الجنرالات يحذّرون ترامب: ستدخلنا في فوضى يصعب لملمة شظاياها

الرئيس الأميركي يفضح عن غير قصد المهمة العسكرية الأميركية السرية في العراق، وتزكية باتريك شاناهان لخلافة جيمس ماتيس ترسّخ سيطرة بوينغ على البنتاغون.
الجمعة 2018/12/28
سياسات خاطئة

لندن - شكّل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قوات بلاده من عدة مناطق ساخنة، على غرار سوريا وأفغانستان، صدمة لحلفاء واشنطن الأوروبيين والعرب، جاء بمثابة زلزال على مستوى الإدارة الأميركية كانت أبرز تداعياته العاجلة استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس والموفد الأميركي للتحالف الدولي لمحاربة الجهاديين بريت ماكغورك.

وباستقالته ينضم ماتيس إلى سلسلة من الجنرالات العسكريين البارزين الذين غادروا البيت الأبيض، تحديدا جنود مشاة البحرية الذين خدموا خلال حربي العراق وأفغانستان.

ويتوقّع المتابعون تصعيدا قادما بين جنرالات الجيش والرئيس الأميركي، الذين يرون في سياسة ترامب “تهورا” يضع العالم على فوهة بركان من الفوضى ستصعب لملمة شظاياها لاحقا، وستتسبب فيها قوى مختلفة ستسارع لاقتناص الفرصة، وسينقلب الأمر على الولايات المتحدة، وسياسة ترامب نفسه، الذي سيجد نفسه، إن بقي في السلطة، مجبرا على دفع القوات الأميركية لتشارك من جديد في حروب أكبر لاستعادة ما فقدته الولايات المتحدة، وما تسببت به سياسة الرئيس.

ويذكّر الجنرالات المعارضون ترامب بما حدث بعد الانسحاب من العراق، وكيف فتح الباب أمام إيران وميليشياتها من جهة، والإرهاب، متمثلا في تنظيم الدولة الإسلامية الذي أجبر الأميركيين على العودة إلى العراق، من جهة أخرى. ومما زاد من حالة الغضب والاحتقان، كشف ترامب (عن غير قصد) عن المهمة العسكرية الأميركية السرية خلال زيارته لقاعدة عسكرية للجيش في العراق.. وقد نشر الرئيس الأميركي شريط فيديو أين كان يلتقط صورا فوتوغرافية مع عدة مجموعات من الجنود، خلال الاحتفال بزيارته الأولى إلى منطقة قتال خلال فترة رئاسته. ولاحظ الخبراء أن تفاصيل هذا الفيديو يمكن أن تضع القوات الأميركية في خطر، وسط مخاوف من كشف ترامب عن معلومات سرية.

ترامب يرى في مناطق النزاع "بؤرة" لموارد اقتصادية ومالية جديدة ستساهم في ازدهار سوق تصنيع الأسلحة داخل الولايات المتحدة

ومنذ انتشار الفيديو، صرّح مسؤولو البنتاغون الحاليون والسابقون بأن في هذه الحركة خرقا لخصوصية وسرية القوات الأميركية الخاصة. ووفقا لمجلة نيوزويك، فإن البنتاغون غاضب من التفاصيل المسرّبة. ومما زاد من الغضب تصريح ترامب، الذي قال فيه إن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر من “الأغبياء” بالنسبة إلى العالم.

لكن، يبدو أن ترامب الوحيد الذي يؤمن بهذا الأمر، دون أن يعي جيدا المخاطر التي قد تتسبب فيها سياسته. ففي قمة الجدل الذي أثاره قرار الانسحاب من سوريا وأفغانستان، يطلّ ترامب من العراق، بشكل مفاجئ، ويعلن على الملأ أن الولايات المتحدة، لن تواصل لعب دور “شرطي العالم”، لتتخلّى بذلك عن دورها التقليدي لصالح رؤية جديدة شعارها “نبيعكم السلاح واحموا أنفسكم”.

وكان ترامب عبّر مرارا عن امتعاضه من سياسات الإنفاق العسكرية خارج الحدود. ويرى في الكثير منها بمثابة إهدار للمال العام. وبين قلّة ترى أن سياسات ترامب تعكس رؤية واقعية، وأغلبية تعارضه وتعتبر أنه يهدّد هيمنة أميركا على قيادة العالم، يمضي ترامب، الجمهوري، قُدما تحكمه عقلية رجل الأعمال الباحث عن الصفقات المربحة، قاطعا مع التقاليد التي أكد مرارا أنها أضرّت ببلاده التي أصبحت “بقرة حلوب”.

وبطرح فكرة خصخصة الحرب الأفغانية، يرى ترامب مناطق النزاع “بؤرة” لموارد اقتصادية ومالية جديدة ستساهم في ازدهار سوق تصنيع الأسلحة داخل الولايات المتحدة، حيث يعاني هذا القطاع ركودا متزايدا. وبتعيين باتريك شاناهان، وهو مسؤول تنفيذي سابق في شركة بوينغ، لتولّي منصب وزير الدفاع بالإنابة محلّ جيمس ماتيس، يدشن رجل الأعمال الأميركي حقبة جديدة من “دبلوماسية السلاح”.

ويعتبر صعود شاناهان، أحدث مظهر من مظاهر التأثير المتنامي لأكبر شركة في العالم في مجال الطيران على البنتاغون في عهد ترامب، حيث فازت بوينغ في الأشهر الستة الماضية، بثلاث صفقات قيمتها مليارات الدولارات في برامج طائرات وزارة الدفاع (البنتاغون).

وعلى الرغم من أن شاناهان لم يتم اختياره رسميا كوزير للدفاع، وهو ما يتطلّب تأكيدا من مجلس الشيوخ، إلا أنّ التقارير الأميركية تؤكد أنه أحد أفضل اختيارات البيت الأبيض لهذا المنصب. وتبعا لذلك، يصف عديد المراقبين تعيين مدير تنفيذي سابق في شركة بوينغ على رأس وزارة الدفاع الأميركية يعتبر غزوا للبنتاغون، وسيعمّق الفجوة بين ترامب ومؤسسات القرار الأميركي الأخرى، وخصوصا الجنرالات.

وذكرت مجلة “فورين بوليسي” أن كبار قادة البنتاغون يجبرون القوات الجوية بالفعل على شراء طائرات في طلب الموازنة القادمة الذي سيتم تقديمه إلى الكونغرس.

دعم دونالد ترامب للنائب السابق لوزير الدفاع باتريك شاناهان يخدم إستراتيجيته الجديدة، مثلما يخدمها قائد سلاح البر الجنرال مارك ميلي، الذي عينه رئيسا لهيئة أركان الجيوش الأميركية المشتركة
دعم دونالد ترامب للنائب السابق لوزير الدفاع باتريك شاناهان يخدم إستراتيجيته الجديدة، مثلما يخدمها قائد سلاح البر الجنرال مارك ميلي، الذي عينه رئيسا لهيئة أركان الجيوش الأميركية المشتركة

ويثير ” غزو” شركة بوينغ لوزارة الدفاع الأميركية مخاوف حقيقية بشأن مدى التزام المرشح لوزارة الدفاع الجديد بخدمة الأمن القومي الأميركي، وهو ما عبّرت عنه دانا وايت المتحدثة باسم البنتاغون بالقول “سيعمل ماتيس مع شاناهان وقيادة الإدارة من أجل التأكد من أن نائب وزير الدفاع سيظل يركّز على قضايا الدفاع عن الأمة خلال هذه الفترة الانتقالية”.

وتخدم تزكية دونالد ترامب للنائب السابق لوزير الدفاع إستراتيجيته الجديدة، مثلما يخدمها قائد سلاح البرّ الجنرال مارك ميلي، الذي عيّنه رئيسا لهيئة أركان الجيوش الأميركية المشتركة خلفا للجنرال جو دانفورد الذي سيتقاعد العام المقبل.

وتشير تقارير أميركية إلى أن وزير الدفاع المستقيل جيمس ماتيس كان يفضّل جنرالا آخر لتولّي هيئة رئاسة الأركان، هو قائد سلاح الجوّ الجنرال ديفيد غولدفاين، وذلك انطلاقا من القاعدة المتّبعة في البنتاغون والقائمة على مبدأ المداورة بين قادة مختلف أسلحة الجيش في تبوأ أعلى منصب عسكري في البلاد. ومنذ 2005 لم يعيّن أيّ قائد لسلاح الجو رئيسا لهيئة أركان الجيوش الأميركية المشتركة.

6