الجنس والأدب الحافة الخادعة

الأحد 2016/06/26

بالعودة إلى السؤال المطروح بقوّة، هل الإسهاب أو التطرف في وصف المشاهد الجنسية هو نتيجة عقود من الكبت والرقابة؟ أم هو انعكاس لتطرف الشخصية العربية المعاصرة التي تعاني من عدم الاستقرار النفسي نتيجة للضغوطات السياسية والأمنية ومصادرة الحريّات؟

في الواقع تلعب تجربة الكاتب الشخصية دوراً مهماً في هذا الجانب، لكن من وجهة نظري دائماً، لا يعد الجنس امتيازاً للكاتب أو الكاتبة ولا يمكنه الإعلاء من شأن النص.. كما هو حاصل مع عدد من الكاتبات اللواتي اتصفن بـ”الجرأة” فصارت لهن امتيازاً عَوّض عن نقص المكتوب لديهن.. ناهيك عن خصوصية الممارسة الإنسانية الصرف التي يبطلها حضور الشخص الثالث حتى لو كان واصفاً أو متخيلاً. وكلّما كان المجتمع أكثر وعياً كلّما كان أكثر فهماً لوظيفة الجنس المجتمعية وقضية توظيفه في الكتابة والإبداع عموماً، وقد أشار الروائي الكبير الطيّب صالح إلى ما يشبه هذا في روايته الشهيرة “موسم الهجرة إلى الشمال” على لسان أحد أبطاله “.. أنتم الشرقيون عقولكم في رؤوس ذكورتكم”.

إن الحضور الطاغي للجنس في الحياة هو ما يجعلني أعتقد أن الخصوصية الإنسانية للممارسة كاشتراط هي ما يميّزه عن الحيوانية، كما أن عدم الحشمة المفرطة بالنسبة إلى المرأة قد يؤدي إلى ابتذالها وبطلان كونها مصدراً للإثارة والإلهام، وما لم يكن الإيغال في وصف الجنس مفروضاً كحتمية سردية ومنسوجاً مع السياق السردي، يصبح بالتأكيد مستهدفاً لذاته كأداة إثارة ووصف مباشر لتفصيلات الممارسة الجنسية التي يعرفها أغلب القرّاء، لكن ليس الجميع يدرك اللوعة المستبطنة داخلها أو ما قبلها وما بعدها.

أما أن يوظف الجنس لدى البعض كمحاولة لتعويض النقص في الثيمة أو فقر الفكرة فهو اختلال وجودي بالكامل.. والأولى أن يشاهد القارئ فيلما أيروتـيكياً أفـضل من أن يهدر وقته في قراءة روايـة هـزيلة.

ومازال النشر في الغرب يخضع لأخلاقيات معينة تحدد الأطر العامّة لعملية النشر، ليس بدافع الفضيلة بالتأكيد، بل بدافع الحفاظ على الذوق العام وحماية المجتمعات من التطرف. لكن تبقى المشكلة فيما يصلنا من النماذج الغربية في الترجمة، فقد اعتاد القارئ العربي على أنّ كل ما يترجم، لا سيما من الغرب، هو صحيح وخلاق ومبدع بالضرورة، وضرب أحد الأصدقاء الكتّاب مثلاً في رواية “عشيق الليدي شاترلي” للكاتب البريطاني د. هـ. لورانس التي نُشرت لأوّل مرة في العام 1928 بطبعة سرية في فلورنسا ـ إيطاليا ولم يتم نشر الطبعة “المهذبة” منها علناً في بريطانيا إلّا في العام 1960 كونها تضمّنت وصفاً صريحاً لتفصيلات العملية الجنسية واستخدام مفردات لم يكن مسموحاً حتّى بطباعتها آنذاك، وقد أجريت عليها تعديلات واسعة في العقود اللاحقة قبل أن تنشر على نطاق واسع وتحقق الانتشار، بينما سُمح لنسختها العربية بالتداول في أغلب الدول العربية حتّى قبل أن تُعدّل، وهو أمر يحيلنا إلى عقدة الرقيب العربي إزاء الكاتب الأجنبي وازدواج المعايير الرقابية لدى هذا الرقيب الذي هو بالضرورة نتاج المجتمعات الشرقية المقموعة.

وطالما نتحدث عمّا يمكن تسميته بـ”الرقيب الذائقاتي” هنا، فقد تنعدم الحاجة إلى ذلك الرقيب في مرحلة من المراحل، في حال امتلك المجتمع هيكلية معينة تستند إلى الذائقة الصرف، كما هو حاصل في الغرب، وحتى يحين ذلك الوقت يبقى الجنس ومفهوم ممارسته وتناوله في الأدب إشكالية معقدة وظاهرة حَريّة بالتأمل والدراسة، كونه محور العلاقات كلها ومحفز الخيال من جانب، وحافة خادعة تؤدي للسقوط في المباشرة والابتذال من جانب آخر.

كاتب من العراق

13