التنافس على أشده.. أفريقيا في قلب الحرب الباردة الجديدة

لم تكن أفريقيا ذات أولوية بالنسبة للولايات المتحدة خلال السنوات الأربع الماضية حين كان الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب في البيت الأبيض، لكن هذا الوضع قد يتغير على الأرجح مع المتغيرات الجديدة على الساحة الدولية فبالنظر إلى سياسة الرئيس المنتخب جو بايدن، يبدو أن القارة البالغ عددها 54 دولة ستكون في فلك اهتمام الإدارة الجديدة.
واشنطن – تعتبر أفريقيا، في نظر بعض المحللين السياسيين، أنها كانت فكرة ليست ذات قيمة بالنسبة للولايات المتحدة خلال السنوات الأربع الماضية حين كان الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب في البيت الأبيض، لكن هذا ليس بالضرورة أمرا سيئا فالجميع يتحدث عن الاستقرار السياسي والاقتصادي، الذي يجب أن يكون في دول القارة البالغ عددها 54 دولة.
ويهيمن واقع النزاع في ليبيا على المناقشات الأميركية ويلقي بظلاله على إبعاد السودان عن الدول الراعية للإرهاب وعلى الأزمة الإثيوبية الحديثة فضلا عن القوة والحيوية المتزايدة للمؤسسات التي تقودها القارة، مثل الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) وغيرها بهدف معالجة الصراعات الإقليمية.
ويبدو أن أفريقيا بعد وباء كورونا ستكون في قلب الحرب الباردة الجديدة أكثر من أي وقت سابق، بحسب ما أشارت برونوين بروتون، وهي مديرة البرامج والدراسات في المجلس الأطلنطي الأميركي في ورقة بحثية بعنوان “الوكالة الأفريقية في الحرب الباردة الجديدة: منافسة القوى التقليدية في المشهد الأفريقي بعد كوفيد – 19”.
ورغم أن الرئيس المنتخب جو بايدن سيجد أفريقيا أفضل مما كانت عليه عندما كان نائبا للرئيس باراك أوباما، إلا أنه يجب أن يضع أمامه كل السيناريوهات المحتملة لكسب معظم دول القارة في صفه، فالوضع مختلف الآن مع وجود أجندات توسعية للقوى العالمية الكبرى، وبالتالي فإن عليه التفكير بعمق في ما ستكون عليه الأمور لاحقا.
ومنذ نهاية الحرب الباردة، تمكنت مجموعة من القوى من ممارسة نفوذها في جميع أنحاء القارة الأفريقية، وهي الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي والهند وأيضا تركيا وإيران، ونادرا ما تنافست هذه القوى الخارجية بشكل مباشر ضد بعضها البعض، حيث مارست نفوذها في مجالات منفصلة ومحددة جيدا.
وقد احتفظت الولايات المتحدة بميزة القوة الناعمة لمساعدتها الأمنية، في المقابل ركزت الصين على دعم البنية التحتية وزيادة التجارة، بينما حاولت الهند الاستحواذ على جزء من الكعكة، في حين ركزت أوروبا كحليف مهم لواشنطن على مكافحة الهجرة غير النظامية.
وتشكل العلاقة الحالية بين الولايات المتحدة وروسيا على نفس القدر من السوء، الذي كانت عليه خلال السنوات الأخيرة من الاتحاد السوفييتي حينما كان ليونيد بريجنيف رئيسا والولاية الأولى لإدارة رونالد ريغان، وهو الوقت الذي اعتقد فيه الكثير من الأميركيين والأوروبيين أن خطر حدوث المزيد من التدهور أو حتى الحرب كان أمرا واقعيا.
ومع ذلك، سارت الأمور على خلاف ذلك، فقد تبع ميخائيل غورباتشوف، بريجنيف، وولد “تفكيره الجديد” بشأن السياسة الخارجية، واستجابة ريغان البناءة لها، تحولا في العلاقات الأميركية السوفييتية وساعد في تهيئة الظروف لتحقيق اختراقات أنهت الحرب الباردة سلميا.
ولكن بروتون، تسلط الضوء اليوم عما ستؤول إليه الأمور في المستقبل، أي بعد انتهاء الأزمة الصحية العالمية، حيث تقول إن بيئة ما بعد كوفيد – 19 ستعمل على تسريع المنافسة بين هذه القوى وتقودها إلى مناطق نفوذ متقاطعة.
وفي مثل هذا السياق، تقيّم هذه الورقة البحثية الدوافع الرئيسية للمشاركة المتزايدة للقوى الناشئة في أفريقيا، وتجري بعض المقارنات بين الأدوار التي لعبتها خلال الوباء، وتناقش كيف يمكن أن يؤثر ذلك على علاقاتها المستقبلية مع دول أفريقيا.
وبشكل أكثر تحديدا، تستكشف هذه الورقة كيف سعت روسيا وتركيا والسعودية والإمارات وقطر وإيران إلى إقامة علاقات وتعزيز مصالحها في جميع أنحاء القارة الأفريقية.
وترى بروتون أنه حتى مع إدارة بايدن القادمة فإن الولايات المتحدة مستعدة لتقليص نفوذها في القارة، وخلق فراغ لأوروبا والصين لملئه إما عن طيب خاطر وإما على مضض.
وللباحثة بروتون أسباب تبدو مقنعة في نظريتها، حيث تؤكد أن قيود الميزانية على المساعدات والدفاع، التي يكملها التركيز الاستراتيجي المحول نحو المنافسة بين القوى العظمى، ستؤدي إلى قيام واشنطن بتقليص مساعداتها الأمنية والتنموية في الدول غير الاستراتيجية، وبدلا من ذلك تحث الشركات الأميركية على التنافس مباشرة مع الشركات الصينية في السوق.
وستواجه الصين بدورها فرصة لتعزيز أمنها وستحاول صياغة ميزة جديدة للقوة الناعمة وسيهدف هذا للتغلب على مخاوف السمعة المتزايدة بشأن تخفيف الديون وكوسيلة للحفاظ على دعم كتلة التصويت الأفريقية في الأمم المتحدة حيث تواجه الصين تدقيقا عالميا متزايدا.
وقد تبتعد أوروبا أكثر عن الولايات المتحدة لأنها، أيضا، مجبرة على تحمل عبء أكبر في مكافحة الإرهاب وتسعى إلى مكافحة موجة جديدة من الهجرة غير النظامية، مما قد يدفع حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى توسيع تواجده أيضا، كما ستخرج الهند من أزمة الوباء باقتراح قيمة مقنعة للدول الأفريقية التي تسعى إلى شراكات اقتصادية جديدة.
وستجد بعض الدول الأفريقية نفسها في مرمى عقلية الحرب الباردة الجديدة التي يمكن أن تهدد الأقلمة والروح المزدهرة للوحدة الأفريقية، وتشمل البلدان الرئيسية التي ستتورط؛ كينيا وإثيوبيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا والسنغال وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وتقول بروتون إن سعي القوى الكبرى وراء المصالح الثنائية مقابل المصالح الأفريقية سيكون حاسما في تحديد مسار القارة ولاسيما في رسم معالم قرن أفريقي جديد، أو فترة أخرى من الطموحات المحبطة.
والصراع المستمر بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وقيادة إقليم تيغراي، التي تقودها جبهة تحرير شعب تيغرايان، يمكن أن يزعزع استقرار المنطقة الشرقية من أفريقيا، وبالتالي فإن هذا التحدي الأحدث يشكل مطبا كبيرا للفاعلين الكبار من أجل صياغة رؤية تشاركية لنشر السلم في قارة تواجه مشكلة وجودية تتمثل في انتشار التنظيمات الجهادية على رقعة واسعة من الأرض.