الثقل السياسي السعودي في الميزان الفلسطيني - الإسرائيلي

مجددا تدرك القيادة الفلسطينية ومن خلفها الشعب الفلسطيني أن المملكة العربية السعودية وقيادتها لن تستغل القضية الفلسطينية في تحقيق مصالحها كما فعلت دول عربية وإقليمية في المنطقة.
السبت 2023/09/02
مصلحة الفلسطينيين اليوم ترتبط بما ستطرحه السعودية مقابل التطبيع

في ظل الحديث عن تحركات أميركية جادة لتطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل يدرك الفلسطينيون هذه المرة أن السباحة المعاكسة للتيار لن تجدي نفعا، وأن الموقف المتشدد الذي اُتخذ إبان توقيع اتفاقيات التطبيع بين دولة الإمارات ومملكة البحرين مع الكيان الإسرائيلي، لن يحقق الواقعية السياسية. هذه الواقعية التي أوجدت تناغما في المواقف بين العرب والفلسطينيين عامة، وبين السعوديين والفلسطينيين خاصة، والتي كانت ثمرتها مبادرة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز في القمة العربية في العاصمة اللبنانية بيروت، والتي سُميت فيما بعد المبادرة العربية للسلام بل وقبل ذلك بكثير، فلم تستغل السعودية معاناة الفلسطينيين لتحقيق مكاسب سياسية، ولم تعهد لخلق تنظيمات عسكرية فلسطينية لتكون ورقة مرور سياسية لها في المحافل الدولية.

خلال الأسبوع القادم يذهب وفد رسمي فلسطيني لوضع القيادة السعودية بصورة آخر التطورات الراهنة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، على قاعدة أن مصالح السعودية هي ذاتها مصالح الفلسطينيين، والعكس صحيح، لإقرار المصالح المشتركة من خلال صيغ سياسية ستدفع بها السعودية أمام ما سيطرح من مباحثات ضمن ملف التطبيع بينها وبين الكيان الإسرائيلي برعاية أميركية.

الثقل السياسي للسعودية سيكون لصالح عملية السلام التي تبناها الفلسطينيون ابتداءً من اتفاقية أوسلو مرورا بمنعطفات سياسية لم تحقق ما كان يأمل به الفلسطينيون بإقامة دولتهم على ما احتلّ في الرابع من يونيو – حزيران عام 1967، وبشكل مباشر دون تموج في الكلمات أو المصطلحات فإن مصلحة الفلسطينيين اليوم، بشكل أو بآخر، ترتبط بما ستطرحه السعودية مقابل “تطبيع العلاقات” مع الكيان الإسرائيلي، وما ستفرضه على الولايات المتحدة التي ستكون حذرة لضمان سير “عملية التطبيع” وفق ما سيتم الاتفاق عليه بين الجانبين، كون السعودية أصبحت من الدول المتقدمة القادرة على فرض رؤيتها السياسية، لذلك ستستمر محاولات استقطابها بين المعسكرات الدولية بشقيه السياسي والاقتصادي بسبب تأثيرها ومكانتها الدولية.

◙ القيادة الفلسطينية وخلفها الشعب الفلسطيني تدرك أن المملكة العربية السعودية وقيادتها لن تستغل القضية الفلسطينية في تحقيق مصالحها، كما فعلت دول عربية وإقليمية في المنطقة

هذه المكانة والتأثير لم يتأتيا من فراغ، فالتطور والازدهار الجليين منذ بدء عهد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في المملكة سمحا لها بمغادرة مربع الكلاسيكية أو المثالية في سياساتها إلى الواقعية كنهج في التعاطي مع الملفات السياسية الدولية، وبدآ يطرحان ثمارهما بتقدم مرتبة “السعودية” الإقليمية والدولية على خارطة العالم الجديد، فالسعودية اليوم ليست كالسعودية بالأمس، وهو ما يحتاجه الفلسطينيون اليوم أكثر من أيّ وقت مضى لعدة عوامل أهمها يندرج تحت عنوان سياسي عريض هو: الحفاظ على الكيان السياسي الفلسطيني المتمثل بالسلطة الفلسطينية “نواة الدولة” ودعمها سياسيا وماليا، فلجم حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية من خلال ما ستفرضه السعودية في الملف الفلسطيني – الإسرائيلي سياسيا، والذي سيحظى بتأييد عربي وإسلامي ودولي، سيستدعي بالضرورة قطع الطريق أمام المخططات الإيرانية عبر أدواتها في الضفة الغربية، والمتقاطعة مع أهداف اليمين المتطرف الإسرائيلي، والتي تستغل حالة اليأس والإحباط لدى الشرائح المجتمعية الفلسطينية، خاصة الشباب، لدفع المنطقة وجرها إلى دوامة العنف نتيجة الجمود السياسي الذي يعتري عملية السلام منذ استمرار بقاء اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو في سدة الحكم في السنوات العشر الأخيرة.

مجددا، تدرك القيادة الفلسطينية وخلفها الشعب الفلسطيني أن المملكة العربية السعودية وقيادتها لن تستغل القضية الفلسطينية في تحقيق مصالحها، كما فعلت دول عربية وإقليمية في المنطقة.. فلا حاجة لهم بذلك بعد سلسلة النجاحات التي حققتها السياسة الخارجية السعودية في عدة ملفات إقليمية ودولية؛ فالمساهمة في استقرار أسواق الطاقة العالمية من خلال سياسات “أوبك+” التي قادتها السعودية، والموقف المحايد تجاه الحرب الروسية – الأوكرانية، وسياسة التوازن الدبلوماسي بين قطبي الصناعة العالمية؛ الصين من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، وانعكاس ذلك على المنطقة برمتها، مع استمرار سياسة الندية في التعاطي مع الإدارة الأميركية الحالية، والانفتاح الحذر والمتدرج مع إيران لتتعامل مع أجنداتها في المنطقة بمقاربة سياسية مختلفة، وترتيب البيت العربي من خلال رؤى سياسية واقتصادية مشتركة أجمع العرب عليها، كلها ملفات جعلت السعودية قطبا دوليا مرشحا بين أقطاب العالم الجديد الذي بدأت ملامحه بالبزوغ.

9