الحرب السورية ربطت الشباب بثقافة العمل التطوعي

الدعم النفسي يعتبر أحد جوانب العمل التطوعي الناشئة بين الجيل الجديد.
الأحد 2020/12/13
التصدي للوباء بحاجة إلى طاقة الشباب

توسع مفهوم العمل التطوعي لدى الشباب في سوريا في السنوات الأخيرة، وأخذ أشكالاً متعددة تنوعت بين العمل الخيري والإغاثي والتنموي مع تتالي الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي طالت جميع جوانب الحياة في سوريا، وباتت الحاجة ماسة لجهود الشباب خصوصا مع تفشي وباء كورونا وضعف الإمكانيات الحكومية في التصدي له.

دمشق – شكلت الأزمات المتتالية خلال الحرب في سوريا حافزا كبيرا للشباب لتأسيس الفرق التطوعية، ودافعا لتبني ثقافة التطوع في المجتمع ضمن اختصاصات متنوعة كالتوعية والإغاثة والأعمال الخدمية، وساهمت بإحداث فارق ملموس في الكثير من الأحيان بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني.

وقبل الحرب السورية كان مفهوم التطوع غائبا تماما عن الشباب السوري ولا يحظى بأي اهتمام باستثناء المنظمات الشعبية التي كانت روتينية وبعيدة عن الإبداع فكانت هناك جمعيات ذات صيغة أهلية أو دينية خيرية محدودة التأثير وبتجارب خجولة.

لكن خلال السنوات الأخيرة، ومع تزايد الطلب على الخدمات الاجتماعية وضعف الإمكانيات الحكومية لتأمينها، بدأ هذا العمل بالتوسع حيث أخذ مفهوماً أكبر وبدأ يتأطّر ويتنظّم وفق أسس وضوابط عديدة، وأخذ أشكالاً متعددة تنوعت بين العمل الخيري والإغاثي والتنموي. وأصبح الاحتفال بيوم التطوع العالمي في الـ5 من ديسمبر من كل عام مناسبة لدى الشباب السوري للتطوع والقيام بمبادرات متعددة خلال هذا اليوم.

منظومة عمل أخلاقية

أسست فرق التطوع منظومة عمل أخلاقية ربطت الشباب من مختلف الأعمار بالبلد بشكل أكبر، وحفزتهم على تقديم خبراتهم على جميع المستويات دون مقابل، ووصل عددهم للآلاف وذهب البعض منهم باتجاه ترخيص الفرق بشكل جمعيات أو مؤسسات، مثل “سورية بتجمعنا” و”بصمة شباب سورية” وغيرها الكثير، بينما بقي الكثيرون دون صفة رسمية.

وتضم المؤسسات التطوعية متطوعين من عمر 18 سنة فما فوق معظمهم ينتمون إلى الشرائح المثقفة فمنهم طلاب جامعات وأطباء وإعلاميون ومهندسون ومهنيون.

وقامت بتنفيذ عدة مشاريع منها تقديم معدات حماية وقائية صحية للكوادر الطبية للتصدي لفايروس كورونا في المستشفيات العامة التي تعاني من نقص كبير في الإمكانيات، إضافة إلى برامج دعم العائلات المهجرة والفقيرة وبرنامج تدريب وتأهيل الكوادر الشبابية، وحملات التوعية والتبرع بالدم وحملات النظافة.

وتقول لينا عدرا المتطوعة في أحد هذه الفرق، إن “المجتمع في هذه الأوضاع الصعبة يحتاج إلى تكريس ثقافة التطوع بين الشباب، في المدارس والجامعات، فكل شخص قادر على أن يحدث فارقا”.

لينا عدرا:  العمل التطوعي يحتاج أن يتجاوز الفكرة التقليدية بأنه عمل روتيني، إلى توفير البرامج التدريبية وأبحاث تتعلق بأنشطة المتطوعين
لينا عدرا:  العمل التطوعي يحتاج أن يتجاوز الفكرة التقليدية بأنه عمل روتيني، إلى توفير البرامج التدريبية وأبحاث تتعلق بأنشطة المتطوعين

وأضافت عدرا في تصريح لـ”العرب”، “أن العمل التطوعي يحتاج أن يتجاوز الفكرة التقليدية بأنه عمل روتيني، إلى توفير البرامج التدريبية وأبحاث تتعلق بأنشطة المتطوعين ودعم أكبر من قبل وسائل الإعلام لنشر ثقافة التطوع والتحفز على المشاركة، والتعاون بين الجهات الحكومية والمؤسسات التطوعية”.

وتنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي عدد كبير من الصفحات التي تعود لفرق تطوعية ومؤسسات ومنظمات تُعنى بالعمل المجتمعي والتطوعي، وتظهر النشاطات والمبادرات والمشاريع التي تنفذها هذه الفرق في أغلب المحافظات السورية.

ففي مدينة السويداء جنوب سوريا، يضم فريق “سواعد البازلت” التطوعي مجموعة شباب يملكون خبرة في مجال العمل الإنساني ويوظفون هذه الخبرات منذ بداية تطبيق الإجراءات الاحترازية لفايروس كورونا بإعداد قاعدة بيانات حول الأسر الأشد حاجة والأشخاص المتضررين نتيجة توقف أعمالهم بسبب الإغلاق وحظر التجول وذلك من خلال استبيانات يتم ملؤها وجمعها عبر صفحة باسم الفريق على فيسبوك إن كان عن طريق أصحاب العلاقة أو بمساعدة أحد معارفهم ليتم تقييم احتياجاتهم والتواصل مع مبادرات وجمعيات وجهات أهلية لإيصال العون اللازم لهم.

وتقوم المبادرة على بناء قاعدة بيانات متكاملة لتسهيل وصول المتبرعين والأطراف المبادرة إلى الأسر الأشد حاجة والتنسيق بينهما لضمان تغطية جميع احتياجات الأسر المسجلة بالاستبيانات دون تكرار استهداف الأسرة نفسها من قبل أكثر من مبادرة بالمادة نفسها، ولفت أعضاء الفريق أنهم غير مخولين باستلام أي أموال أو تبرعات إنما هم بمثابة صلة وصل بين المتبرعين والأسر الأكثر احتياجا وتوثيق العون المقدم لها في الاستبيانات.

وفي اللاذقية نفذ فريق نادي الشباب التطوعي العديد من حملات النظافة والتعقيم لمبان ومراكز ومؤسسات حكومية إضافة إلى توزيع المنشورات التوعوية حول الفايروس.

وشملت حملات التعقيم عدداً من أقسام الشرطة وفروع الهجرة والجوازات وأماكن التنزه والتجمعات والفرن الآلي ومركز طوارئ الكهرباء ومركز المياه بالإضافة إلى حملة توزيع ملصقات تثقيفية حول الفايروس.

وأكدت روعة خليل أمينة الرابطة أن هذا هو الوقت الأمثل لتفعيل دور الشباب وتسخير طاقاتهم وإمكانياتهم لخدمة المجتمع مشددة على أهمية تضافر الجهود بين جميع الأطراف للحماية من خطر الوباء العالمي.

بدوره، أشار يزن أطلي المنسق الإعلامي للفريق إلى أن الهدف من هذه المبادرات نشر ثقافة العمل التطوعي وتعزيزها لدى الشباب مؤكداً الاستعداد الدائم للمساهمة لتجاوز هذه المحنة ومبيناً الالتزام الكامل بالإجراءات الوقائية خلال العمل كارتداء الكمامات والقفازات وتوخي الحذر عند خلط المعقمات والحفاظ على مسافة أمان عند الاختلاط مع الآخرين.

ضعف التمويل

الروتين في مؤسسات الدولة من أكثر العقبات التي تعيق معاملات تنظيم الفعاليات والمبادرات لفرق التطوع الشبابية
الروتين في مؤسسات الدولة من أكثر العقبات التي تعيق معاملات تنظيم الفعاليات والمبادرات لفرق التطوع الشبابية

تحتاج المشاريع التي تقوم بها الفرق التطوعية إلى دعم مادي ولاسيما أن أغلب أعضاءها لا يملكون فرص عمل، وتقول عدرا إن “غالبية الفرق التطوعية تحصل على تمويل متواضع من عدة جهات، جزء من داخل المؤسسة وجزء من خلال التعاون والتنسيق مع النقابات والاتحادات”.

ويساعد ترخيص الفرق التطوعية وتحولها إلى مؤسسات مرخصة على تأمين مساهمة رجال أعمال والقطاع الخاص في تمويلها، ففي حملة “من حقي البس” تعاونت غرفة الصناعة في حلب وشركة صناعات دوائية محلية، وساهمتا في توزيع ملابس لـ1500 عائلة مهجرة في عدة مناطق من مدينة حلب.

والعمل التطوعي في سورية نوعان إما أن يكون وطنياً ضمن منظمة الهلال الأحمر السوري أو أهلياً ضمن المؤسسات الخاصة والجمعيات الأهلية، وفي غالب الأحيان، يحتاج المتطوعون إلى نوع من التأهيل أو التدريب من أجل الاستفادة من طاقاتهم. وبعضهم يحتاج إلى فترات زمنية أطول من الآخرين.

ويدرج العمل التطوعي تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية، لكن الوزارة لديها بعض التحفظات على الإشراف على عمل الهلال الأحمر لكونه ينضم تحت إشراف الاتحاد الدولي للصليب والهلال الأحمر.

ويتجاوز عدد الجمعيات الخيرية والمؤسسات السورية المسجلة لدى الوزارة 1400 جمعية مرخصة ومسجلة، وفي حال كانت الفرق التطوعية لا تمتلك أي صفة رسمية أو شرعية، ينص القانون على عقوبات لمثل هذه التشكيلات.

وتشترط الوزارة للترخيص للجمعيات الخيرية عدم المساس بأي من الأمور السياسية أو الدينية أو ما يتعلق بأمن البلاد، أما الفرق التطوعية فلا توجد آلية لترخيصها وفق القوانين والأنظمة.

وتقول الوزارة، إنها كقطاع حكومي، لها دور توجيهي وإشرافي داعم ومن ثم رقابي عام ورغم ذلك يوجد بند في موازنة الشؤون الاجتماعية لدعم الفرق التطوعية لكن المبالغ المرصودة قليلة مقارنة بأعداد الجمعيات المتزايدة.

ويثير العمل التطوعي بشكله الحالي في سوريا في الكثير من الأحيان حالة جدل بين من يراه ضرورة إنسانية، ومن يعتبره أداة استغلت طاقة الشباب، ويتحدث آخرون عن وجود استغلاليين في صفوف المعنيين بالعمل التطوعي، يستغلون الأوضاع والأزمات لمصالحهم الشخصية، ما أدى في بعض الأحيان إلى تشويه صورة العمل التطوعي والأهلي.

عقبات وصعوبات

جهود المتطوعين تسد ثغرات الضعف الحكومي
جهود المتطوعين تسد ثغرات الضعف الحكومي

يعترض المتطوعون الشباب العديد من العقبات والصعوبات أهمها الروتين في بعض مؤسسات الدولة التي تعيق معاملات تخص بعض الفعاليات والمبادرات.

ويلفت العاملون في هذا المجال إلى أن العمل التطوعي، وإن تنامى مؤخراً، لكنه ما زال بحاجة للمزيد من التنظيم وإيصال فاعليته وكيفيته لمختلف شرائح المجتمع، بغياب قناة جامعة لعمل كل المؤسسات والفرق والجمعيات الوطنية الأهلية التطوعية التي تعمل على الأرض.

ويقول أحمد علي طالب، وهو يعمل ضمن مجموعة من المتطوعين في أحد مراكز الإيواء في ريف دمشق “أعمل منذ بداية الأزمة في العمل التطوعي أنا ومجموعة من زملائي الشباب، نقوم بتقديم الطعام لسكان المركز الذين يصل عددهم لحوالي 1500 شخص”.

وأضاف “غالبية أفراد المجموعة يكرسون ما يقارب 3 ساعات يوميا من وقتهم بالتناوب في هذا المركز للمساعدة في تقطيع الخضر وطهو الطعام للمهجرين، ونشعر براحة نفسية كبيرة لكوننا نساهم في تقديم شيء يساعد المتضررين من جراء الأزمة”.

وأشار إلى أنهم فريق تطوعي يعمل بشكل مستقل ولا يرتبط بأي جهة رسمية.

ونتيجة وجود شريحة كبيرة من الناس تحتاج للمساعدة المادية والمعنوية، خاصة الشريحة السكانية المهجرة قسرياً من المناطق الساخنة إلى المناطق الأكثر أمناً، باتت هناك حاجة كبيرة لدعم العمل التطوعي من خلال الإغاثة المادية (السلل الغذائية) والمعنوية (فرق الدعم النفسي والاجتماعي).

ويساهم العديد من طلاب علم الاجتماع والتربية وعلم النفس بالدعم النفسي والاجتماعي كعمل تطوعي من خلال مؤسسات الرعاية الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية.

ويجمع المشاركون بالأعمال التطوعية أن البلاد في أمسّ الحاجة خاصة خلال السنوات القادمة لجهود الشباب عامة وبجميع الاختصاصات للقيام بالعمل التطوعي. ويؤكدون أن تعزيز ثقافة العمل التطوعي تقع على عاتق جميع مؤسسات التنشئة الاجتماعية بدءاً من الأسرة مروراً بالمدارس والجامعات وصولاً إلى الإعلام والمؤسسات الدينية التي تلعب دوراً كبيراً في هذا المجال.

19