح إليه، فقد انتشر المفهوم على يد أعدائه وخصومه بالذات، أي المحافظين الجدد، هؤلاء الذين نفذوا بالفعل مشيئته وأشاعوا مفهوم الحرب العالمية الرابعة، وجعلوه متداولا في كل أرجاء المعمورة، لكن فقط بعد أن استبدلوا حمولته وخلفيته بما لا علاقة له بالمقاصد التي كان يهدف إليها من صاغه في البداية. كان قائد ثورة الزاباتا، يقصد من وراء استخدامه لمفهوم الحرب العالمية الرّابعة، أن يبين بأن الحرب الباردة هي الحرب العالمية الثالثة والتي انتهت عمليا إلى هزيمة المعسكر الشيوعي وانهيار الاتحاد السوفييتي، وهو القول الذي سيردده المحافظون الجدد ومعهم الإدارة الأميركية في عهد الرئيس جورج والكر بوش، غير أن ماركوس أراد أن يبين أيضا بأن الحرب العالمية الرّابعة هي الحرب التي تخوضها النزعة النيوليبرالية ضدّ شعوب ومصالح دول العالم الثالث، في حين سيعتبر المحافظون الجُدد وإدارة الرئيس بوش أن الحرب العالمية الرّابعة ليست سوى الحرب التي تخوضها أميركا ضد الإرهاب العالمي.

خلال عام 2004، تمكن مفهوم الحرب العالمية الرّابعة من العودة إلى الديار الفرنسية، وقد عاد هذه المرّة من خلال كتاب أنجزه أحد أبرز المُوالين الفرنسيين للمحافظين الجدد، ويحمل الكتاب عنوان: الحَرب العالمية الرّابعة. أمّا صاحب الكتاب، فهو فرانسوا بيرنارد هييغ، مثقف فرنسي كان من أبرز الدّاعين إلى مؤازرة أميركا في حربها على العراق. بيد أنّ خصلته الأساسية داخل المشهد الثقافي الفرنسي تكمن في هواية رمي منتقديه، كلما عز عليه الدّليل، بتهمة معاداة السامية.

وفي عدد 7 أبريل 2005 نشرت جريدة بولتيس الفرنسية، وهي جريدة مقرّبة من اليسار المناهض للعولمة، مقالا يطرح السؤال “هل الحرب على الإرهاب ستكون بمثابة الحرب العالمية الرّابعة؟”، لعل هذا السؤال، ومن مَوقع اليسار الجذري، يؤكد بأن مفهوم الحرب العالمية الرّابعة، كما دخل فرنسا عام 1997 قادما من أدغال الثورة الزاباتية بالمكسيك، ليس هو نفس المفهوم الذي عاد إليها قادما من مراكز الدراسات الاستراتيجية بالولايات المتحدة الأميركية. لقد كان من بين النتائج الجذرية لاعتداءات 11 سبتمبر أنّ مفهوم الحرب العالمية الرّابعة، والذي كان يُراد له أن يعبر عن الهجمة النيوليبرالية على مصالح دول وشعوب العالم الثالث، أصبح يحيل على المواجهة المفتوحة بين الولايات المتحدة وتنظيم القاعدة.

لقد انتقلت الحرب العالمية الرّابعة، من مرحلة كانت تدلّ فيها على المُواجهة المفتوحة بين كل من مَصالح الشركات متعددة الجنسية من جهة، وبين مصالح شعوب ودول العالم الثالث من جهة أخرى، إلى مرحلة الدلالة على المواجهة بين القيادة الأميركية وما يسمّى بالإرهاب. ولعلّ التساؤل الذي يستبد بأذهاننا الآن يتعلق بالمكاسب الاستراتيجية التي كان يريد أن يجنيها المحافظون الجدد من وراء محاولة استبدال مفهوم الحرب على الإرهاب بمفهوم الحرب العالمية الرابعة. وهي مكاسب بوسعنا أن نحصرها على النحو التالي :

أولا، إن أميركا التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية على النّازية، وانتصرت في الحرب العالمية الثالثة على الشيوعية، يمكنها أن تنتصر أيضا في الحرب العالمية الرابعة على الإرهاب.

ثانيا، إن أميركا التي قادت “العالم الحر”، خلال حكم روزفلت، إلى الانتصار في الحرب العالمية الثانية، وقادت “العالم الحر” خلال حكم ريغن، إلى الانتصار في الحرب العالمية الثالثة، بإمكانها أن تقود “العالم الحر” مرة أخرى للانتصار في الحرب العالمية الرّابعة.

ثالثا، إذا كانت الحرب العالمية الثالثة قد استمرّت لما يناهز نصف قرن من الزّمن، فعلينا أن نستعد لحرب عالمية رابعة قد تستغرق أكثر من ذلك، بل قد تستغرق الحرب ألف عام بحسب التصور الألفي لبعض الأصوليات الأميركية.

رابعا، من أجل الانتصار في الحرب العالمية الرّابعة، وكما كان الشأن خلال الحروب السابقة، فإن مسألة الزّعامة الأميركية للعالم يجب ألا تكون موضع خلاف.

إلا أن مفهوم الحرب العالمية الرابعة سرعان ما اختفى من حقل التداول الاستراتيجي دون أن يخلف أي أثر يذكر؛ فقد كان عمره قصيراً، كان عمره قصيرا جدا.

كاتب مغربي

9