التمويل الهائل يعزز هيمنة الأندية الإنكليزية في أوروبا

ربما لم يدر بخلد كثيرين أن تحتكر الأندية الإنكليزية نهائيات أكبر بطولتين لكرة القدم في أوروبا هذا الموسم، بعد إقصاء عمالقة إسبانيا، ريال مدريد وبرشلونة وكبار أندية فرنسا وألمانيا وإيطاليا مثل باريس سان جرمان وبايرن ميونيخ ويوفنتوس.
لكن يبدو أن للاستثمارات الهائلة القول الفصل في بلوع ليفربول وتوتنهام المباراة النهائية في دوري أبطال أوروبا، التي ستقام في العاصمة الإسبانية مدريد في الأول من يونيو، وبلوغ تشيلسي وأرسنال نهائي الدوري الأوروبي، الذي سيقام في عاصمة أذربيجان باكو الأربعاء المقبل.
وكان الفوز التاريخي الذي حققه ليفربول على ضيفه برشلونة في مباراة الإياب في ملعب أنفيلد، أكبر مفاجآت البطولة لأن ليفربول كان يحتاج لمعجزة الفوز بأربعة أهداف وقد حققها بالفعل بعد أن كان قد خسر مباراة الذهاب بثلاثة أهداف نظيفة.
بالطبع هناك قائمة طويلة من الأسباب الفنية التي ساهمت في تحقق ذلك الإنجاز التاريخي لكرة القدم الإنكليزية، منها نجاحها في استقطاب أبرز المدربين والمواهب، لكن جميع ذلك يرتبط بالتأكيد بتدفق الاستثمارات والعوائد.
نظام مالي متطور
قبل الحديث عن المواهب الكبيرة، التي تزخر بها الأندية الإنكليزية ينبغي التركيز على النظام المالي الذي اعتمدت عليه هذه الأندية لكي تصبح قادرة على استقطاب وتوظيف أشهر الأسماء في عالم كرة القدم.
على سبيل المثال لكي يتمكن نادي ليفربول من الحصول على خدمات مدربه الألماني يورغن كلوب، ونجوم مثل المصري محمد صلاح والسنغالي ساديو ماني، لا بد أن يتوفر له التمويل اللازم لدفع أجورهم.
2.69 مليار يورو قيمة لاعبي الدوري الإنكليزي الممتاز مقابل 1.2 مليار في الدوري الإسباني
كما أن جمع مانشستر سيتي للألقاب المحلية الثلاثة في حدث غير مسبوق هذا الموسم، يتطلب دفع رواتب ضخمة لمدربه الإسباني بيب غوارديولا، ونجومه الكبار مثل الأرجنتيني سيرجيو أغويرو.
وهنا نجد أن كرة القدم الأوروبية تعيش حالة من الطبقية الشديدة، وتبدو فيها الفروق المالية هائلة بين ناد قادر على شراء أفضل اللاعبين، وآخر لا يستطيع حتى الاحتفاظ بمن يبرزون في صفوفه.
وفي ظل هذه الطبقية، تتصدر الأندية الإنكليزية أوروبا باعتبارها الأكثر ثراء وقوة كما يوضح تقرير الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (اليويفا) عن تمويل كرة القدم في آخر المواسم التي أصبحت أرقامها متاحة، وهو موسم 17/2018.
ويظهر التقرير أن إجمالي أصول الأندية الإنكليزية بلغ 9.78 مليار يورو، وهو أكثر من ضعف الأندية الإسبانية التي جاءت في المرتبة الثانية بنحو 4.8 مليار يورو. ويشير التقرير إلى أن هناك 11 ناديا إنكليزيا بين أكثر 20 ناديا تحقيقا للأرباح في أوروبا حاليا.
كما أن الدوري الإنكليزي الممتاز (البريميرليغ) هو الأكثر سخاء في الإنفاق على رواتب نجوم ومدربي كرة القدم مقارنة بكافة الدوريات الأوروبية، حيث بلغت فاتورة تلك الرواتب في الموسم الماضي للفرق العشرين نحو 2.9 مليار يورو.
ويبتعد ذلك بفارق كبير عن فاتورة الفرق الإسبانية العشرين في الدوري الإسباني الممتاز (لاليغا) التي حلت في المرتبة الثانية من حيث الإنفاق على رواتب اللاعبين والمدربين بنحو 1.7 مليار يورو، بحسب تقرير مؤسسة “ديلويت” البريطانية.
وتتسع فجوة الإنفاق على الرواتب بشكل كبير عن باقي بطولات أوروبا الكبيرة مثل الدوري الألماني (البوندسليغا) والدوري الفرنسي والدوري الإيطالي. ولا شك أن هذا الإنفاق الهائل على رواتب اللاعبين والمدربين، والذي يتصاعد سنويا بنسب متفاوتة، يتطلب إيرادات هائلة لتغطية ذلك الإنفاق.
وهنا نجد أن الدوري الإنكليزي الممتاز هو الأول في أوروبا من حيث حجم الإيرادات التي بلغت نحو 5.29 مليار يورو في موسم 2017/2018 مقابل إيرادات الدوري الإسباني، التي بلغت نحو 2.8 مليار يورو، وهو مبلغ قريب من إيرادات البوندسليغا الألماني التي بلغت 2.7 مليار يورو في ذات الموسم، فيما تنخفض إيرادات الدوري الفرنسي بشكل ملحوظ لتبلغ 1.6 مليار يورو في نفس الفترة.
من أين تأتي الأموال
تعد عائدات بيع حقوق بث المباريات لشبكات التلفزيون المختلفة من أبرز مصادر إيرادات أندية كرة القدم الأوروبية. ومرة أخرى تتصدر الأندية الإنكليزية باقي أندية أوروبا من حيث عائدات بث المباريات، والتي بلغت 3.22 مليار يورو في موسم 17/2018 وهو ما يمثل نسبة 61 بالمئة من إجمالي إيرادات الدوري الإنكليزي.
ويأتي الدوري الإسباني في المرتبة الثانية في العوائد التلفزيونية بنحو 1.48 مليار يورو، أي ما يقل بنحو 48 بالمئة عن الدوري الإنكليزي الممتاز.
وفي المتربة الثالثة يأتي الدوري الألماني بنحو 960 مليون يورو أي ما يقل بنسبة 66 بالمئة عن الدوري الإنكليزي.
وهنا يمكن القول إن قوة شبكات التلفزيون الإنكليزية وسعة انتشارها بسبب شيوع اللغة الإنكليزية، تساهم بشكل مباشر في توفير التمويل الكبير للدوري الإنكليزي الممتاز.
في المقابل لا تتوافر تلك الإمكانيات المالية الضخمة لشبكات التلفزيون الإسبانية والألمانية والفرنسية والإيطالية.
أما المصدر الثاني لإيرادات أندية كرة القدم الأوروبية فهو الدعاية والإعلان، وهنا أيضا تبرز جاذبية الدوري الإنكليزي مقارنة بباقي الدوريات الأوروبية.
فقد بلغ حجم إيرادات الدعاية ورعاية الأندية من قبل مؤسسات كبيرة نحو 1.35 مليار يورو في الدوري الإنكليزي مقابل 826 مليون يورو للدوري الإسباني و854 مليونا للدوري الألماني في موسم 17/2018.
ويؤكد ذلك نجاح أندية كرة القدم الإنكليزية في مجال التسويق وتفوقها الكبير على الدوريات الأوروبية الأخرى في القدرة على جذب شركات ومؤسسات كبيرة لكي يتم الإعلان عنها على قمصانها والشاشات المحيطة بأرضية الملاعب.
أما المصدر الثالث لإيرادات أندية كرة القدم الأوروبية فهو حصيلة بيع تذاكر المباريات، وهنا تبدو الإيرادات متقاربة نسبيا بسبب مساحة المدرجات المتشابهة، لكن الدوري الإنكليزي يتصدرها بإيرادات تبلغ نحو 718 مليون يورو مقابل 544 مليونا للدوري الإسباني ونحو 504 مليون يورو للدوري الألماني.
الدوري الإنكليزي يتصدر حصيلة بيع تذاكر المباريات بقيمة إيرادات تبلغ نحو 718 مليون يورو مقابل 544 مليونا للدوري الإسباني ونحو 504 مليون يورو للدوري الألماني
وفي محصلة المصادر الثلاثة الرئيسية للإيرادات أي حقوق بث المباريات وأنشطة التسويق والدعاية، وعائدات بيع تذاكر المباريات، تتفوق أندية الدوري الإنكليزي الممتاز بفارق كبير على باقي الأندية الأوروبية.
ويرجع ذلك أساسا إلى ضخامة عائدات بث المباريات التي تدفعها شبكات التلفزيون للأندية المشاركة في الدوري الممتاز (البريميرليغ) إضافة إلى تفوق هذه الأندية في أنشطة الدعاية والإعلان.
ومع قوة الأذرع المالية للأندية الإنكليزية، تتصاعد قدرتها على شراء اللاعبين النجوم من مختلف بقاع الأرض ليساهموا في نجاحها وتفوقها.
قيمة اللاعبين
ويقدر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم قيمة اللاعبين الذين يلعبون في الدوري الإنكليزي الممتاز بنحو 2.69 مليار يورو، فيما ينخفض هذا المبلغ إلى 1.2 مليار بالنسبة للدوري الإسباني، وهو ما يعني أن الأندية الإنكليزية تمتلك من النجوم ما لا تمتلكه غيرها من الأندية الأوروبية.
وفي الخلاصة يمكن القول إن توافر هذا التمويل الضخم للأندية الإنكليزية لم يكن ليؤتي ثماره دون الإدارة الجيدة، وهنا تكمن أيضا قدرتها على استقطاب أبرز الإداريين في العالم.
ويشير ذلك إلى وجود خبرات واسعة تقف وراء إدارة أندية كرة القدم الإنكليزية التي تحوّلت إلى شركات عملاقة توظف أفضل الكفاءات لتحقيق أهدافها، ومن ضمنها كفاءات الإدارة والتمويل والتسويق والدعاية.
وترجح كل تلك الأرقام والحقائق أن تستمر “البريميرليغ” في صدارة الساحات، التي تجمع أفضل المدربين ونجوم كرة القدم في العالم، لتتواصل هيمنة الأندية الإنكليزية على كرة القدم الأوروبية.