التحولات السياسية في عُمان ودورها في تعزيز النفوذ الإيراني

في السنوات الأخيرة، شهدت منطقة الشرق الأوسط تحولات جيوسياسية معقدة أثرت بشكل كبير على العلاقات بين الدول والتوازنات الإقليمية. من بين هذه التحولات، سعي إيران إلى تشكيل تحالفات واسعة لتعزيز أمنها الداخلي وتوسيع نفوذها السياسي الخارجي، إلى جانب نشر المذهب الشيعي. في هذا السياق، تحاول إيران حصار الخليج من خلال خلق نزاعات وبناء تحالفات مع دول مثل قطر وسلطنة عُمان والسودان وتركيا، فضلاً عن السيطرة على الموانئ الإستراتيجية. وتسعى إيران من خلال هذا التحالف إلى تحجيم الدور الذي تلعبه السعودية والإمارات في مواجهة الإسلام السياسي والتطرف.
وتلعب عُمان دوراً مهماً في هذه الإستراتيجية. حيث سعت، تاريخياً، للحفاظ على سياسة متوازنة في علاقاتها الإقليمية، مما جعل منها حليفاً غير متوقع ولكنه ذو قيمة. وقامت السلطنة بدور حاسم في فك الحصار عن إيران عبر ميناء خصب في محافظة مسندم، حيث ساهمت في دعم إيران اقتصادياً من خلال توفير احتياجاتها ونقلها عبر هذا الميناء، مما ساعد على تخفيف أثر العقوبات الغربية المفروضة على إيران.
العلاقة بين عُمان وإيران تعززت أيضاً من خلال التقارب بين المذهبين الإباضي والشيعي. على الرغم من اختلافهما، فإن المصالح الاقتصادية، وخاصة التحكم في مضيق هرمز، ساعدت في تقليص الفجوات الطائفية وفتح مجالات للتعاون. لكن هذا التعاون ليس خالياً من التحديات، خاصةً مع التغيرات السياسية الأخيرة التي طرأت على عُمان وتخليها عن الحياد ودخولها في تحالفات واضحة.
وكانت عمان قد شهدت في الآونة الأخيرة تحولات سياسية كبيرة بسبب تزايد نفوذ الإخوان المسلمين واختراقهم مرافق حساسة عملاً بنصيحة إخوان قطر. ومنذ أن تمكن الإخوان من تحقيق وجود ملموس، بدأت عُمان في التوجه نحو سياسات جديدة تتماشى مع المنهج الإخواني. هذا التغيير لم يكن مجرد تغيير سياسي بل جاء مع توجهات اقتصادية واجتماعية جديدة أيضاً.
◄ إيران تستمر في محاولاتها لتعزيز نفوذها ونشر المذهب الشيعي، إلّا أن التحديات الجديدة التي بدأت تظهر في عُمان ومنطقة الخليج ستلعب دوراً مهماً في تشكيل المشهد الجيوسياسي الإقليمي
سياسة غض الطرف عن نشاط الإخوان في عُمان ربما تثمر عن تحالف سياسي مؤثر، وهي خطوة نحو تأمين الدعم المجتمعي والتغلغل في المجتمع العُماني بطريقة تسمح لهم بتجنب الصدامات المباشرة مع القوى الكبرى. ومن اللافت أن الإخوان في عُمان بدأوا بالعمل كقوة مجتمعية أكثر من كونهم تنظيماً صارماً، وهذا ما ساعدهم في إبعاد أنفسهم عن التنظيم الدولي للإخوان.
الوجود النوعي للشيعة العُمانيين ساعد أيضاً في تعزيز هذا التعاون. ويتميز الشيعة في عُمان بوضع اقتصادي ممتاز، وهم بعيدون عن الصراعات السياسية، مما يسهل عليهم أداء دور القوة الناعمة في المجتمع. هذا الوضع يشكل فرصة لإيران للاستثمار في عُمان وتعزيز تأثيرها من خلال التفاعل مع هذه المجموعة التي تلعب دوراً مهماً في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. ومع استثمار إيران في عُمان، يعتقد المسؤولون الإيرانيون أنهم لن يجدوا صعوبة كبيرة في تحقيق السيطرة على الموانئ وتعزيز نفوذهم في المنطقة.
التطورات السياسية في عُمان أثّرت بشكل كبير على علاقتها بالتنظيم الدولي للإخوان. فقد غاب الإخوان العُمانيون عن الاجتماعات الأخيرة للتنظيم الدولي التي عقدت في تركيا، مما يشير إلى تباعد الإستراتيجيات والتوجهات بين الإخوان العُمانيين والتنظيم الدولي. هذا التباعد قد يؤثر على التحالفات الإقليمية ويتيح لإيران فرصة أكبر للاستفادة من الفجوات التي تظهر في الإستراتيجيات الإخوانية.
في هذا الإطار، يسعى التحالف الذي تقوده إيران إلى تقليص تأثير السعودية والإمارات في مواجهة الإسلام السياسي والتطرف. وتعد السعودية والإمارات لاعبين رئيسيين في هذا المجال، حيث قادتا جهوداً إقليمية لمكافحة انتشار التطرف والإسلام السياسي، من خلال تعزيز التحالفات في المنطقة والتأثير على دول مثل عُمان وقطر، وتأمل إيران في تقويض هذه الجهود وتقليص الدور القيادي الذي تلعبه الرياض وأبوظبي.
على الرغم من التحديات، تعتقد إيران أنها لن تواجه صعوبة كبيرة في تحقيق أهدافها المتعلقة بالسيطرة على الموانئ وتعزيز التأثير السياسي في المنطقة. وتعزيز العلاقات مع الشيعة في عُمان واستثمار إيران في المنطقة قد يسهمان في تسهيل تحقيق هذه الأهداف. فالنفوذ الإيراني في عُمان يمكن أن يفتح فرصاً جديدة في إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن السعي الإيراني لحصار الخليج وخلق النزاعات قد يتعقد في ظل التغيرات السياسية، ولكن السيطرة على الموانئ ستبقى ضمن الأهداف التي تعتقد إيران أنها قادرة على تحقيقها بسهولة نسبية في حال نجاح هذا التحالف.
تستمر إيران في محاولاتها لتعزيز نفوذها ونشر المذهب الشيعي، إلّا أن التحديات الجديدة التي بدأت تظهر في عُمان ومنطقة الخليج ستلعب دوراً مهماً في تشكيل المشهد الجيوسياسي الإقليمي.