التوترات الطائفية في عمان وتداعياتها على السياسة الخليجية

هناك مخاوف من التهديدات التي تشكلها الحركات المتطرفة للوضع الأمني في سلطنة عمان مما قد يثير النعرات المذهبية والمناطقية والخوف من وجود خلايا نائمة قد تسبب توترات أمنية في منطقة الخليج.
الثلاثاء 2024/07/23
هدوء يخفي خلافات مذهبية

سلطنة عمان عُرفت بموقفها الحيادي في ما يتعلق بالسياسة الخارجية مما مكنها من لعب دور الوسيط بين الولايات المتحدة وإيران، ولكن ظهرت تغيرات كبيرة في السياسة الخارجية بعد وفاة السلطان قابوس، فأظهرت مسقط ميلاً واضحاً نحو إيران وحلفائها مما جعلها في مرمى الانتقادات المحلية والإقليمية.

الهجوم الإرهابي الذي شنته مجموعة، لم تفصح السلطات العمانية عن هوية أفرادها، يُشكل نقلة كبيرة في مسار استقرار عمان والخليج؛ لأن الهجوم يعبّر عن نزعة مذهبية واضحة تقوم على العنف وتريد إرسال رسالة بأنها موجودة ورافضة لسياسات الحكومة العمانية مما يجعل الصراع معقداً.

إذا عدنا إلى الأوضاع المذهبية في عمان فهناك المذهب الإباضي، والسني والشيعي. ينتشر المذهب الإباضي والشيعي في الشمال بينما يتواجد معظم السنة في محافظة ظفار التي تقع جنوب عمان وتمثل حوالي ثلث مساحة عمان ولكن لا توجد إحصائيات رسمية لأعداد متبعي هذه المذاهب.

◄ وجود توترات طائفية يعني امتداد التنظيمات الإرهابية إلى عمان في ظل الاتهام الموجه لعمان بمحاباتها أحد طرفي النزاع في اليمن مما سيفتح الباب لأعمال عنف ذات أبعاد طائفية

لقد عملت عمان على التخفيف من الخلافات المذهبية وكانت هناك مراعاة للتنوع المذهبي والمناطقي، ولذلك كانت معظم التشكيلات الوزارية تضع هذه المعطيات في حساباتها بالإضافة إلى وجود خصوصية عالية وحرية لهذه المذاهب في أداء الشعائر الدينية، كما تم تخصيص مساجد لبعض الطوائف ومن ضمنها الشيعة والذين هُوجم مسجدهم في الوادي الكبير.

لقد سبق الهجوم الإرهابي حراك مذهبي في محافظ ظفار بسبب اختلاف المواقيت، حيث أعلنت سلطنة عمان يوم عيد الأضحى المبارك مخالفاً لما أعلنته المملكة العربية السعودية، ونتج عن ذلك أن مجموعة مقدرة من أهل السنة في محافظة ظفار احتفلوا بالعيد وفقاً لتوقيت المملكة العربية السعودية، فردت السلطات العمانية بحملة استدعاءات واعتقالات طالت المواطنين وشملت رموزا وشخصيات اجتماعية من قبيلة المعشني الحكلية، وهي قبيلة ذات وزن وتأثير وتنحدر منها والدة السلطان قابوس رحمه الله، وظلت قبيلة المعشني سنداً لقابوس بحكم الانتماء ولذلك يمكن قراءة الحادثة كنوع من المواجهة بين قبيلة لها رمزية مع الحكومة.

لقد سبق لقبيلة الحكلي، التي تضم عدداً من القبائل منها المعشني، تنظيم حراك واسع  في أبريل 2018 حيث تجمعوا في ساحة عامة فتم تفريقهم بالقوة، وسبق ذلك الاجتماع اعتقالات لرموز وشيوخ القبيلة مما رفع من روح التحدي لدى أفراد القبيلة. كان ذلك التجمع تعبيراً سياسياً في المقام الأول، رغم أن القبيلة أعلنت أنه ذو طابع اجتماعي ويبدو أن قبيلة الحكلي بدأت تشعر، في ذاك الوقت، بسحب البساط من تحتها والتقليل من دورها كمساند للسلطان ومرد ذلك الشعور أن السلطان قابوس كان في وضع صحي سيء وغائب عن الوعي تقريباً وكان المواطن العادي يفكر في ما بعد قابوس، وبكل تأكيد فإن الحس القبلي استشعر حجم المخاطر التي قد تصيبهم في حالة وجود حاكم جديد يهمش دورهم مستقبلاً.

ما حدث يترك مؤشرات كبيرة لا بد من الوقوف عندها ومن أهمها:

◄ التوترات الطائفية في سلطنة عمان سوف يكون لها تأثير سالب على الخليج وخاصة على الإمارات والسعودية بحكم الجوار

أولاً، شعور مواطني محافظة ظفار بالتهميش والاستضعاف المذهبي مستبطنين بأن الأمور المذهبية والإفتاء فيها يتم وفقاً للمذهب الإباضي ولقد تكرر هذا الوضع من قبل وقام الحجاج العمانيون بأداء شعيرة الحج بطريقة منفصلة مما أحدث خللا وتضارباً كبيراً في أداء المناسك.

ثانيا، ظهور العنف المسلح الذي استهدف الشيعة ولم يكن الهجوم عرضياً بل كان مخططا له بإحكام وذلك بالرجوع إلى اختيار يوم عاشوراء بالإضافة إلى استمرار الهجوم لساعات طويلة استمرت من مساء الاثنين إلى حوالي العاشرة من صباح الثلاثاء مما يترك تساؤلات عن حجم التدريب والتسليح.

ثالثا، الأوضاع الاقتصادية المتمثلة في ارتفاع أعداد الباحثين عن عمل إلى 100 ألف حسب ما أشار إليه وزير العمل العماني، بالإضافة إلى أن الحد الأدنى للمرتبات 450 ريالا عمانيا والذي لا يتناسب مع تكاليف المعيشة.

رابعا، اللجوء إلى الحلول الأمنية لمعالجة الخلافات المذهبية مما قد يُحدث شرخاً في المجتمع العماني فلقد شهدت ظفار اعتقالات وتم تحويل بعض المعتقلين إلى الادعاء العام وستتم محاكمتهم.

◄ الهجوم يعبّر عن نزعة مذهبية واضحة تقوم على العنف وتريد إرسال رسالة بأنها موجودة ورافضة لسياسات الحكومة العمانية مما يجعل الصراع معقداً

هناك مخاوف كبيرة من التهديدات التي تشكلها الحركات المتطرفة للوضع الأمني في سلطنة عمان مما قد يثير النعرات المذهبية والمناطقية والخوف من وجود خلايا نائمة قد تسبب توترات أمنية في منطقة الخليج، فنجاح مجموعة في التخطيط والتنفيذ لهدف رمزي في قلب العاصمة مسقط وما نتج عنه من موت وإصابات كان من الممكن أن يكون أكبر لولا لطف الله.

تعتبر اليمن من المناطق التي تشهد صراعاً طائفياً أثّر على أمن واستقرار اليمن وشكل تهديداً لدول الخليج نسبة إلى التحالف الإستراتيجي بين الحوثي وإيران مما جعل اليمن عمقاً إستراتيجياً لإيران لتحقيق مصالحها في المنطقة وتهديد دول الخليج التي تختلف مع التوجه الإيراني وطموحاته.

إن وجود توترات طائفية يعني امتداد التنظيمات الإرهابية إلى عمان في ظل الاتهام الموجه لعمان بمحاباتها أحد طرفي النزاع في اليمن مما سيفتح الباب لأعمال عنف ذات أبعاد طائفية، وخاصة أن لعمان حدودا بحرية طويلة تصعب مراقبتها بالإضافة إلى حدودها مع اليمن.

عملت دول خليجية، وفي مقدمتها الإمارات والسعودية، على مكافحة التطرف والإرهاب وبدأت بمواجهات علنية بحظر التنظيمات المتطرفة وفي مقدمتها تنظيم الإخوان المسلمين، وذلك باتّباع إجراءات أمنية وبناء نظام داخلي يقاوم التطرف بدءاً بتغيير إيجابي في المناهج التعليمية والعمل على إنشاء مراكز دراسات وبحوث متخصصة في الحركات الإسلامية وتبع ذلك إعلام واع يدعو إلى المحبة والسلام بالإضافة إلى إغلاق منافذ عمل المتطرفين مثل الجمعيات الخيرية التي يتسلل منها المتطرفون إلى المجتمع ومن أكبر الخطوات تحقيق الاستقرار الاقتصادي للمواطن وجعله شريكا أصيلا في محاربة التطرف والإرهاب.

نستطيع القول بأن التوترات الطائفية في سلطنة عمان سوف يكون لها تأثير سالب على الخليج وخاصة على الإمارات والسعودية بحكم الجوار، وستزداد المخاوف من تسلل متطرفين إليهما مما يستدعى القيام بترتيبات تمنع التأثيرات السالبة الناتجة عن توترات عمان ومراعاة إمكانية وجود امتداد وتنسيق للتنظيمات الإرهابية الموجودة في اليمن مع خلايا نائمة في سلطنة عمان تخطط على إحداث أعمال إرهابية أخرى.

9