الثراء الفاحش

البحث عن الجديد وعن الغرابة يجعل الأثرياء جدا يبدون غرباء في نظر بقية الفئات الاجتماعية متواضعة الإمكانيات المادية.
السبت 2018/06/02
البحث عن رغبات وأهداف مختلفة وأحيانا غريبة يجعلان الأثرياء يقعون بسهولة في الفساد

الثراء يعني أن تكون غنيا ولديك الكثير من المال، وربما تمتلك ما يفوق تلبية حاجيات وضروريات الحياة لتمر إلى مرحلة الرفاهية والدلال، فالثري جدا لديه أكثر مما يلزمه، لديه ما يمكّنه من تجاوز تلبية الحاجيات إلى تلبية الشهوات والرغبات حتى الغريبة والعجيبة منها. خلاصة القول الثراء شيء جميل.

لكن لماذا تردد دوما عبارة الثراء الفاحش؟ لماذا يقترن الثراء الجميل بالفحش؟ فالفحش يعني في قاموس المعاني القبح والسوء وشدتهما وكثرتهما ويمكن أن يدل أيضا على الزنا (الفحشاء)… ربط غريب بين شيء جميل يتمناه كثيرون ووصف يضعه في أقصى درجات القبح.

يُقال في الحكم العربية والأمثال الشعبية أن الشيء إذا زاد عن حده ينقلب إلى ضده بمعنى أن نعمة الثراء عندما تبلغ أقصاها قد تتحول إلى نقمة على أصحابها، أما من منظور علم النفس فإن الإنسان عندما يحقق الاكتفاء في كل شيء ويبلغ درجة تلبية كل رغباته ماديا فإن رغبات جديدة (قد يكون بعضها غريبا) وشهوات متنوعة تكوّن لديه، وكأنه يخلق لنفسه أهدافا جديدة ليسعى إلى تحقيقها سواء من خلال ثرائه أو بغيره.

البحث عن الجديد وعن الغرابة يجعل الأثرياء جدا يبدون غرباء في نظر بقية الفئات الاجتماعية متواضعة الإمكانيات المادية. وقد تكبر الفوارق وتتسع المسافة بينهم وبين المحيطين بهم من بقية الفئات الاجتماعية وتدريجيا يصبح الأثرياء جدا شبه معزولين عن غيرهم من الناس وكأن لديهم عالمهم الخاص الذي ليس فيه إلا أثرياء أمثالهم.

العزلة والبحث عن رغبات وأهداف مختلفة وأحيانا غريبة يجعلان الأثرياء ثراء فاحشا يقعون بسهولة في الفساد؛ إما في تصرفاتهم كأن يقبلوا على حياة اللهو والملاهي ومن ثمة يصبحون مدمنين مثلا على الكحول أو المخدرات والمسألة سهلة بالنسبة إليهم لأن مشكلة الإمكانيات المادية والتكلفة غير مطروحة، وإما من خلال تركيز جل اهتماماتهم على مظهرهم فتراهم ينفقون ثروة في عمليات التجميل أو في اقتناء الحلي باهظ الثمن وغيرهما من الميول ما يجعل مظهرهم في الفضاءات العامة يشي بثرائهم الفاحش حيث يشكل اختلافهم عن الآخر بداية الفصل معه.

لكن أحيانا ينظر إلى الأثرياء ثراء فاحشا على أنهم غرباء وطباعهم مختلفة وتسلط عليهم العديد من الأحكام الأخلاقية المسبقة من قبيل أنهم مغرورون ومتعالون وأنهم تافهون وغيرها فقط لمعرفتنا كونهم أثرياء ولأنهم يحصلون على ما يريدون بسهولة ومنذ صغرهم يتمتعون بكل ما يتمناه غيرهم. لست أدري إن كان هذا التصرف من مخلفات ما يسمى بالحقد الطبقي أو بسبب الحسد، لكن الثابت أنه من بين وجوه فحش الثراء.

24