التعليم حلم بعيد المنال للسودانيين في مصر

يواجه السودانيون في العمر الدراسي أزمة حادة في الالتحاق بالمدارس سواء في بلدهم أو خارجها، ففي مصر وصلت أزمة الحصول على فرصة تعليمية تمنع تصنيفهم في خانة الأمية ذروتها سواء في المؤسسات المجتمعية التي تهتم بتدريس اللاجئين السودانيين نظرا إلى ما تعانيه المدارس المصرية من اكتظاظ وبسبب عراقيل الحصول على الإقامة.
القاهرة - تركت الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع التي دخلت عامها الثاني آثارا وخيمة على الملايين من الطلاب السودانيين الذين أصبحوا بلا مدارس تقريبا، ولم تقتصر المعاناة على ويلات النزوح في الداخل والخارج، بل صدموا بمشكلات أكبر تتعلق بالحصول على فرصة تعليمية تمنع تصنيفهم في خانة الأمية، وهو أمر يعانيه العديد ممن فروا هاربين إلى مصر منذ اندلاع الصراع.
ولم تجد انتصار عمار (اسم مستعار لسيدة سودانية تبلغ من العمر 46 عامًا)، وهي والدة لخمسة أطفال فرصة في مراحل التعليم المختلفة منذ أن قدمت إلى القاهرة في ديسمبر الماضي، ودخلت مصر عبر مسارات غير مشروعة عقب تشديد إجراءات الحصول على تأشيرة، وواجهت عقبات جسيمة دفعتها في نهاية الأمر للإبقاء على أبنائها من دون إلحاقهم بمسارات التعليم التي تناسبهم في مصر.
وقالت في تصريح لـ”العرب” إن عدم اتضاح الرؤية بشأن استقرار الأوضاع في السودان جعلها حريصة وهي تنفق أموالها التي وصلت بها إلى القاهرة، وحينما فكرت في إلحاقهم بمدارس حكومية في مصر وجدت مأزقا يتمثل في عدم حصولها على إقامة قانونية بحيث يمكن قبول أولادها في المدارس التي تكون بلا مصاريف أو بمبالغ زهيدة، وفكرت في إلحاقهم بمدرسة سودانية تابعة للسفارة، لكن وجدتها مملتئة بأعداد كبيرة، وتوجد صعوبة بالغة في الحصول على مقعد دراسي واحد.
واتجهت السيدة السودانية إلى المدارس المجتمعية التي تشكل الوعاء الأكبر للطلاب السودانيين في مصر، لكنها واجهت صعوبات عدة، في مقدمتها المصروفات التي تضاعفت جراء زيادة الإقبال عليها، وغياب الرقابة بسبب عدم تبعيتها للسفارة في القاهرة، إذ يتم ترخيصها من قبل جمعيات أهلية ومنظمات مجتمع مدني مصرية، ولا توجد رقابة عليها من وزارة التعليم في مصر، وشهادتها قد لا يتم الاعتراف بها لأن التعليم متعطل أصلا في السودان، وصولا إلى تردي الأماكن التي يتم فيها تكديس الطلاب بكميات وبلا ضوابط بيئية تحميهم، حال وقوع خطر.
مدارس مجتمعية
حظيت المدارس المجتمعية التي انتشرت في أماكن متفرقة في القاهرة ومدن أخرى بدعم مفوضية اللاجئين في مصر سابقا، ومع تزايد أعدادها واتجاه الكثيرين من السودان ومصر للتجارة في أزمة التعليم المتفاقمة لم تعد تولي اهتمامًا بها، بعد أن تميزت بقدرتها على تقديم محتوى تعليمي جيد لدعمها من منظمات عالمية، بينها منظمة الهجرة الدولية وهيئة الإغاثة الكاثوليكية لتقديم خدمات تعليمية للطلاب اللاجئين.
وحسب منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسف) يوجد نحو 19 مليون طفل في السودان خارج المدارس، وهي إحصائية أعلنت بعد ستة أشهر من بدء الصراع المسلح، محذرة من “كارثة لجيل بأكمله”.
وأكدت ميسون عبدالرازق، وهي صاحبة مدرسة مجتمعية تدرّس المنهج السوداني في مصر، أن مؤسستها عبارة عن بناية مكونة من ثلاثة طوابق يتوزع عليها الطلاب داخل عشرة فصول تعليمية، والفصل عبارة عن غرفة مجهزة بمقاعد وسبورة للشرح وتستعين بعدد من المعلمين الذين كونّوا منذ سنوات رابطة معلمي السودان في مصر، وتحصل على المناهج من خلال ذاكرة رقمية، وتقوم بطباعة الكتب للطلاب لتدريسها، لافتة إلى أن الإقبال تضاعف منذ اندلاع الحرب.
أعداد كبيرة من السودانيين في مصر تبحث عن أماكن تقدم لهم خدمة تعليمية قبل أن يجدوا أنفسهم يعانون الأمية
وتأسست رابطة المعلمين السودانيين بمصر عام 2015 بهدف حل المشكلات بين المعلمين والعاملين في المراكز المجتمعية وأصحابها، لأن المعلمين السودانيين لا يعملون في مصر بموجب عقود عمل رسمية، وكان لهذه الرابطة دور في المساعدة لحل مشاكل المعلمين، وبعد ذلك تشكلت رسمياً ولديها شراكات عديدة.
وأشارت ميسون في تصريحها إلى أن الفصل الواحد كان يضم عشرة طلاب فقط، والآن يستوعب نحو 30 طالبا، وهناك قوائم انتظار وأعداد كبيرة تبحث عن أماكن تقدم لهم خدمة تعليمية قبل أن يجدوا أنفسهم يعانون الأمية التعليمية.
وتقدم المدارس المجتمعية شهادات دراسية للطلاب، وهناك أمل للاعتراف بها من جانب وزارة التعليم السودانية بعد انتهاء الحرب، حيث يجد الطلاب أنفسهم في حاجة إلى التواجد في هذه المدارس بعد أن مضى عامان دراسيان في ظل الحرب.
وأكدت ميسون أن المدرسة التي أسستها تحصل على منحة مقدمة من إحدى المنظمات الدولية العاملة في مجال رعاية اللاجئين، ولذلك مصروفاتها المالية زهيدة للغاية ولا تتجاوز ألف جنيه مصري للطالب الواحد سنويًا (الدولار يساوي 47 جنيهًا)، ما أدى إلى زيادة الإقبال عليها.
ويعاني الطلاب السودانيون تكلفة مصروفات الكثير من المدارس المجتمعية التي انتشرت بكثافة في مصر عقب اندلاع الحرب، ما يشكل مأزقا جديدا للأسر التي نزحت دون أن تملك القدرة على تحمل تكاليف تعليم أبنائها.
عملية تعليمية منقوصة

قالت المتحدثة الرسمية باسم مفوضية شؤون اللاجئين في مصر كريستين بشاي في تصريحات إعلامية إن الوافدين ممن تتراوح أعمارهم بين 3 و17 سنة يشكلون 33.5 في المئة من إجمالي اللاجئين بمصر، وهم في حاجة ماسة إلى خدمات تعليمية مناسبة.
وتقدر المفوضية أعداد اللاجئين في مصر بـ570 ألف لاجئ بينهم 300 ألف سوداني، ووفق تقديرات رسمية مصرية، يتعدى عدد اللاجئين والأجانب المقيمين في مصر تسعة ملايين أجنبي، من نحو 133 دولة، وتشير التقديرات إلى أن مصر تستضيف ما يقرب من 5 ملايين سوداني، أغلبهم تواجدوا في البلاد قبل اندلاع الحرب.
وذكر محمد ختمي، وهو أحد الباحثين في الشؤون التعليمية بالسودان ويقيم حاليا في القاهرة، أن توقف العملية الدراسية في السودان من أكبر المشاكل التي تواجه الطلاب الذين لجأوا إلى مصر، ومن الصعوبة اعتماد الشهادات التي حصل عليها الطلاب من المدارس المجتمعية العام الماضي، وهي أشبه بـ”كورسات” تضمن ارتباط الطلاب بالدراسة، ويخلق غياب رقابة السفارة السودانية على هذه المدارس التي انتشرت شكوكا في الشهادات التي سلمتها تلك المدارس للطلاب.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الإقبال الكبير على المدارس المجتمعية مع غياب الرقابة عليها دفع كل مدرسة لتحديد مصروفاتها وفقًا لضوابطها، وغابت عنها مواصفات المؤسسة التعليمية، وقد يلجأ البعض لتأجير عدة غرف في بناية ووضع لافتة تقول إنها مدرسة سودانية، ولا توجد تراخيص معتمدة من وزارة التعليم في مصر أو السفارة السودانية بها، باستثناء مدارس عملت بالسودان وحصلت بالفعل على تراخيص من وزارة التعليم السودانية، وتعمل تحت مظلة السفارة في القاهرة.
المدارس السودانية في مصر تواجه تحديات عدة أبرزها امتحانات الشهادات النهائية خاصة الثانوية العامة (البكالوريا)
ويتطلب الالتحاق بالمدارس المصرية الحصول على إقامة، وهناك الكثير من السودانيين لا يعرفون الإجراءات التي يجب اتباعها للالتحاق بالتعليم المصري الذي يعد بديلاً مناسبًا مع توقف الدراسة في السودان.
كما أن المدارس الدولية في مصر التي تتيح قبول الطلاب من جميع الجنسيات لا يقدر على مصروفاتها الكثير من السودانيين الفارين من ويلات الحرب، ولذلك فهي غير مناسبة لما يقرب من 90 في المئة ممن لجأوا إلى مصر، ويبقى الخيار المتاح هو البحث عن مدارس مجتمعية تدرّس مناهج جنوب السودان ويفضلها السودانيون لانتظام الدراسة.
تواجه المدارس السودانية في مصر تحديات عدة، أبرزها امتحانات الشهادات النهائية خاصة الثانوية العامة (البكالوريا)، وفي ظل استمرار توقف الدراسة لا مجال لعقد امتحانات هذا العام للطلاب داخل السودان أو خارجه بعد تعثرها العام الماضي.
واعتبرت الحقوقية نفيسة حجر، وهي مقيمة في القاهرة، أن السودانيين الذين جاؤوا إلى مصر يعانون من أوضاع اقتصادية سيئة، ورغم التوسع في افتتاح مدارس مجتمعية لكن أسعارها مرتفعة، وتوجد مغالاة في بعض المراكز التي تحدد مصروفات تصل إلى 30 ألف جنيه مصري في السنة الواحدة، في حين أن الكثير من الأسر لديها خمسة أبناء أو ستة ولن تتمكن من توفير فرص تعليمية لجميع الأبناء، كما أن اختيار طفل دون غيره يسبب مشاكل نفسية داخل الأسرة، فيركن غالبيتها إلى أن يظل الأبناء معها ويصبحون خارج إطار التعليم، للعام الثاني على التوالي.
وشددت الحقوقية حجر على أن نظام القبول في المدارس المصرية معقد للغاية، ومعظم المواطنين وصلوا إلى مصر بطرق غير شرعية ولا يحق لهم الحصول على فرصة في نظام التعليم المصري، ومفوضية اللاجئين التي من المفترض أن تسهل تقنين أوضاعهم من خلال منحهم ما يمسى بـ”كارت اللجوء الأصفر” الذي يمهد للحصول على إقامة لا تقوم بدورها بسبب الضغط الهائل عليها، إضافة إلى البيروقراطية.
وأكدت أن المفوضية تلعب دورا سلبيا لأن الكثير من الأسر التي تتقدم بطلبات للحصول على كارت الإقامة تحدد لهم مواعيد بعيدة للحصول عليه، تصل إلى ستة أشهر أو أكثر، وبالتالي سيكون الطلاب قد فوّتوا عاما دراسيا جديدا.
المدارس المصرية
يواجه الطلاب الذين التحقوا بمدارس مصرية مشكلة بسبب الكثافة المرتفعة في المدارس الحكومية، ولم يمنح اندلاع الحرب القاهرة فرصة لاستقبال أعداد هائلة.
وتمكن العديد من اللاجئين السوريين واليمينيين والفلسطينيين من تجاوز صعوبات التعليم في مصر بفعل قلة أعدادهم مقارنة بالسودانيين، وانتظام العملية التعليمية في بلدانهم، والحصول بسهولة على كروت اللجوء التي تمهد لنيل الإقامة، ومدارسهم المجتمعية معترف بها في دولهم، ما يفرض على السفارة السودانية بالقاهرة السعي للمزيد من التنسيق مع الجهات الرسمية في مصر لإيجاد آلية لتقنين عمل هذه المراكز.
وكشف مصدر مصري بوزارة التعليم المصرية لـ”العرب” أن القاهرة تبحث في الوقت الحالي عن آليات لتقنين عمل المدارس المجتمعية السودانية التي وصل عددها إلى نحو 300 مدرسة بلا رقابة عليها، وأن الاتجاه يميل لإغلاقها أو البحث عن سبل لتعمل بشكل قانوني، فالوضع الحالي من الصعوبة استمراره بهذه الطريقة.
وأكد المصدر ذاته أن الطلاب السودانيين يمكنهم التقدم للمدارس الحكومية أو الخاصة التي تقع في نطاق إقامتهم، شريطة تمتعهم بأيّ نوع من أنواع الإقامة الرسمية في مصر، وأرسلت وزارة التعليم تعليمات للمديريات التعليمية لتسهيل عملية قبولهم.