التين الشوكي يتربع على عرش الفواكه في صيف دمشق

الصبارة مورد رزق الفقراء تروي عطش السوريين في موسم الحر.
السبت 2020/08/22
لذيذة وشائكة

التين الشوكي فاكهة لذيذة يحتفل بها الباعة في دمشق ويقبل عليها الأغنياء والفقراء تروي عطشهم في حر الصيف بل إنها تفوز على بقية الفواكه الصيفية في الأسواق لأن سعرها في متناول الجميع، وهي مصدر رزق للعاطلين عن العمل ومعيل للأسر الفقيرة.

دمشق ـ “حلوة ومزاوية”، “يا صبارة باردة وبتبل القلب، طيبة يا صبارة وعالندى أكلها” و”ياصبارة يا ورد، ريحتك جميلة بس شوكك بيجرح”، عبارات عديدة نسمعها في حارات وأزقة وشوارع دمشق، في محاولة لاستقطاب المارة من الناس، ودوما كانت وما زالت العبارة التي يطلقها هذا البائع أو ذاك مثل ما تفعل أم محمد التي تعيل أطفالها من تجارة هذه الفاكهة وتضيف منادية أحيانا الآية الكريمة “والتين والزيتون وطور سينين ‏‏وهذا البلد الأمين”.

ومع أواخر يونيو يحظى التين الشوكي أو “الصبارة”، بلهجة أهل دمشق، بالدلال حيث ينتشر باعتها في الأحياء الراقية كما في الأحياء الشعبية، ويقبل عليها الجميع بنهم.

وفي الأحياء الراقية كأبي رمانة والمالكي تنتشر بسطات مزينة بالورود والنباتات، وتتوزع بينها كراس فولكلورية منخفضة من القش والخشب وأحيانا من البلاستيك، لتشكل ما يشبه مقهى الرصيف الصغير.

ويقبل العابرون على تناول هذه الثمرة المحببة بمتعة وتلذذ. يقول الشاب وسيم الذي يجلس مع خطيبته نجلاء بين أصص الورود يتناولان حبات الصبار من يد أم محمد، “إنها متعة جميلة في أمسيات الصيف، أما بالنسبة للأسعار، فإنها أقل من عادية، فتناول صبارة واحدة أفضل مئة مرة من أن تتناول البوظة”.

وتمنح محافظة دمشق ترخيصا موسميا لباعة الصبار، لأن هذه الفاكهة تشكل جزءا من فولكلور الشام وتراثها الشعبي، حيث يتفنن البائعون في تزيين المساحات التي يشغلونها بالنباتات والورود والأضواء الملونة، مما يجعل منها لوحة فولكلورية تلون ليالي دمشق.

وينتشر بائعو الصبار أيضا على أرصفة الساحات العامة، وفي الشوارع الرئيسية كشارع بغداد وساحة الروضة، لكن الشارع الأجمل الذي تدب فيه الحياة وتضيء فيه هذه الثمرة الصيفية كما لو أنها هي نفسها تحولت إلى قناديل، فهو المتحلق الجنوبي، الطريق الدولي الموازي لأوتستراد المزة.

وتكاد المزة، أو ما يسمى بدمشق الجديدة، تكون المصدر الأول والأهم للصبارة، إلى حد أن الباعة ينادون على بضاعتهم بالقول “مزاوية، وحلوة يا صبارة”، وهي تتميز بحلاوة ثمرتها، وبقشرتها السميكة، ما يعني أن تقشيرها أسهل.

ملاذ العاطلين عن العمل
ملاذ العاطلين عن العمل

يقول المدرس حمودة ناجي إن “الصبارة ثمرة محببة إلى الدمشقيين، كما أن تناولها وهي باردة في أمسيات الصيف، يعتبر ذا نكهة وطعم محببين، ونحن معتادون على تناولها منذ الصغر، وقد أحبها أطفالي وكذلك زوجتي، لذا أصطحبهم في بعض الأمسيات لتناولها، وأحيانا أشتري لهم طبقا منها وأحضره إلى المنزل”.

ويضيف “على الرغم من تنوع فواكه الشام من تين وعنب ومشمش وكرز وتفاح وإجاص ودراق وتوت وبطيخ وشمام، إلا أن فاكهة الصبارة تظل لها مذاق خاص”.

أبوأحمد كوكش الذي يعمل في أحد بساتين المزة، ويعمل في تجارة التين الشوكي منذ أربعين عاما، قال “إنها الفاكهة الأطيب والأميز في الصيف، هي التي لا تدخلها أدوية كيمياوية ولا هرمونات”.

وعن استخدامات أخرى للصبارة قال كوكش “إنها تجفف كما هي، بعد أن تغسل وتنظف من الأشواك. تجدها في سوق البزورية مجففة مثل أصناف الفاكهة الأخرى”.

وعن كيفية تقشير الصبارة تقول البائعة أم محمد، “بداية كما ترى عدتي سكين صغيرة وكف من البلاستيك يحميني من الأشواك الناعمة، والعملية يجب أن تتم بسرعة وبراعة كي لا يتلف أي جزء من الصبارة، ويتشوه منظرها، لأنه وببساطة العين هي التي تأكل أولا”.

وتروي أم محمد فوائد هذه الثمرة التي تسمى في الساحل السوري فاكهة الصبر، قائلة “علاوة على فوائد الثمرة نفسها، التي تفيد المعدة والكبد وسواهما، فإن ساق الشتلة مفيدة لمرضى الربو حيث تُغلى ويُشرب ماؤها، أو تطحن لتصير مرهما لبعض الأمراض الجلدية كالصدف”، هذا فضلا عن استخدامها المعروف في مركبات التجميل.

ويقول الطبيب أسامة جركو “أكدت الدراسات العلمية أن الصبار يحتوي على كمية كبيرة من السكريات بنسبة 14 في المئة، وبروتينات بنسبة واحد في المئة ومقادير متوسطة من الأملاح المعدنية، إلى جانب فيتامين ج وفيتامين أ”.

الصبارة ثمرة محببة إلى الدمشقيين
الصبارة ثمرة محببة إلى الدمشقيين

ويضيف أن الثمرة ممتلئة بالفيتامينات والمعادن بشكل متوازن وطبيعي لرفع مناعة الجسم بالدرجة الأولى، وأهم المعادن التي تحويها ثمرة الصبارة الكالسيوم والمغنيزيوم والبوتاسيوم ومجموعة من الفيتامينات.

وأكد أن الباحثين اكتشفواعدة فوائد صحية أخرى للصبار حيث يساعد على إفراز الصفراء ويطرد الديدان المعوية وهو علاج لحب الشباب وبثور الوجه، ويدخل في صناعة الكثير من مستحضرات التجميل، وقد يستعمل طازجا في دهان البشرة المحترقة من أشعة الشمس المباشرة، كما يستخدم في التئام الجروح المختلفة، وعلاج بعض الأمراض الجلدية، وتستخدمه النساء في ترطيب وتنعيم بشرة الوجه والأطراف، وتناول عصير الأوراق الطازجة يمنع الإسهال، “إنه باختصار صيدلية متنقلة”.

واعتادت سلمى وهي ربة بيت أن تأخذ لأبنائها من هذه الثمرة، ولكن بالنسبة لعائلة كثيرة العدد يصبح من العسير شراء الثمرة مقشورة جاهزة، لذلك فهي تأخذ كمية وتضعها في الماء كي يلين شوكها، ثم تستخدم القفازات لتتقي ما تبقى من شوك.

وتحاول أم محمد التي تبيع الصبارة منذ سنوات، أن تخفف من فداحة أمر الشوك، فتكشف عن ساعديها لتبين آثار الشوك قائلة، “إن هذه الأشواك الناعمة في الجسم تفيده بأن تمتص الالتهابات الموجودة فيه”.

متاعب تقشير الصبارة، وليس كلفتها، هي التي جعلت ميسوري الحال يقبلون على أكلها في البسطات حيث ترافقها طقوس أخرى، فالناس غالبا ما يخرجون من المطاعم إليها، متلهفين للقاء هذه الثمرة الريانة، الحلوة، والباردة، التي تتلون بين البرتقالي والأخضر.

17