التوتر الأميركي الإيراني هل تطاول حممه أفغانستان

الزلزال الذي أحدثه التوتر المتصاعد بين أميركا وإيران قد تكون له رجات ارتدادية في أفغانستان باستخدام طهران "لواء فاطميون" الذي شكله قاسم سليماني من الشباب الأفغاني.
الجمعة 2020/01/10
هل تفتدي إيران سليماني في أفغانستان

تلاشى الحديث عن إمكانية نشوب حرب مباشرة بين واشنطن وطهران عقب الرد الإيراني، المدروس بعناية، على مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني. فالردّ كان استهداف قاعدة أميركية في العراق، مهجورة تقريبا، ما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الإدلاء بتصريح أشبه بالسخرية ” كل شيء على ما يرام”. ويعي القادة الإيرانيون جيدا الثمن المدمر إن جازفوا بتبني عمليات قتل الجنود الأميركيين أو الاستهداف المباشر للحلفاء في المنطقة، لكن الأقل تكلفة ربما تحريك الأذرع في المنطقة خاصة في اليمن أو أفغانستان وهما منطقتان تتمتع فيهما طهران بهامش مناورة أوسع.

كابول- تقتدي استراتيجية المواجهة الإيرانية بنظيرتها لدى كل من روسيا والصين وكوريا الشمالية أيضا إذ تعتمد تجنب المواجهة العسكرية المباشرة والقيام بخطوات عسكرية وأمنية متفرقة ومتباعدة، لمحاولة إحراج الولايات المتحدة وإظهارها بمظهر الضعيف، لكنها لا ترقى إلى درجة إعطاء الخصم مبررا لشن عملية عسكرية واسعة عليها.

لن يتجاوز الرد الإيراني على مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني حدود الضربات الصاروخية الأخيرة على قاعدة عين الأسد في العراق والتي أعلم بها رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي قبل تنفيذها، ما يثير تساؤلات بشأن جدية هذه الضربات، حيث يعتقد خبراء عسكريون غربيون كذلك أن الإدارة الأميركية بدورها كانت على علم مسبق بها.

لكن الرد الإيراني في اعتقاد مراقبين لن يتجاوز ثلاثة محاور بحكم معادلة النفوذ والتوازنات في المنطقة، فالرد على الجبهة اللبنانية عبر ميليشيا حزب الله غير مرجح بقوة، أما السيناريو الثاني الأكثر ترجيحا فيكون في اليمن عبر ميليشيات الحوثي، وأما السيناريو الأقوى والأكثر إيلاما للولايات المتحدة فهو في أفغانستان حيث تتكبد القوات الأميركية خسائر جسيمة في الجنود والعتاد.

قد لا يجازف حزب الله في الوقت الراهن بمناوشة إسرائيل، لكن الحوثيين قد يدفعون إلى استهداف المملكة العربية السعودية كما فعلوا من قبل بتبنيهم هجمات أرامكو سبتمبر الماضي وبالتالي إحراج واشنطن المتمسكة بحماية أمن حلفائها في المنطقة.

فاستهداف جماعة الحوثي للسعودية وأمنها غير مستبعد ضمن سيناريوهات الردّ الإيراني، لذا وجب التعامل مع هذا المعطى كحقيقة لا كفرضية ممكنة والاستعداد له بعناية، لكن طهران بالتوازي مع ذلك تعمل على دعم منظمات لا تدور في فلكها لضرب المصالح الأميركية كما فعلت مع طالبان في التسعينات وكما فعلت مع تنظيم القاعدة في نفس الفترة.

أفغانستان في قلب ردود الفعل

وجود قواعد عسكرية أميركية ضخمة في أفغانستان
وجود قواعد عسكرية أميركية ضخمة في أفغانستان

الزلزال الذي أحدثه التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران قد تكون له رجات ارتدادية في أفغانستان يرجح خبراء أن تكون -بحكم الجغرافيا وخصوصية العلاقات الثنائية- في مرمى حمم ثوران بركان واشنطن وطهران.

وينذر التوتر عقب مقتل سليماني بامتداد محتمل لارتداداته إلى الجارة التي تمتلك فيها إيران تأثيرا قويا سواء على بعض السياسيين أو على أقلية “الهزارة” الشيعية.

وأدلى العديد من السياسيين الأفغان بتصريحات عبروا فيها عن حزنهم لمقتل القائد الإيراني، وفي مقدمتهم رئيس المجلس التنفيذي بأفغانستان عبدالله عبدالله، والرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي.

ومن المعروف أن هناك علاقات قوية بين إيران وطالبان في أفغانستان، كما أن الزعيم السابق للحركة المسلحة الملا اختر منصور قتل في غارة جوية أميركية لدى عودته من إيران عام 2016.

والعام الماضي، زار مسؤولون من طالبان إيران في إطار مفاوضات السلام بين الحركة والولايات المتحدة.ويرى الخبير السياسي الأفغاني أحمد سعيدي أن إيران لديها نفوذ وتأثير في أفغانستان، سواء على الحكومة أو على حركة طالبان وحتى على الشعب الأفغاني.

ويقول سعيدي إن طهران ستحاول استغلال تأثيرها على أفغانستان بطريقة غير مباشرة، بسبب التوتر الأخير مع واشنطن. ويضيف أن أفغانستان من الدول التي يمكن لإيران أن تستهدف فيها القوات الأميركية حتى لو كان ذلك بطريقة غير مباشرة عقب مقتل قاسم سليماني.

إيران لديها نفوذ وتأثير في أفغانستان، سواء لدى الحكومة أو حركة طالبان وحتى على الشعب الأفغاني

ويشير إلى وجود قواعد عسكرية أميركية ضخمة في أفغانستان، وأن إحداها تقع في مدينة هرات على الحدود الإيرانية. ويلفت إلى أن الولايات المتحدة تسيطر على المجال الجوي الأفغاني، ولذلك لن تتمكن إيران من محاربة واشنطن بصورة مباشرة في أفغانستان، ولكنها يمكن أن تستهدف القوات الأميركية هناك بطريقة غير مباشرة.

ويتابع“ أرى أن إيران ستحاول استخدام ‘لواء فاطميون’ الذي شكله قاسم سليماني من الشباب الأفغان ضد الولايات المتحدة، كما ستحاول استغلال علاقاتها الجيدة مع حركة طالبان، وأرى أن أفغانستان ستتأثر بذلك الوضع”.

يؤكد أحمد تميم عاصي، مساعد وزير الدفاع الأفغاني السابق للشؤون السياسية والاستراتيجية، أن إيران تدعم بكل الطرق حركة طالبان التي تنشط بالقرب من حدودها.

وقال تميم عاصي إنه في حال اندلاع حرب بين إيران والولايات المتحدة، فإن طالبان المدعومة من طهران يمكن أن تنسحب من اتفاقية السلام التي هي على وشك توقيعها مع واشنطن. وحذر المسؤول السابق من ازدياد أعمال العنف في الولايات الأفغانية القريبة من الحدود الإيرانية حال توقف مفاوضات السلام بين طالبان وواشنطن.

من جهته اعتبر شجاع حسيني محسني، عضو هيئة التدريس في قسم العلوم السياسية بجامعة كابول الأفغانية، أن الأزمة الأخيرة بين إيران والولايات المتحدة خلقت حالة من التوتر والقلق في أفغانستان. وأوضح محسني أن إيران لديها نفوذ قوي في أفغانستان، وخاصة في المناطق الغربية التي توجد فيها أيضاً قاعدة عسكرية أميركية ضخمة.

وحذر من أن هذه المنطقة ستشهد توتراً كبيراً حال اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران، مشيرا إلى وجود حالة من القلق، سائدة في البلاد بين السياسيين وبين أفراد الشعب. وأضاف أن إيران ستستهدف الولايات المتحدة عبر الحرب بالوكالة وليس بصورة مباشرة.

لواء فاطميون

إيران ستحاول استخدام "لواء فاطميون" الذي شكله قاسم سليماني من الشباب الأفغان ضد الولايات المتحدة
إيران ستحاول استخدام "لواء فاطميون" الذي شكله قاسم سليماني من الشباب الأفغان ضد الولايات المتحدة

يعرف أيضا باسم “حزب الله الأفغاني”، تأسس عام 2013 كجزء من فيلق القدس؛ المسؤول عن العمليات الخارجية بالحرس الثوري الإيراني، ويتكون من ميليشيات معظمها من المهاجرين الأفغان المنتمين إلى أقلية الهزارة الشيعية.

لعب “لواء فاطميون” دوراً فعالاً في الحرب في سوريا، كما حارب في العراق وإلى جانب الحوثيين في اليمن، ولا يزال القسم الأكبر من عناصره في سوريا، إلا أن بعض عناصره عادت
إلى أفغانستان بعد أن مالت كفة الحرب في سوريا لصالح نظام الأسد. ويمكن لإيران استخدام ميليشيا فاطميون في إطار استراتيجية التمدد الشيعي التي تتبعها. وكثيراً ما تعبر الإدارة الأفغانية عن انزعاجها من استغلال المواطنين الأفغان في خوض الحرب في دولة أخرى وفقاً للأهداف الأيديولوجية الإيرانية.

على الرغم من التصريحات شديدة اللهجة من قبل المسؤولين الإيرانيين تعقيبا على مقتل سليماني إلا أن ردود الفعل تبدو مدروسة بعناية شديدة ولا تخرج عن الخطوط الحمراء الأميركية للدخول في حرب مباشرة.

وتتكبد القوات الأميركية في أفغانستان خسائر بشرية ومادية جمة ما جعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب يفكر بكل جدّية في سحب قوات بلاده من مستنقع أفغاني بات الأميركيون يكرهونه.

وجعل ترامب سحب قوات بلاده جزءا هاما من حملته الانتخابية 2020 والتي يطمح فيها إلى تجديد ولايته، فالانسحاب من أفغانستان جزء من حملة انتخابية أضاف إليها سيد البيت الأبيض مؤخرا عملية اغتيال سليماني، لكن طهران قد تسحب منه أو تؤجل ورقة خروجه من أفغانستان كـ”فدية” لانتشائه بمقتل “ثعلب إيران”.

فهل أسست الولايات المتحدة مبدأ الردع بقتلها قاسم سليماني؟ وهل تدفع طهران حلفاءها في المنطقة إلى شن المزيد من الهجمات على المنشآت والمصالح الأميركية في المنطقة؟ وإذا كانت الإجابة لا، هل تستمر الهجمات التي تستلهم خططها من هجمات إيران في الوقت الراهن؟ وماذا سيفعل الرئيس ترامب؟

هل انتهت الأزمة؟ قد تكون هذه نهاية حلقة خطرة، لكن الصراع الإقليمي الضاري سيستمر، وستبقى العداوة الاستراتيجية بين الطرفين. وسيلقي مقتل سليماني بظلاله على العلاقات الأميركية الإيرانية لسنوات عديدة.

6