التخلّص من الهوية الفلسطينيّة… بالعنصريّة

الجيل الجديد من الفلسطينيين لا يحتاج إلى هؤلاء المتاجرين بقضيته. حصل تغيير لدى الجيل الشاب الفلسطيني وهو جيل لن يقبل باستمرار الاحتلال إلى ما لا نهاية.
الاثنين 2023/03/06
هوية يستحيل التخلص منها بالعنصرية

يعبّر التصرّف الإسرائيلي تجاه الضفة الغربية منذ سنوات طويلة عن سياسة تقوم على فكرة أنّ الضفّة أرض متنازع عليها وليست أرضا محتلة في العام 1967 يجب أن تعود إلى أهلها، تماما كما عادت سيناء إلى مصر.

بالنسبة إلى إسرائيل، لا ينطبق القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في تشرين الثاني – نوفمبر 1967 على الضفّة الغربيّة. تتسلّح إسرائيل بأنّ الضفة الغربية والقدس الشرقيّة كانتا تحت السيادة الأردنيّة قبل حرب حزيران – يونيو 1967 وأنّه إذا كان من مفاوضات في شأن مستقبلهما، فإنّ هذه المفاوضات تكون مع الأردن. لا أساس لمثل هذا الادعاء نظرا إلى أنّ إسرائيل نفسها رفضت دائما أيّ تفاوض مع الأردن، إن في ما يتعلّق بالقدس أو في ما يتعلّق بالضفّة الغربيّة. رفضت مثلا، مطلع سبعينات القرن الماضي، أيّ طرح يستهدف التوصل إلى فك ارتباط في الضفة الغربيّة بدءا بأريحا، على غرار ما حصل في سيناء مرّتين أو في الجولان لمرّة واحدة.

الواقع، أن إسرائيل رفضت دائما فكرة التفاوض مع الأردن في أيّ مرحلة من المراحل بعد احتلالها الضفّة الغربيّة. كان الأردن مستعدا للتفاوض في شأن حلّ مرحلي يؤدي إلى إنهاء احتلال الضفة الغربيّة والقدس الشرقيّة إلى أن جاء قرار القمة العربيّة في الرباط التي انعقدت في العام 1974. قضى القرار بإعلان “منظمة التحرير الفلسطينيّة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”. بعد هذا القرار، لن يعد الأردن في وضع يسمح له بالتفاوض في شأن مستقبل الضفّة. لكن المقدسات المسيحيّة والإسلامية في القدس بقيت في عهدة الهاشميين بموافقة إسرائيليّة، نتيجة إصرار أردني في سياق التفاوض في شأن اتفاق السلام الأردني – الإسرائيلي الذي وقع في تشرين الأوّل – أكتوبر 1994.

◙ الشرق الأوسط تغيّر بعدما صار العراق ابتداء من العام 2003 همّا عربيا أكبر من همّ فلسطين، إثر تسليم إدارة بوش الابن هذا البلد المهمّ إلى إيران. لم تعد القضيّة الفلسطينيّة في الواجهة

لم يكن قرار اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني قرارا صائبا مئة في المئة. اتخذ القرار بضغط فلسطيني في ظلّ رغبات عربيّة بالانتقام من الأردن. كان يعبّر عن هذه الرغبات زعماء ضيّقو الأفق من طينة الرئيس الجزائري هواري بومدين الذي كان يكنّ عداء لا مبرّر له للملك الحسين بسبب أحداث أيلول – سبتمبر 1970 في الأردن. لم يدرك بومدين أن تلك الأحداث، التي انتهت بخروج المقاتلين الفلسطينيين من الأردن إلى لبنان، أنقذت العرش الأردني وأنقذت الفلسطينيين في الوقت ذاته. أنقذت قادة الفصائل الفلسطينية من أنفسهم كونها وضعت حدّا لفكرة الوطن البديل للفلسطينيين الذي كانت تتطلع إليه اسرائيل. حافظ الأردن على المشروع الوطني الفلسطيني بدل أن يتحول إلى أرض محروقة وساحة لفصائل فلسطينية كانت تقول إن طريق القدس يمرّ بعمان ثمّ راحت تقول إنّه يمرّ ببيروت!

قبل وصول وضع الضفّة إلى ما وصل إليه حاليا، استفادت إسرائيل إلى أبعد حدود من خسارة الجانب العربي الحجة القانونيّة التي كان يستطيع الاستناد عليها من أجل استرجاع السيادة الأردنيّة، أي العربيّة، على القدس الشرقيّة والضفّة الغربيّة.

هذا الماضي مضى. لا بدّ من التعاطي مع الحاضر ومع ما تقوم به حكومة إسرائيلية عنصريّة على رأسها بنيامين نتنياهو. لم يعد وزير المال في هذه الحكومة بتسلئيل سموتريتش يتردّد في الدعوة إلى “محو” بلدة حوّارة الفلسطينية القريبة من نابلس. قضت إسرائيل عمليا على حل الدولتين، كما قال القيادي الفلسطيني محمد دحلان في حديث مع الزميلة جيزيل خوري في “سكاي نيوز”. كان دحلان على حقّ عندما طرح في سياق الحديث خيار الدولة الواحدة الذي ترفضه إسرائيل التي لا تعرف بالفعل ما الذي تريده باستثناء تكريس الاحتلال إلى ما لا نهاية. مثل هذا الخيار الإسرائيلي مستحيل لسبب في غاية البساطة. يعود هذا السبب إلى أنّ ليس في الإمكان تجاهل وجود بين سبعة وثمانية ملايين فلسطيني بين البحر المتوسط ونهر الأردن.

على الرغم من كلّ الأخطاء التي ارتكبتها القيادات الفلسطينية، أكان ذلك في الأردن أو لبنان أو داخل فلسطين. وعلى الرغم من حال الفراغ التي تعاني منها، حاليا، الضفة الغربيّة حيث لا وظيفة للسلطة الوطنيّة، التي تتهرّب من أيّ انتخابات، سوى وظيفة تنفيذ المطلوب منها إسرائيليا… وفيما لا وظيفة لـ”حماس” سوى تشويه صورة الفلسطيني في العالم، تبقى حقيقة واحدة.

◙ إسرائيل تتسلّح بأنّ الضفة الغربية والقدس الشرقيّة كانتا تحت السيادة الأردنيّة قبل حرب حزيران – يونيو 1967 وأنّه إذا كان من مفاوضات في شأن مستقبلهما، فإنّ هذه المفاوضات تكون مع الأردن

تتمثل هذه الحقيقة في العجز الإسرائيلي عن التكيف مع ما يدور على أرض فلسطين. لا وجود لأيّ رؤية إسرائيلية لكيفية العيش مع الشعب الفلسطيني، بل لا وجود لحكومة قادرة على مواجهة التحديات الإقليمية… بما في ذلك التحدي الإيراني الذي ترمز إليه الصواريخ والمسيّرات. كلّ ما في الأمر أنّ بنيامين نتنياهو يريد إنقاذ مستقبله السياسي بأيّ ثمن كان. سيقضي على السلطة القضائية في إسرائيل وسيقضي على أيّ فرصة تسمح بتحولات على الصعيد الإقليمي تسمح بوجود سلام واستقرار وتعاون بين دول المنطقة.

تغيّر الشرق الأوسط بعدما صار العراق ابتداء من العام 2003 همّا عربيا أكبر من همّ فلسطين، إثر تسليم إدارة بوش الابن هذا البلد المهمّ إلى إيران. لم تعد القضيّة الفلسطينيّة في الواجهة. هناك عرب يتاجرون بفلسطين لتغطية عمالتهم لإيران، خصوصا أولئك الذين ينادون بشعار “البوصلة فلسطين”. لا يحتاج الجيل الجديد من الفلسطينيين إلى هؤلاء المتاجرين بقضيتهم. حصل تغيير لدى الجيل الشاب الفلسطيني، وهو جيل لن يقبل باستمرار الاحتلال إلى ما لا نهاية.

 لا بدّ من الاعتراف بوجود هوة بين السلطة الوطنية و”حماس” من جهة والجيل الشاب الفلسطيني من جهة أخرى. لكنّ لا مفرّ من الاعتراف، في الوقت ذاته، بأنّ إسرائيل لم تعد إسرائيل عندما يكون رئيس الحكومة فيها في حاجة إلى تفادي العدالة بدل المثول أمامها!

إسرائيل لم تعد إسرائيل بعدما تبيّن أن اعتبار الضفّة الغربيّة أرضا متنازعا عليها مجرّد شعار استخدم لتمرير مرحلة معيّنة تجاوزتها الأحداث وتجاوزتها خصوصا حقيقة وجود شعب فلسطيني يمتلك هوية وطنيّة خاصة به، هوية يستحيل التخلص منها بالعنصرية!

8