الجوائز الشبابية دافع للإنجاز والابتكار وتنمية المجتمع

تشكل الجوائز المخصصة للشباب في العديد من المجالات والاختصاصات دافعا قويا للإنجاز والتحفيز ورفع مستوى أداء الشباب، وبفضل هذه الجوائز تم اكتشاف الكثير من المواهب الواعدة والمشاريع المتميزة التي تقدم خدمات للمجتمع.
عمان – أفرزت منافسات الجوائز الكثير من الشباب المبدعين في شتى المجالات وساعدت الفائزين بها على السير قدما في حياتهم العلمية والعملية، وحفزتهم على مضاعفة الجهود للابتكار والإبداع بما يخدم عملية التنمية.
وعلى الرغم من أن الوعي بهذا النوع من الجوائز في العالم العربي جاء متأخرا، مقارنة مع باقي دول العالم، الذي أدرك مبكرا أهميتها في تطوير مختلف المجالات العلمية والفنية والأدبية والتقنية، إلا أن الاهتمام العربي بهذه الجوائز بدأ يزداد وأسهمت بفتح شهية الشباب العربي للمزيد من الإبداع والتميز في شتى المجالات.
وتلعب دافعيَّة الإنجاز والتحفيز دورا مهمّا في رفع مستوى أداء الشباب وإنتاجيتهم فالشعور الذي يحصل عليه الفائز، يدفعه إلى تقديم أفضل ما لديه، ويساعده على توجيه سلوكه، بما يؤهله في نهاية المطاف لتحقيق أهدافه والنجاح في حياته.
لحظة خالدة
كلما كان القائمون على الجائزة من ذوي المناصب العليا في الدولة، زاد الأمر من تحفيز الشباب ودفعهم لتقديم الأفضل، وهو ما عبر عنه الشاب الأردني ليث أبوطالب الذي فاز العام الماضي بجائزة الملك عبدالله الثاني للإنجاز والإبداع الشبابي عن مشروعه “ورقامي” المختص بالفنون الورقية.
وقال أبوطالب إن لحظة تسلمه للجائزة من الملك عبدالله ستبقى خالدة بذاكرته، وستحمله المزيد من المسؤولية لتطوير المشروع وتعميم فائدته بشكل أكبر، لتستفيد منه جميع فئات المجتمع.
وعبر عن فخره بالجائزة، مشيرا إلى أن الرهبة وشد الأعصاب بقيا حتى اللحظة الأخيرة، ولم يكن يعرف بالنتيجة مسبقا، وعند ذكر اسمه للحظة لم يستوعب أنه الفائز، والحلم الذي تحقق أزاح عن كاهله تعب السنين الماضية.
وفاز أبوطالب بالجائزة التي تقدم لها نحو 1362 شابا من 16 دولة عربية تأهل عشرة منهم للمرحلة النهائية.
وشاركت عائشة سليمان في المشروع الذي تحول إلى شركة ومهنة، بالاعتماد على فن الأوريغامي الياباني وقد بدآه كهواية في الجامعة العام 2014. ويسعيان لأن يكون مشروعهما النسخة الورقية من لعبة ليغو العالمية.
وأطلق الملك عبدالله الثاني جائزة الإنجاز والإبداع الشبابي خلال المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2007، بهدف تسليط الضوء على جهود الشباب المتميزة في تحقيق التغيير الإيجابي وفق أولويات واحتياجات مجتمعاتهم المحلية، والتركيز على أهمية ممارسة الحوار بين الشباب العربي؛ لإزالة الحواجز وتشجيعهم على التكاتف والتعاون في ما بينهم.
وتُمنح الجائزة مرة كل عامين، ويتوجب على الراغب في المشاركة أن يكون حاملا لجنسية عربية، وألا يقل عمره عن 21 سنة، ولا يزيد عن 35 سنة، وأن يكون مؤسسا أو أحد مؤسسي مشروع يدخل في إطار الريادة المجتمعية، شريطة أن تكون قد مضت سنتان على الأقل على تنفيذ نشاطات المشروع.
إنجاز عالمي
مشروع “ورقامي” الذي فاز به أبوطالب هو الأول من نوعه في الشرق الأوسط، ويختص بالفنون الورقية “الأوريغامي والكويلينج”، ويسعى إلى نشر الفنون الورقية بثقافاتها المختلفة لما لها من أهمية في تطوير الإبداع والصبر والمهارات الحركية عند ممارسيها، وتسهم في تطوير قدرات ذوي التحديات الحركية على التركيز والإبداع.
ويحفز “ورقامي” الشقين في الدماغ الأيمن والأيسر، ويساعد على التركيز والإبداع والخيال والمنطق، وهو الأهم، وكذلك المهارات الحركية.
وأوضح أبوطالب “نعمل في ورقامي على ما يسمى خرائط الطريق الذهنية، وذلك من خلال تحليل الشكل والخطوات حتى الوصول إلى الشكل النهائي”، لافتا إلى أن الورق موجود في كل مكان وليس من الضروري شراء البوكس الملون والمزخرف لصنع الأشكال واتباع هذا الفن.
ويشير أبوطالب إلى أن “الورقامي” يستخدم اليوم للعلاج من الأمراض النفسية، كذلك للهاربين من الحروب في بلدانهم، لافتا إلى تدريب نحو ألفي شخص إلى الآن من مختلف محافظات المملكة، إضافة إلى عقد ورشات عالمية في مالطا وكوسوفو وأميركا والمكسيك.
وحقق “ورقامي” إنجازا عالميا في وقت سابق، من خلال إصدار أول كتاب عالمي لهذا الفن بلغة بريل، بالتعاون مع مبادرة “يا عونك” التي تهتم بدمج المكفوفين بالمجتمع، وهو الأمر الذي ساعد على انتشار الشركة، حيث توجد منتجاتها في 22 نقطة بيع في عمان، ونقطتي بيع في إربد، كما أنها متوفرة عبر موقعي “دمية” و”أمازون”، مع تطلعات لتغطية مختلف أنحاء المملكة والوصول إلى أسواق عربية وأوروبية.
ووفقا لأبوطالب، تتمحور رسالة “ورقامي” حول دمج جميع فئات المجتمع معا، فبخطوة إبداعية أخرى وفرت الشركة أدوات مصممة خصيصا للأشخاص ذوي الإعاقات الحركية، والمكفوفين أو ضعاف البصر، لدفعهم وتشجيعهم على الابتكار والعمل كجزء لا يتجزأ من هذا المجتمع.
وتخضع الجوائز عادة للمتابعة والنقد من قِبل الأوساط المجتمعية المعنية بالجائزة، باعتبارها إحدى الفعاليات التي تهم كل المجتمع وليس المؤسسة المانحة للجائزة فقط. وعلى الرغم من الاختلاف النسبي في ما بين شروط التقدم للحصول على هذه الجوائز من دولة عربية إلى أخرى، إلا أنه يجمعها السعي نحو اكتشاف مواهب الشباب من خلال الارتكاز على مبادئ الكفاءة والشفافية والمعايير الموضوعية في الترشيحات.
جوائز القراء الشباب
نال “الإبداع الروائي” حصة كبيرة من الجوائز المُخصصة للشباب في العالم العربي، حيث شهدت الساحة الثقافية العربية في الآونة الأخيرة ميلاد العديد من الجوائز الأدبية، التي كرمت الكُتاب والمبدعين الشباب في التميز الروائي، وبرزت أيضا جوائز القراء ورغم أنها ليست شائعة جدا في العالم العربي، إلا أنها تحظى باهتمام بالغ مثل جائزة القراء الشباب للكتاب المغربي في صنفي الشعر والرواية.
وفي دورتها السابقة مطلع العام الحالي شارك حوالي مئة شاب من أعضاء نوادي القراءة التابعة لشبكة القراءة بالمغرب والمؤسسات التعليمية والجامعية في عدة مدن مغربية، لاختيار الكتاب الأفضل في الرواية والشعر.
وانضم القراء الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاما لقراءة اللائحة الطويلة للكتب التي تم اختيارها من قبل لجنة علمية متخصصة في الرواية والشعر على مدى ستة أشهر. وبعد التصفيات، انتهى الشباب إلى ترتيب خمسة كتب في الرواية وعشرة كتب في مجال الشعر.
وحازت رواية “القاتل الأشقر” للكاتب طارق بكاري على المرتبة الأولى بالنسبة إلى الأعمال الروائية، بينما حاز ديوان “بداية ما لا ينتهي” للشاعر الراحل محمد الميموني على المرتبة الأولى في مجال الأعمال الشعرية.
وتندرج هذه الجائزة في إطار برنامج جائزة الشباب للكتاب المغربي، والذي أقيم بشراكة مع دار الشعر بتطوان، ومع الأكاديميات المحلية للتربية والتكوين، بدعم من وزارة الثقافة والشباب والرياضة، وذلك بهدف التعريف بالأدب المغربي وتوسيع دائرة قرائه بين الشباب، إضافة إلى تشجيع قراءة الأدب المغربي لما له من تأثير إيجابي في التنشئة الفكرية وإرساء القيم للشباب، مثلما هي فرصة للاعتزاز بالقراء الشباب وإسماع صوتهم، والاعتراف بذوقهم وأهمية تحكيمه في اختيار الكتاب المغربي وتلقيه.
حراك ثقافي
أقيمت في المغرب مؤخرا تظاهرات عديدة وموجهة بالخصوص للشباب الصغار في المؤسسات التعليمية، وهي تعنى بالقراءة بشكل خاص. كما تحتضن الأكاديميات التابعة لوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي مسابقات في القراءة، لتفسح المجال أمام الشباب للتنافس سواء على المستوى الوطني أو العربي.
وتأتي الجائزة الوطنية للقراءة التي تنظمها شبكة القراءة بالمغرب كتتويج لهذه التظاهرات التي أحيتها جمعيات المجتمع المدني مع مختلف الهيئات الثقافية والتربوية.
وقد ساهمت هذه الجوائز في تدشين حراك ثقافي نقدي وإعلامي ومطبعي لافت؛ وإثراء الساحة الثقافية العربية.
وعلى صعيد الإبداع العلمي والرياضي، انطلقت حديثا في البحرين “جائزة ناصر بن حمد آل خليفة للبحث العلمي في المجال الرياضي” وتهدف إلى تشجيع الباحثين والمتخصصين الشباب البحرينيين أو المقيمين على الابتكار وإجراء البحوث العلمية في حقول المعرفة “التربية البدنية والعلوم الرياضية”؛ للارتقاء بالرياضة محليا وعربيا ونشر الثقافة والابتكار لديهم في كافة المجالات؛ الطبية والهندسية والفنية والإدارية، وكذلك خدمة القطاع العسكري من النواحي العملية والتدريبية.
واستطاعت في نسختها الأولى في ديسمبر الماضي تقديم نتائج لافتة ومميزة؛ فقد فازت فاطمة عبدالرحيم فخرو بجائزة الابتكار العسكري في المجال العلمي عن علاج الاستسقاء الدماغي ذات التجاويف المتعددة، باستخدام مادة الــ(6).
وفي المجال الميداني، فاز فريق العمل لآلية فيصل المدرعة. وفي المجال الفني، فاز عيسى عبدالله جناحي عن موضوع الابتكار: تصميم مثبت لموجهات الصواريخ، لتمكين تشبيه عمله، وفحصه على الأرض.
وتصل القيمة الإجمالية للجائزة إلى 150 ألف دولار أميركي، ومن شروط التقديم لهذه الجائزة، أن يكون البحث متميزا مع الالتزام بقواعد البحث العلمي من حيث الأصالة والجدية ودقة التوثيق وسلامة المنهج والقيمة التطبيقية لنتائج البحث، كما يجب ألا يكون البحث قد سبق أن قدم إلى جهة أخرى أو سبق نشره.
وعلى الرغم من أن هذه الجوائز ساهمت بإعطاء دفعة قوية للشباب لمواصلة التقدم وتطوير الذات، إلا أن الدول العربية لم تستكمل بعد مساراتها اللازمة لرفع الوعي العربي حول أهمية تحفيز العاملين مع الشباب وتقويم أدائهم وتدريبهم على كيفية القيادة ليصبحوا كفاءات قادرين على النهوض بمجتمعاتهم.