التحية والسلام بالقلوب الحمراء والأكف الزرقاء

تبدأ يومك بإحصائيات طريفة ومنها مثلا، بماذا يمكن أن يبدأ الناس يومهم أو ماذا يفعلون بعد الاستيقاظ من النوم؟
وتظهر النتائج أن الغالبية يبدأون يومهم بالنظر في هواتفهم النقّالة وفي صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وهنا سوف يجدون كثيرا مما هو سار ومبهج في انتظارهم، من يريد أن يقول لهم صباح الخير مثلا سوف يستبدل الكلمتين اللتين يفترض أن تكونا مصحوبتين بتمني يوم جميل بأيقونة رقمية افتراضية في شكل باقة من الزهور.
وأما مع امتداد يومك الجميل فسوف تجد ما هو أكثر من ذلك، أصدقاء يمرّ بعضهم بظرف عصيب كوفاة قريب أو مرضه وبعضهم يعيش أوقاتا جميلة كالحصول على جائزة أو صدور كتاب أو عقد قران أو قضاء إجازة أو الحصول على شهادة، ومن منطلق حُسن النيّة والمودّة الخالصة سوف تكتب بضع كلمات مفعمة بمشاعر المشاركة وفيها كثير من الصدق والموقف الإنساني، لكن لا تفاجَأ أن المقابل لن يكترث لكل تلك المشاعر الموضوعة في ميزان بشري بل سينقلها إلى ميزان رقمي وآلي وسوف يتعامل معك لا على أساس أنك بشري بل آلي وروبوتي ولهذا سوف يرسل إليك إحدى اثنتين إما كفا زرقاء ترفع سبابة (لايك) أو قلبا أحمر وأحيانا تخرج منه قلوب حمراء تطير في فضاء الصفحة.
لا تنتظر من صديقك أو صديقتك ما هو أكثر من ذلك، فهم متحكمون بأصبع يطلق الأيقونات وحيث تكون قد دخلت في المنطقة الخطأ إذ ليس هنالك تفاعل مع الآية الكريمة التي هي مليئة بالحكمة والمشاعر الإنسانية (وإذا حييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها).
هنا لا تردّوا على التحية إلا بقلب أحمر أو إصبع إبهام وكف زرقاء لكي تتوقف أيها البشري عن سيرتك الأولى وتبدأ من الآن تعيش على افتراض أن البشر من حولك لم يعد لديهم من المزاج والوقت أن يتفاعلوا معك إنسانيا بل رقميّا، فلا تزعل ولا تنزعج إن تهاطلت عليك القلوب الحمراء والأكف الزرقاء.
في ما مضى كانت إثارة قضية مهمة في وسائل التواصل الاجتماعي مثلا تجدها في تقديرك جديرة أن تعلق عليها فتكتب بضعة سطور تعتقد أنها مهمة وهي بمثابة إضافة أو تصحيح لما كتبه صاحبك، لكنّه سوف يفعلها أيضا فيقصفك إما بقلب أحمر أو كف زرقاء لكي تتأكد أن العدوى متفشية وأن الأمر لا يقتصر على بضعة أشخاص بل تحول إلى ظاهرة عامة.
في المقابل قرأت قبل أيام خبرا في صفحة كاتب مرموق ولديه العديد من الروايات وحصد العديد من الجوائز وعلّق على الخبر العشرات، لكن الكاتب لم يكتف بإرسال قلب أحمر أو كف زرقاء قط، بل ردّ على كل أحد بمزيد من الود بكلمتين أو ثلاث، علما أن شخصا كهذا ليس عنده وقت لأنك لو تسللت إلى مكتبه لوجدت أمامك أكثر من مشروع رواية يشتغل عليها ليل نهار.
لك الخيار في صباحك الجميل، فإما الرضا بالقلوب الحمراء الوهمية الافتراضية أو السكوت على ما يجري حولك دون تعليق منك ولا تهنئة بشرية وبذلك سيزعل منك كثيرون، فما الحل؟