الحرائق تحوّل بلدانا عديدة في العالم إلى براميل بارود

التغيرات المناخية وراء اشتعال أحراج سيبيريا كل صيف.
السبت 2021/08/07
غضب الطبيعة

صار صيف السنوات الأخيرة حارقا في أغلب بلدان الكرة الأرضية حتى الباردة منها، فاشتعلت النيران في الأسابيع الماضية في سيبيريا ودول البلقان ودول أوروبية عديدة، ما ينذر بكارثة بيئية لا تتسامح فيها الطبيعة كما يعتقد البشر، إذ يحذر الخبراء من سحب الدخان وتلوث الهواء.

ياكوتسك (روسيا) - يلقي ألكسندر فيودوروف نظرة خاطفة من نافذة مكتبه على الغابة الشاسعة في جمهورية ياقوتيا في سيبيريا، في أحد الأيام النادرة التي لا يلفّ فيها الضباب الدخاني مدينته بسبب الحرائق.

واشتدّت حدّة الحرائق التي تلتهم كلّ صيف التايغا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وهي ظاهرة ينسبها خبراء مثل فيودوروف إلى التغير المناخي.

وفي ياكوتسك في شمال شرق روسيا حيث لا تزال المعتقدات الروحانية واسعة الانتشار، كثيرون هم الذين يعتقدون أن الطبيعة روح حيّة ستبقى دوما على انسجام مع البشر.

الطبيعة روح حيّة

موجة شديدة

لكن بالنسبة إلى ألكسندر فيودوروف المدير المعاون في معهد ميلنيكوف في ياكوتسك لدراسة التربة الصقيعية، فإن تداعيات الحرائق تظهر أن هذه المعتقدات خاطئة.

ويقول إن "الطبيعة تذكّرنا أكان هذه السنة أو السنة الماضية أنه لا يمكننا أن نعلّق كل آمالنا عليها"، مشيرا إلى أنه "لا بدّ من الاستعداد" لتداعيات الأزمة المناخية.

وقد تصبح ياقوتيا، وهي أرض شاسعة لا كثافة سكانية كبيرة فيها، من أكبر ضحايا احترار المناخ، على حدّ قول فيودوروف، فقد ارتفع متوسّط الحرارة السنوي في هذه المنطقة التي تعدّ من الأبرد في العالم بواقع ثلاث درجات مئوية، في حين أن حرارة الكوكب برمّته ازدادت درجة واحدة. وقد شهد هذا الصيف عدّة أيام بلغت فيها الحرارة مستويات قياسية بحدود 39 درجة مئوية.

ومن الصعب نسب كلّ حريق إلى تداعيات التغير المناخي، غير أن ارتفاع الحرارة وازدياد موجات الجفاف يجعلان الحرائق أكثر تواترا وشدّة، بحسب الخبراء.

وقد قضت النيران على 1.5 مليون هكتار من الغابات في هذا الصيف الذي يعدّ الأكثر جفافا في ياقوتيا منذ 150 عاما، بحسب السلطات المحلية.

ويقول ألكسندر إيساييف الخبير المعني بشؤون ياقوتيا في الأكاديمية الروسية للعلوم إن "الحرائق الحالية تحطّم أرقاما قياسيا على أكثر من صعيد".

وفي سيبيريا اضطرت السلطات إلى الاستعانة بخبراء في الجيش لاستمطار الغيوم.

أما في ياقوتيا التي يقطنها أقلّ من مليون نسمة، فهذه المهام بجزئها الأكبر ملقاة على عاتق عناصر إطفاء منهكين ومتطوّعين غير مزوّدين بكلّ ما يلزم.

خبراء استمطار

خطة بديلة

يكشف نيكيتا أندرييف الذي يترأس الوحدة المخصصة لياقوتيا أنه يتقاضى مبلغا زهيدا جدّا يوازي 6 روبلات (0.82 دولار) من الميزانية الفيدرالية لكلّ هكتار من الأرض.

ومن ثمّ لا يتمّ إخماد العشرات من الحرائق التي تندلع في مواقع بعيدة عن المناطق المأهولة.

ويقول أندرييف "ليس لدينا ما يكفي من القوى العاملة أو المعدّات اللازمة لإخماد الحرائق. ومن الضروري تخصيص المزيد من التمويل" لهذا الغرض.

وبحسب وكالة الغابات الروسية، أتت الحرائق على أكثر من 11.5 مليون هكتار منذ مطلع العام، في مقابل 8.9 ملايين كمعدّل سنوي مسجّل منذ مطلع الألفية الثالثة.

 

النيران تقضي على 1.5 مليون هكتار من الغابات في هذا الصيف الذي يعد الأكثر جفافا في ياقوتيا منذ 150 عاما

ومن سيبيريا إلى الأورال مرورا بكاريليا، يواجه البلد "حرائق غير عادية"، على حدّ قول غريغوري كوكسين من الفرع الروسي لمنظمة "غرينبيس" الذي لا تخفى عليه "تداعيات التغير المناخي الجلية".

وهذه الأزمة هي التي دفعت تورغون بوبوف (50 عاما) إلى إقناع ناديه لألعاب القوى في ياقوتيا بمساعدة عناصر الإطفاء.

وصرّح "لا بدّ لنا من الإقرار بأن الحفاظ على الطبيعة هو الحفاظ على مستقبلنا ومستقبل أطفالنا".

وتؤدي الحرائق إلى انبعاث كمّيات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوّي وتقضي على الشجر الذي يمتصّه عادة. وهي كلّها عوامل تفاقم من التغير المناخي.

وعلى المدى الطويل، قد يؤدّي الأمر إلى ذوبان التربة الصقيعية التي تحوي غازات مسببة لمفعول الدفيئة هي أعلى بمرّتين من تلك المحبوسة في الغلاف الجوي. والوضع أشبه بقنبلة موقوتة.

ويقول ألكسندر فيودوروف "إنه لأمر خطير للعالم برمته".

يذكر أن مناطق كثيرة من العالم تشهد حرائق خطيرة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، كما في تركيا واليونان وإيطاليا وكاليفورنيا في الولايات المتحدة.

وتكافح اليونان ظروف طقس قاسية هذا الصيف وموجة حرارة مستمرة منذ أسبوع هي الأسوأ منذ 30 عاما مما تسبب في نشوب حرائق غابات في العديد من أنحاء البلاد أحرقت المنازل وأسفرت عن نفوق حيوانات مع انتشار النيران في الآلاف من الهكتارات.

وقال رئيس وزراء اليونان كرياكوس ميتسوتاكيس "نواجه ظروفا غير مسبوقة بعدما حوّلت موجة حر استمرت عدة أيام البلاد إلى برميل بارود"، فيما وضعت ست من 13 منطقة في البلاد في حالة تأهب قصوى.

موجة عاتية

مراقبة شديدة

في تركيا المجاورة تواجه السلطات الصعاب لإخماد أسوأ حرائق غابات في البلاد على الإطلاق بعدما أدت إلى إجلاء عشرات الآلاف من السكان. وفي إيطاليا أججت الرياح الساخنة النيران في جزيرة صقلية.

وما زالت فرق الطوارئ عبر منطقة البلقان تكافح حرائق الغابات الجمعة، ولكن هناك توقعات بهطول الأمطار وقدوم موجة باردة.

وشهدت مقدونيا الشمالية تأجج ثمانية حرائق، ما دفع الحكومة إلى إعلان حالة أزمات الخميس، ووصلت أول سلسلة من قافلة المساعدات من النمسا إلى صربيا وبلغاريا وسلوفينيا والمنطقة الجمعة.

وقال وزير الدفاع الألباني نيكو بيليشي إن حرائق كبيرة اشتعلت عبر الحدود في ألبانيا، حيث شبت ألسنة اللهب في الشمال بالقرب من كوكس الجمعة.

الأطباء يحذرون من مخاطر تلوث الهواء نتيجة دخان الحرائق فيما ينصح خبراء أمراض الرئة الناس بعدم الخروج من المنازل

وتمكنت فرق الإطفاء الألبانية من السيطرة على كل حرائق الغابات الأخرى. ودُمرت البيوت الريفية والأراضي الزراعية جراء الحرائق التي تأججت على مدار الأسبوع الماضي في الجنوب، وعلى طول منطقة فلورا الساحلية.

واشتعلت النيران أيضا في المزارع في كوسوفو، حيث شهدت نحو 500 حريق غابات خلال الأسبوع الماضي، وساعدت قوات حفظ السلام الدولية بقيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في كوسوفو في إخماد الحرائق، ولكن السلطات قلقة من إمكانية اندلاع المزيد منها.

ويحذر الأطباء والخبراء من مخاطر تلوث الهواء نتيجة دخان الحرائق. وقالت نينا جاجا التي ترأس عيادة أمراض الرئة في مستشفى سوتيريا بأثينا "لا تخرجوا من المنازل".

وأوضحت أن الكمامات الواقية العادية التي يستخدمها الناس أثناء الجائحة لن تساعد. وذكرت أن أي شخص يخرج يجب أن يرتدي كمامة من طراز بي 95 أو كمامة تتمتع بمستوى أعلى من الحماية.

17