التغيرات في الأمازون تقود العالم نحو مستقبل كارثي

الأمازون أو الغابة المدارية الأكبر في العالم باتت تنتج كربونا أكثر مما تخزّن وهو ما يهدد مستقبل الحياة البشرية.
الأربعاء 2021/11/10
إزالة الغابات تقودنا نحو الهاوية

برازيليا - توصلت الخبيرة الكيميائية لوتشيانا غاتي في مختبرها إلى حقيقة مُرّة تفرض نفسها، ألا وهي أن الأمازون أو الغابة المدارية الأكبر في العالم باتت تنتج كربونا أكثر مما تخزّن وهو ما يهدد مستقبل الحياة البشرية.

وبينما ارتفعت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 50 في المئة في خمسين عاما، وتجاوزت الأربعين مليار طن في العام 2019، امتصت الأمازون كمية كبرى منها، بمقدار ملياري طن كل سنة، حتى فترة قصيرة خلت.

إذ أن البشر عملوا أيضا خلال نصف القرن الماضي على تدمير وإحراق مساحات شاسعة من الأمازون لإفساح المجال لرعي الماشية وللزراعة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت البرازيل المنتج الأول والمصدّر الأول للماشية في العالم.

وتترقب غاتي بقلق نقطة التحول المناخي، وهي العتبة التي لا يعود في الإمكان بعدها امتصاص الكربون والميثان من الغلاف الجوي وتخزينه في الأشجار، ويبلغ تغيّر النظام البيئي نقطة لا عودة عنها.

وبالنسبة إلى العلماء، سيشكل هذا الأمر كارثة. فبدلا من القضاء على الاحترار المناخي، ستساهم الأمازون في تسريعه. ستموت الأشجار الواحدة بعد الأخرى، وستطلق الغابة 123 مليار طن من الكربون في الغلاف الجوي.

وبموجب دراسة تتمتع بالصدقية، ستصل الأمازون إلى نقطة اللارجوع، عندما تزال الأشجار عن 20 إلى 25 في المئة من مساحتها. واليوم، أصبحت 15 في المئة من المساحة من دون أشجار، في مقابل ستة في المئة في 1985. وثمانون إلى تسعون في المئة من هذه المساحة تحولت إلى مراع.

ولدى وصوله إلى الحكم في 2019، أعلن الرئيس جايير بولسونارو المنتمي إلى أقصى اليمين أنه يريد فتح المحميات للزراعة والمناجم. وفي عهده، أزيلت الغابات من قرابة عشرة آلاف متر مربع (ما يقارب مساحة لبنان)، في مقابل 6500 خلال السنوات العشر التي سبقت.

واليوم، عندما يجتاز المرء جنوب شرق الأمازون، لا يرى الكثير من الغابات. إنها منطقة تنتشر فيها قبعات وأحذية رعاة الماشية، ومدن صغيرة مليئة بالغبار وبمحال تبيع معدات زراعية وبكنائس إنجيلية.

وفي الماضي كانت غابة استوائية كثيفة. واستقر جوردان تيمو كارفالو في المنطقة في 1994.

لوتشيانا غاتي: سنصل إلى فيلم رعب بعد تحول الأمازون إلى منتج للكربون

وكانت عملية تحديث البلاد والنمو الاقتصادي توصف بـ”المعجزة البرازيلية”، وكان النظام العسكري (1964 – 1985) ينظر إلى الأمازون على أنها منطقة متخلفة. وتمّ الترويج لـ”خطة الاستيعاب الوطنية” الهادفة لبناء طرق داخل الغابة الاستوائية.

ويتذكر تيمو أنه باع أبقارا في مقابل الذهب لعمال في مناجم ذهب يتضورون جوعا. وخبأ الذهب في جيب على صدره داخل ملابسه ونام مع بندقية ومسدس.

وأزال تيمو الغابات من مساحة تبلغ ثلاثة آلاف هكتار عن طريق اقتلاع الأشجار وإحراق الغابة، كما فعل كثيرون غيره.

وتحولت ساو فيليكس التي كانت تضم مئتي ألف رأس بقر في 1994 إلى عاصمة لحم البقر في البرازيل، مع أكثر من مليوني رأس، أي أكثر من 15 لكل فرد بين السكان.

وتعتبر المنطقة على رأس المناطق البرازيلية على صعيد انبعاثات الغازات السامة، فقد أصدرت أكثر من ثلاثين مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في 2018، بنسبة 65 في المئة أكثر من مدينة ساو باولو.

وتوجد المناطق العشر الأكثر تسجيلا للانبعاثات في البرازيل، في الأمازون. وفي 2019 أثار ارتفاع في نسبة الحرائق في الأمازون استياء دوليا، ما دفع المستثمرين إلى التردد في المضي في استثماراتهم في المنطقة. فمنع بولسونارو الحرائق خلال فصل الجفاف ونشر عسكريين في الأمازون.

إلا أن إزالة الغابات لم تتوقف. كما أن تطبيق القانون صعب جدا في الأمازون. وقد فاقمت من صعوبة الوضع قوانين العفو العام التي أصدرها بولسونارو للذين يدعون ملكية أراض ليست لهم. وهو يريد توسيعها.

ولقطع أشجار الأمازون تأثير على هطول الأمطار في أجزاء واسعة من أميركا اللاتينية، إذ تقلص منسوب “الأنهر الطائرة”، وهي تجمعات المياه التي تدفعها الرياح على شكل بخار تنفثه 390 مليار شجرة.

وتمر البرازيل بأسوأ فترة جفاف منذ قرن في جنوب شرق البلاد وفي الوسط الغربي. وتأثرت البلاد بعواصف رملية قاتلة وبحرائق غابات ضخمة وبارتفاع الأسعار وأزمة طاقة. إلا أن عددا من الخبراء لا يزالون متفائلين.

والحلول موجودة، لكن يجب اعتمادها كلها وسريعا جدا. وبين هذه الحلول، وقف تام لعملية إزالة الغابات، وتعزيز وتكثيف القوانين البيئية وإعادة التشجير في المناطق التي أزيلت منها الأشجار. ومن الحلول أيضا الترويج لزراعة تحترم الغابة مع زراعات مثل الكاكاو والأكاي والجوز.

لكن أحد أفضل الحلول يكمن في توسيع محميات السكان الأصليين، حراس الغابة المتحدين فيها ومعها. ففي البرازيل 700 محمية تشكل نحو ربع مساحة الأمازون.

ويكافح معظم السكان الأصليين البالغ عددهم 900 ألف اليوم لاستعادة أراضيهم المصادرة. ومن بين هؤلاء أليسندرا موندوروكو (37 عاما)، من زعماء قبيلة موندوروكو، التي تقول “بولسونارو يقول إنه يريد التنمية لا أراضي السكان الأصليين. لكن أي تنمية؟ تلك التي تسمم أنهارنا وتقتل غاباتنا وتفقر وتجوّع شعبنا؟".

لكنها تضيف “لا تزال هناك غابات كثيرة. لا يزال لدينا وقت". وتقول غاتي "ليست البرازيل وحدها من تُلام على تدمير الأمازون. فالولايات المتحدة وأوروبا تستوردان الخشب المقطوع بشكل غير قانوني والعالم أجمع يشتري أبقارا من الأمازون ويغذي أبقاره بالصويا المزروعة في الأمازون. يجب أن تحظر الحكومات هذا الاستيراد. توقفوا عن استهلاك منتجات تجر للدمار".

تدخل الإنسان بشكل مكثف ينبئ بسيناريو كارثي

 

6