الجيش الإسرائيلي يرصد أهدافه عبر الذكاء الاصطناعي

برامج تمكن من استخدام المعلومات الدقيقة عن مكان إطلاق الصواريخ ومداها ومعدلها بشكل أفضل.
الأربعاء 2023/06/14
برامج الذكاء الاصطناعي هي التي ستقود الحروب مستقبلا

تعتزم المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تركيز جهودها على استخدام الذكاء الاصطناعي في مواجهتها مع العدو الفلسطيني للتنبؤ بمعلومات دقيقة حول عمليات إطلاق الصواريخ، مثل مكان إطلاقها ومداها ومعدلها بشكل أفضل، ما يتيح لقواتها الميدانية أن تكون أكثر فعالية. ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتشغيل أسلحة فتاكة ذاتية التشغيل مثل الطائرات بدون طيار، أو إنشاء أسلحة مستقلة يمكنها اتخاذ قرارات بشأن من يُقتل دون تدخل بشري.

رمات جان (إسرائيل) - دفع تعدد استخدامات الذكاء الاصطناعي نحو صعود نهج جديد للحرب يُعرف باسم الحرب الذكية أو الحرب القائمة على الذكاء الاصطناعي، وهو النهج الذي يقوم على تفعيل الأخير بما يضمن هزيمة العدو دون شن حرب تقليدية أو حرب ساخنة. وقد شهدت الحروب، بالتوازي مع ذلك، تغيرات جذرية على صعيد مهام الاستطلاع والمراقبة والاستهداف والاستخبارات وتوثيق وقائع العمليات العسكرية والدعم اللوجستي، بعد أن أضحى المجال المعرفي هو ميدان الحروب في المستقبل، لاسيما في ظل التطور التكنولوجي المستمر.

وخلال حرب غزة القصيرة الشهر الماضي استخدم القادة الإسرائيليون لأول مرة برنامج “نوليدج ويل” الآلي الذي يوفر ملاحظات فورية عن عمليات إطلاق الصواريخ الفلسطينية، مثل معدلها ومداها ومكانها، عبر منصة على غرار تطبيق واتساب.

ويعتزم الكولونيل إيلي بيرنباوم، رئيس وحدة بيانات وتطبيقات العمليات بالجيش الإسرائيلي، استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بعمليات الإطلاق في المواجهة التالية.

وقال لرويترز في مقابلة “هذه هي الخطوة القادمة المثيرة للاهتمام. أريد أن أكون في مكان أستطيع منه استخدام المعلومات بشكل أفضل لجعل قواتنا الميدانية فعالة”.

كمية البيانات التي يجمعها الذكاء الاصطناعي تتعذر على المحللين البشريين معالجتها بمفردهم

وذكر أن ما يقرب من نصف خبراء التكنولوجيا العسكريين في إسرائيل سيركزون على الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2028، في إطار تحول بدأ منذ أن قاد في عام 2016 أول منصة للتعلم الآلي مصممة لاكتشاف محاولات القرصنة.

وأضاف أن هناك “عدة مئات” من الأفراد الذين يتعاملون بشكل كبير في الوقت الحالي مع المشاريع المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والذين يشكلون 20 في المئة من خبراء التكنولوجيا العسكريين. وتوقع أن يصل عددهم إلى الآلاف من الخبراء في غضون خمس سنوات.

وتلقى بيرنباوم دعما حكوميا بعدما رفع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ميزانية الدفاع وتعهد بجعل إسرائيل “قوة للذكاء الاصطناعي”.

وخلال فترة خدمتهم الإلزامية، وهي عامان للنساء و32 شهرا للرجال، يتقاضى خبراء التكنولوجيا العسكريون 335 دولارا شهريا. وقال بيرنباوم إن المبلغ يرتفع إلى حوالي 2300 دولار في السنوات القليلة الأولى من خدمتهم التي تتلو هذه الفترة، وهو ما يقل بكثير عن 8400 دولار قد يكسبونها في وظائف مدنية مماثلة.

وقال بيرنباوم “ليس سرا أنني لا أستطيع منافسة رواتب جوجل أو فيسبوك. ماذا يمكنني أن أقدم؟ القيام بعمل له قيمة”.

وتفكر الجيوش في جميع أنحاء العالم في التداعيات الأخلاقية لسباق التسلح بالذكاء الاصطناعي. وشدد بيرنباوم على أنه بالنسبة لإسرائيل، لن يؤدي التمكن من الهدف باستخدام الذكاء الاصطناعي إلى تدمير الهدف آليا. وقال “في المستقبل المنظور، سيكون هناك دائما شخص ما في هذه الحلقة”.

يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتشغيل أسلحة فتاكة ذاتية التشغيل
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتشغيل أسلحة فتاكة ذاتية التشغيل

ويرى الخبراء أنه يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتشغيل أسلحة فتاكة ذاتية التشغيل مثل الطائرات بدون طيار، أو إنشاء أسلحة مستقلة يمكنها اتخاذ قرارات بشأن من يُقتل دون تدخل بشري، وقد يؤدي هذا إلى سيناريوهات خطيرة عندما تخرج هذه الأسلحة عن السيطرة أو يتم اختراقها للاستخدام الضار.

فمثل هذه النوعية من الأسلحة قد تكون عرضة للحوادث أو اختراق القراصنة أو أي شكل آخر من الهجمات الإلكترونية، وفي حال تمكن المهاجمون من السيطرة على هذه الأنظمة، فيمكنهم، على سبيل المثال، استخدامها لإحداث ضرر واسع النطاق.

ووقع أوضح مثال على خطورة الأسلحة ذاتية التشغيل في تجربة حديثة لسلاح الجو الأميركي بتاريخ الثاني من يونيو 2023، حيث قررت طائرة مسيرة (درون) تعمل بالذكاء الاصطناعي، خلال اختبار محاكاة بالولايات المتحدة، قتل مشغلها (الافتراضي) الذي كان يُفترض أن يقول “نعم” للموافقة على الهجوم على الأهداف المحددة (الوهمية) لأنها رأت أن مشغلها يمنعها من تحقيق هدفها ويتدخل في جهودها لإكمال مهمته.

وتتعدد مجالات توظيف الذكاء الاصطناعي في الحروب الحديثة، حيث يساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين جمع المعلومات الاستخبارية والعمليات المستقلة ودعم اتخاذ القرار، وربما يقلل التكلفة البشرية الناجمة عن انخراط الدول في صراعات مسلحة.

وبوجه عام، يتجلى توظيف الذكاء الاصطناعي في الحروب العسكرية في زيادة استخدام الأسلحة ذاتية التشغيل وتزايد إمكانية توظيف الروبوتات المقاتلة وتحسين مهام الاستطلاع الميداني ودعم القوات البحرية باستخدام الخرائط الذكية.

وقد شهدت بعض الحروب، في السنوات القليلة الماضية، تزايد استخدام أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل التي يمكنها اختيار أهدافها وقتلها دون مراقبة بشرية، ومن ذلك الطائرات بدون طيار ذاتية القيادة، التي تختلف استخداماتها عسكريا حسب ما تحمله من معدات تقنية (لأغراض استطلاعية كالرصد والتعقب والتجسس أو لأغراض عملياتية كالقصف وإطلاق الصواريخ وإلقاء المتفجرات). وعلى عكس أسلحة الدمار الشامل، لا توجد معاهدات أو أنظمة محددة تحظر هذه الأسلحة دوليا. ولذا عقدت لجنة الأمم المتحدة لنزع السلاح مؤخرا اجتماعا لتقييد أو حظر استخدام الأسلحة المستقلة عن التحكم البشري، التي تعمل بواسطة الذكاء الاصطناعي دون أن تتمكن من اتخاذ أي قرارات مشتركة، ما يفتح الباب أمام استخدام تلك الأسلحة في الحروب العسكرية على نطاق واسع مستقبلا.

من شأن استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب أن يقلل من عدد المقاتلين في المهام المختلفة، ما يقلل بالتبعية حجم الإصابات التي يتعرضون لها

ومن شأن استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب أن يقلل من عدد المقاتلين في المهام المختلفة، ما يقلل بالتبعية حجم الإصابات التي يتعرضون لها، وهو ما يتجلى بصورة خاصة في حالة الروبوتات المقاتلة التي تزايد معها الحديث عن قدرتها على تقليل عدد مصابي الحرب بين المدنيين، وإن تسببت في المقابل في اتساع ميادين المعارك على نحوٍ يُمكِّن من استهداف المناطق التي يتعذر الوصول إليها عادةً بسبب طابعها الوعر أو الجبلي.

كما تتلاءم الروبوتات المقاتلة مع بعض المهام التي يمكن إطلاق صفة القذرة عليها كالتي تُعرِّض البشر لمواد إشعاعية أو الخطيرة (للتخلص من الذخائر المتفجرة)، حيث يتطلب الضغط البدني للمناورات العسكرية دقة ووعياً يصيب الجيوش المقاتلة بالإرهاق، وهي القيود الفسيولوجية التي لا تخضع لها تلك الروبوتات.

ويمكن توظيف الذكاء الاصطناعي في عمليات جمع المعلومات من خلال مراقبة اتصالات الخصم والاستماع إلى إرساله وتسجيل محتواه. وبعبارة ثانية، فإنه يمكن الاعتماد على التشغيل الآلي والذكاء الاصطناعي لتحسين الوصول إلى المعلومات، ومعالجة وتحليل صور الأقمار الاصطناعية، وتحويل بيانات الاستشعار التي تجمعها أجهزة الاستخبارات ومختلف الكيانات الحكومية والعسكرية إلى منتجات استخباراتية قابلة للاستخدام. ولا شك أن كمية البيانات التي يجمعها الذكاء الاصطناعي تتعذر على المحللين البشريين معالجتها بمفردهم، لذا تتزايد أهمية استخدام التعلم الآلي حتى يتمكن المحللون العسكريون من التركيز على التحديات الأكثر خطورة.

كما يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً في دعم القوات البحرية وتعزيز الأمن البحري من خلال تعزيز الردع والوعي بالمجال البحري باستخدام الخرائط الذكية والأقمار الاصطناعية وشاشات المراقبة التفاعلية، وهو ما تلعب فيه المسيرات البحرية دوراً مهماً بجانب المركبات المسيرة الغائصة تحت سطح البحر والمركبات غير المأهولة بهدف تنفيذ عدد من دوريات الحراسة، وتعزيز قوة الردع، ورصد أي نشاط مزعزع لاستقرار الممرات المائية الحيوية، إذ يمكن لتلك المسيرات، إلى جانب الطائرات من دون طيار، أن تقدم رؤية أفضل للمياه لأغراض الاستطلاع في إطار شبكة دفاع إقليمية محتملة.

16