التحرك التركي بذريعة حزب العمال والآمال المعقودة

بالتزامن مع الاجتياح الذي تقوم به أنقرة في شمال العراق بذريعة ملاحقة حزب العمال الكردستاني برزت العديد من التساؤلات حول الجدوى والهدف من هذه الحملة، ولماذا الآن مع أن الحزب المعارض للنظام التركي موجود هناك منذ عشرات السنين، ولماذا تسعى تركيا إلى إعادة السيطرة على حدودها مع العراق وسوريا على حد سواء في تناقض مع ما تطلقه من تصريحات عن الحوار والتعاون؟
واتسعت العمليات التركية ضد أهداف حزب العمال الكردستاني داخل إقليم كردستان مع نقل القوات البرية من منطقة هكاري التركية لتعزيز وتوسيع القواعد والمواقع الاستيطانية التركية في محيط محافظة دهوك بما يوحي بأن المعركة ليس خاطفة، وأنها ستخلّف الكثير من الدمار وراءها للمناطق العراقية.
ويقول الجيش التركي إنه حقق تقدماً واستولى على عدد من قمم التلال الإستراتيجية، ويؤكد أنه اكتشف شبكة من الأنفاق التي بناها حزب العمال الكردستاني منذ أن بدأت تركيا في نشر الطائرات دون طيار ضده، ما جعل من الصعب على الحزب الحفاظ على وجوده فوق الأرض كما فعل منذ عقود مضت.
وتسعى أنقرة إلى فرض سيطرتها الكاملة على حدودها مع العراق وبالقدر نفسه مع سوريا، حيث تقوم بعمليات عسكرية بصورة متوازية، مع عمليات عسكرية من الجو وعلى نطاق واسع.
سعي أنقرة لمواصلة المباحثات مع بغداد ينسجم مع إستراتيجية تركيا الأوسع المتمثلة في حشد تعاون جيرانها ضد حزب العمال الكردستاني
ويأتي هذا التصعيد في ظل تهديد من الرئيس التركي رجب طيب أٍدوغان في الأشهر الأخيرة بشن هجوم كبير من شأنه تطهير حدود إقليم كردستان من حزب العمال مرة واحدة وإلى الأبد، وهذا ما عده المسؤولون العراقيون تهديداً لأمن البلاد واستقرارها. لكنهم اكتفوا فقط بمجرد الاحتجاج من دون أيّ ضغط ضد أنقرة.
وهوّن مسؤولون عراقيون من أهمية هذه الحملة، وأكدوا أن الجيش التركي لا يستطيع القضاء على حزب العمال الكردستاني بالكامل، وهو أمر حاول الأتراك تحقيقه مراراً وتكراراً في الماضي وفشلوا في عزل المسلحين والضغط عليهم في معاقلهم الإستراتيجية في سنجار والشرق الأقصى في كركوك وقنديل على الحدود الإيرانية.
كما فشل الجيش التركي في زرع الثقة العامة التي من شأنها أن تسمح للحكومة باستئناف محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني بعد أن تم تعليقها في عام 2015 .
وتأتي هذه العمليات العسكرية التركية وسط تكهنات في محاولة أردوغان العمل على إعادة مراجعة الدستور، والذي يسعى إلى الالتفاف على القواعد التي تمنعه من الترشح لولاية ثالثة عندما تنتهي الولاية الحالية في عام 2028.
وسعت أنقرة إلى التقارب مع العراق ضد حزب العمال الكردستاني من خلال زيارة أردوغان إلى بغداد في أبريل من العام الجاري والتي تعد الأولى له منذ عام 2011 وتم خلالها إجراء مباحثات رسمية حول الملف الأمني، وأسفرت عن تعهدات تركية للجانب العراقي وعقد اتفاقات في مختلف المجالات ومن ضمنها المياه لعشر سنوات قادمة. لكن لا يعرف مدى جدية أنقرة في ذلك.
وتعهدت أنقرة بالتعاون مع العراق في مشروع طريق التنمية، وهو أمر بالغ الأهمية، على الرغم من معارضة عدد من دول المنطقة له والتي ترى أنه قد يسبب تراجعا اقتصاديا لديها، كما هو الشعور لدى الأكراد الذين يعتقدون بأن طريق التنمية سيكون على حساب الإقليم مما يجعل معبر إبراهيم الخليل مع تركيا غير ذي أهمية تذكر.
وسعي أنقرة لمواصلة المباحثات مع بغداد ينسجم مع إستراتيجية تركيا الأوسع المتمثلة في حشد تعاون جيرانها ضد حزب العمال الكردستاني، وهذا ما يفسر جزء كبيراً من سياسة أردوغان الدراماتيكية في التعامل مع العراق، وتقربه من بغداد وإنهاء الملفات العالقة بينهما.