التواصل الاجتماعي فضح الوزير والمذيع

لم يكن ممكنا في الماضي معرفة الكثير من الحقائق التي يتم تداولها بشكل آني، كان إيقاع الحياة ووسائل الاتصال لا يتيحان تلك السرعة والآنية اللتين نشهدهما اليوم.
حدثان وقعا خلال أسبوع واحد كان لوسائل التواصل الاجتماعي وإيقاعها الآني الفضل في تسليط الضوء عليهما وأن يشغلا الرأي العام في العراق.
الحدث الأول هو اغتيال فتاة في ريعان الشباب، شخصية اجتماعية نشيطة ومعروفة بنشاطها الاجتماعي وحضورها في وسائل التواصل ومتابعيها الذين يعدون بالآلاف، لكن تلك الفتاة البريئة والجميلة اغتيلت في وضح النهار وفي وسط العاصمة بغداد، ارتكب القتلة فعلتهم ولاذوا بالهرب ولن يستطيع أحد تقديمهم إلى العدالة.
القصة لا تتعلق بحادثة الاغتيال على ما رافقها من تعاطف وشعور بالصدمة، ولكن برد فعل إعلامي معروف يعمل في الفضائية الرسمية للحكومة الذي فضحته وسائل التواصل الاجتماعي حيث كتب بضع كلمات في شكل تغريدة صادمة شتم فيها الضحية وتشفى بها.
لو كان ذلك الإعلامي قد اختزن موقفه اللاإنساني مع نفسه أو كتبه في دفتر يومياته لبقي الأمر خافيا، لكن نشره تلك المشاعر العدوانية كان كفيلا بتلقيه هجمة هائلة وغير متوقعة من عشرات الألوف من الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع نشر صورته والمطالبة بمحاسبته قانونيا، وبالفعل أعلنت المؤسسة التي يعمل فيها عن إحالته إلى التحقيق ومنع ظهوره على الشاشة مستقبلا.
القضية الثانية، أن العراقيين من ضمن ما ابتلوا به فقد ابتلوا بوزير خارجية غريب الأطوار ومثير للجدل على الدوام، فالرجل وهو في أعلى هرم الدبلوماسية يرى في نفسه أنه يعلم ما لا يعلمه الآخرون فيتدفق بأحاديث تقترب إلى الهلوسات بينما تتطلب الأحاديث الدبلوماسية استخدام القاموس الخاص بها والدقة والالتزام بكل كلمة تقال.
لكن وسائل التواصل الاجتماعي نقلت عن ذلك الوزير في مرة سابقة وفي مؤتمر صحافي قوله “إننا ننفتح على داعش بكل أعضائه وننفتح خارج داعش، وكنت في أستراليا ونيوزيلندا وطلبوا الانضمام إلى داعش ورحبنا بهم أهلا وسهلا ومرحبا”، قال ذلك على الهواء مباشرة فلما أفاق في اليوم التالي أصدر بيانا قال فيه إنه يقصد الترحيب بمن يحارب داعش.
وفي حفل تأبين الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني ألقى كلمة قال فيها إنه يتمنى للمتوفي التوفيق.
وما عدا ذلك فهنالك الكثير من قصص هذا الوزير الذي تغص وسائل التواصل الاجتماعي بشطحاته، لكن آخرها على الإطلاق كان فضيحة من العيار الثقيل.
فإذا كانت تلك الشطحات التي كان يقع فيها في السابق محلية فإنه انتقل إلى العالمية عندما اعتلى منبر الأمم المتحدة قبل أيام متحدثا عن عظمة بغداد دار السلام مع أن لا مناسبة تذكر لذلك الحديث.
الخطاب-الفضيحة في الأمم المتحدة الذي تداولته وسائل التواصل الاجتماعي وسرى سريان النار في الهشيم في كوميديا غرائبية فريدة هو قول الوزير “تبقى بغداد كما وصفها سرجون الأكدي أنها قبة العالم وأن من يحكمها يتحكم برياح العالم الأربع″.
المفارقة أنه وبحسب المصادر التاريخية، فإن العاصمة بغداد بنيت خلال القرن السابع الميلادي، فيما كان سرجون الأكدي حاكم السلالة الأكدية وبعض مناطق الشرق الأوسط الحالي، حوالي عام 2300 ق.م، ما يعني وجود فارق زمني بآلاف السنين.
الحاصل أن السرعة التي اكتشف فيها المئات من الألوف ما يتعلق بالموقفين سواء بالوزير العراقي أو بالفتاة المغدورة كان الفضل فيها لوسائل التواصل الاجتماعي التي اختصرت الكثير من الوقت والجهد لملاحقة وفضح الحقيقة سواء بالنسبة للوزير أو المذيع.