التضامن سلاح اللبنانيين لمواجهة الأعباء المعيشية

خيام للطعام وأخرى للملابس وجمع التبرعات بات ملاذ المحتاجين في ساحات التظاهر.
السبت 2019/12/28
نفس المطالب والحاجيات أيضا

وحّد التظاهر اللبنانيين ليس فقط في التجمع ورفع الشعارات وترديد نفس المطالب بل كشف عن وجه آخر للتآزر الاجتماعي بين مختلف الفئات الاجتماعية في مختلف المدن اللبنانية. وانتشرت المبادرات الإنسانية وتنوعت الخيام التي لعبت دور المؤسسات التي تدير العمل الإنساني والتطوعي لمساعدة المحتاجين الذين تضررت لقمة عيشهم بسبب الأزمة الاقتصادية في لبنان.

صيدا (لبنان)  – تحولت خيم الاعتصام ضد الطبقة السياسية في مدينة صيدا إلى مطاعم ومتاجر وعيادات تقدم خدماتها بالمجان لكل من يحتاج المساعدة، مبرزة مثل غيرها من المناطق اللبنانية تصميما لدى المتظاهرين على تقديم نموذج للتضامن ولمقومات الصمود في بلد يعاني من انهيار اقتصادي يهدد المواطنين في لقمة عيشهم.

تحت شعار “ممنوع حدا يكون جوعان”، أقام متظاهرون يرابضون في ساحة إيليا في صيدا الجنوبية منذ أكثر من شهرين، مطبخا جاهزا يحضّرون فيه وجبات للفقراء بحسب ما يتوفر لديهم من خضار وخبز وفاكهة وغيرها من المواد الغذائية.

ويقول أحد منظمي المطبخ وائل قصب “يتبرّع أصدقاء بالمواد الغذائية وتتطوع نساء للطبخ”، مضيفا “هدفنا خلق حالة من التكافل الاجتماعي بين شرائح المجتمع”.

وبعد سنوات من النمو المتباطئ في ظلّ عجز السلطات عن إجراء إصلاحات بنيوية، يزداد الوضع المعيشي تأزما في لبنان الذي يشهد اليوم أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية (1975 – 1990).

وإزاء الانهيار الاقتصادي المتسارع وبالتزامن مع الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في 17 أكتوبر ضد سياسات الدولة الاقتصادية وضد الطبقة الحاكمة المتهمة بالفساد، تكررت المبادرات الإنسانية في مناطق عدة من صيدا وصور جنوبا، إلى بيروت، وطرابلس شمالا ومناطق أخرى.

مساعدات تصل الجميع
مساعدات تصل الجميع

وفي ساحة التظاهر في صيدا التي باتت مقصدا لمواطنين ضاقت بهم سبل العيش، يكفي أن يُبَثّ نداء عبر مكبر للصوت عند منصة الاعتصام المفتوح عن الحاجة إلى متبرع لوحدة دم، حتى يتطوع العشرات. ويمكن للمرضى أيضا أن يتوجهوا إلى ساحة التظاهر لتسجيل أسمائهم لدى أشخاص قائمين على تنظيم المبادرة، يوجهونهم إلى مستوصفات لتلقي العلاج مجانا.

وخُصصت خيمة لتوزيع الثياب المستعملة على المحتاجين أطلق عليها المتظاهرون تسمية “نوفوتيه الثورة”، إلى جانب مطبخ ساحة التظاهر.

وتقول المشرفة على خيمة الملابس المجانية زينب نجم “بدأت الفكرة بعشر قطع ثياب وتحولت إلى ما يشبه المتجر”. وتضيف “تزور نساء فقيرات الخيمة ويبحثن عما يناسبهنّ”، وتؤكد أن أكثر ما يسعدها هو “الأطفال الذين يفرحون حين يجدون بعض اللعب والدمى”.

وفتحت جمعيات أهلية “مطعم الخير” لتوزيع الطعام على الفقراء على مدى خمسة أيام أسبوعيا، على بعد أمتار من ساحة الاعتصام، وتضمنت وجبات الأسبوع الماضي مثلا سلطة وكوسة محشية ويخنة وأرز وفواكه.

ويقول أبوأحمد (83 عاما) الذي يرتاد المطعم يوميا “لا قدرة لي على شراء الطعام أو تحضيره”. ويتابع “لقد شبعت اليوم (…) لكنني أخاف من الأيام المقبلة”.

ومنذ أشهر، تتفاقم أزمة السيولة مع فرض المصارف قيودا مشددة على حركة الأموال بحيث لا تسمح بعض المصارف بسحب أكثر من ألف دولار شهريا.

وباتت العديد من القطاعات تواجه صعوبات في استيراد المواد الأساسية، ولاحظ اللبنانيون انقطاع الكثير من الأدوية وارتفاعا كبيرا في أسعار المواد الغذائية، مقابل تقلّص كبير في مقدرتهم الشرائية.

في ساحة التظاهر يكفي أن يُبَثّ نداء عبر مكبر للصوت عن الحاجة إلى متبرع لوحدة دم، حتى يتطوع العشرات

ويجد الآلاف منهم أنفسهم مهددين بخسارة وظائفهم، فيما يتمّ اقتطاع نسب كبيرة من رواتب أخرى.

وفي بداية الشهر الجاري، دفع تراكم الديون لبنانيا إلى الانتحار بعدما وجد نفسه عاجزا عن تسديدها وتوفير احتياجات أسرته، الأمر الذي أثار أكثر سخط المتظاهرين على السلطة الحاكمة، في وقت حذر فيه البنك الدولي من ارتفاع معدل الفقر (ثلث اللبنانيين) إلى خمسين في المئة.

ونصب متظاهرون أطلقوا على أنفسهم اسم “مجموعة شباب الثورة” الشهر الحالي خيمة أمام مصرف لبنان المركزي في بيروت، تلقوا فيها تبرعات من ثياب وفراش ومواد غذائية لتوزيعها على المحتجين، وبجانب الخيمة، علّقت شعارات جاء فيها “الجوع كافر” و”أنتمي إلى الجياع”.

وتقول الشابة سارة عاصي التي تشارك في المبادرة “تحركنا من باب الواجب الوطني والإنساني لنساعد بعضنا البعض برغم ضعف إمكانياتنا”، مضيفة “جمعنا التبرعات من بعضنا، ومن جيراننا وأهلنا وأصحابنا”.

وأطلقت حملة “مش دافعين” في بيروت، رفضا لدفع الضرائب والرسوم المترتبة على المواطنين، فضلا عن القروض المصرفية بسبب الإجراءات المتشددة التي تفرضها المصارف على سحب الأموال.

وبرزت في طرابلس في شمال لبنان مبادرات إنسانية متعددة، اتخذت من ساحة النور، مقر التظاهر الرئيسي، مقرا لها، ويعاني 26 في المئة من سكان هذه المدينة من فقر مدقع حيث يعيش 57 في المئة عند خط الفقر أو دونه.

الجوع كافر
الجوع كافر

وأُنشئ في إحدى الخيم مطبخ يهدف إلى تحضير 2500 وجبة يوميا لتوزيعها على الفقراء الذين يتهافتون عليها من كل مناطق طرابلس.

 وظهرت مبادرات أخرى في المدينة تهدف إحداها إلى ضمان إبقاء بعض المتاجر المتواضعة مفتوحة وخصوصا في الأحياء الفقيرة.

وبادرت سارة الشريف (34 عاما) بجمع تبرعات بقيمة سبعة ملايين ليرة اشترت بها مواد أساسية من 30 دكانا صغيرا بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة من أجل مساعدتها على الاستمرار. وتقول الشريف “بلغ عدد الإعانات 134، وتضم عددا كبيرا من المواد الغذائية مثل الأرز والسكر والعدس والفول والزيوت والطحينة وغيرها”.

واستفاد جمال صقر (50 عاما) من المبادرة بعدما كان محله مهددا بالإغلاق في منطقة باب التبانة، حيث يجلس بوجهه الشاحب المليء بالتجاعيد على كرسي بلاستيكي في دكانه، مكتّف اليدين بانتظار الزبائن وخصوصا الأطفال الذين عادة ما يتهافتون على شراء قطع سكاكر لا يتخطى سعرها 250 ليرة لبنانية.

وفي الوقت الذي يتوجب عليه فيه أن يدفع إيجار محله 200 دولار ومنزله 300 دولار، لا تتجاوز أرباحه جراء الأزمة 13 دولارا يوميا.

ويقول الوالد لثلاثة أطفال، “أنقذتني هذه المبادرة مرحليا في وقت حساس كنتُ فيه على شفير إغلاق الدكان”.

17