التحديات الأمنية في المنطقة تعزز تقارب المغرب وموريتانيا

تعكس الزيارة التي قام بها قائد أركان الجيش الموريتاني المختار بول شعبان إلى الرباط مدى التقارب الأمني والعسكري بين المغرب وموريتانيا وهو تعاون عززته التحديات التي تواجهها المنطقة. ومن المرجح أن يفتح أفق تعاون أخرى في مجالات مثل الاقتصاد والصحة والتعليم وغيرها خاصة وأن البلدين تجمعهما اتفاقيات ومذكرات تفاهم ستسرع من وتيرة هذا التقارب.
الرباط – تدفع التحديات الأمنية التي تواجهها المنطقة المغرب وموريتانيا إلى العمل على تكريس المزيد من التقارب وهو ما عكسته زيارة قائد أركان الجيش الموريتاني المختار بول شعبان إلى العاصمة الرباط.
وتصدر دعم التعاون الثنائي بشقيه الأمني والعسكري مباحثات بول شعبان مع المسؤولين المغاربة وذلك بهدف مواجهة التهديدات والتحديات الأمنية وعلى رأسها مكافحة الهجرة غير الشرعية والتهريب.
وتؤطر مذكرة التفاهم المتعلقة بإحداث اللجنة العسكرية المشتركة التي تم توقيعها في المغرب في الحادي والعشرين من يوليو 2006 التعاون العسكري بين البلدين، فيما يشمل التعاون المذكور تبادل الزيارات الاستطلاعية بين القوات المسلحة لكلا البلدين والمشاركة في مختلف التدريبات والدعم التقني والدورات التكوينية.
تعزيز التعاون العسكري
محمد لكريني: المغرب وموريتانيا استوعبا خطورة التحديات الأمنية والعسكرية
وأجرى عبداللطيف لوديي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، مساء الثلاثاء، مباحثات مع بول شعبان، حيث أشاد المسؤولان بجهود البلدين في تعزيز التعاون الإقليمي في غرب البحر الأبيض المتوسط في إطار مبادرة “5+5 دفاع” بمناسبة الرئاسة الموريتانية عام 2021، ورئاسة المغرب العام الحالي.
ويجري تكوين المتدربين الموريتانيين في مراكز التكوين التابعة للقوات المسلحة الملكية منذ عام 1970.
وكانت مذكرة التفاهم الموقعة في الرباط في الحادي والعشرين من يوليو 2006 قد عززت التعاون العسكري المغربي – الموريتاني.
ويتطلع المغرب وموريتانيا إلى تحقيق المزيد من التقارب من خلال التعاون في العديد من المستويات العسكرية والأمنية والاقتصادية وغيرها وهو تعاون كان ضمن مباحثات لوديي وبول شعبان، فضلاً عن ضرورة تعزيز تبادل الخبرات والتجارب بين القوات المسلحة في البلدين بهدف مواجهة التهديدات والتحديات الأمنية، وخاصة مكافحة الهجرة غير الشرعية والتهريب.
وأكد محمد لكريني أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في تصريح لـ “العرب” أن الزيارة التي قام بها قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية إلى المغرب هي بمثابة رسالة تؤكد استيعاب الطرفين لحجم التحديات الأمنية والعسكرية التي تهدد مصالح الطرفين وخطورتها.
وأشار لكريني إلى أن الزيارة تدفع الطرفين إلى فتح آفاق التعاون وتمتين العلاقات البينية، على اعتبار أنه لا مناص من التعاون والتفاهم لبناء منصة قوية تواجه التهديدات الأمنية في المنطقة على غرار تهريب البشر وتجارة المخدرات.
وقال أحمد النحوي رئيس المنتدى المغربي – الموريتاني للصداقة أن العلاقات الموريتانية – المغربية هي علاقات استراتيجية وتاريخية وثقافية وروحية قبل أن تكون اقتصادية وسياسية وعسكرية.
أحمد النحوي: العلاقات المغربية - الموريتانية تشهد تطورا كبيرا
وأضاف النحوي لـ “العرب” أن ”هذه العلاقات شهدت تطورا كبيرا بعد انتخاب الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني وبفضل الرؤية المستنيرة له وللعاهل المغربي الملك محمد السادس وتجلى ذلك في الرسائل المتبادلة بين القيادتين”.
ويُعزز هذه الرؤية إعلان الملك محمد السادس في نوفمبر من العام الماضي خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني استعداده لزيارة نواكشوط، في خطوة اعتبرتها أوساط موريتانية مدخلا لتمتين علاقات التضامن والتعاون الدائم.
واحتضنت الرباط، الثلاثاء، الاجتماع الثالث للجنة العسكرية الثنائية بين المغرب وموريتانيا، لبحث سبل تعزيز التعاون العسكري الثنائي بين البلدين، برئاسة كل من الجنرال دوكور دارمي المفتش العام للقوات المسلحة الملكية المغربية قائد المنطقة الجنوبية، والجنرال دو ديفزيون وقائد أركان الجيش المختار بول شعبان.
وتطرق الاجتماع بشكل أساسي أيضاً إلى مجالات التكوين والتدريب العملياتي، والدعم التقني وتبادل الزيارات والخبرات.
ويقول خبراء في العلاقات الدولية إن المجال العسكري والأمني يعتبر رافعة مهمة لتعزيز العلاقات المغربية – الموريتانية التي شهدت تحركات في الاتجاه الإيجابي، ترجمته المباحثات المعمقة بين مسؤولي البلدين الذين عبّرا عن رغبتهم الكبيرة في تعميق هذه العلاقات وتوسيع آفاقها وتنويع مجالات التعاون في ظل عدم اليقين الذي تخلقه الجماعات الإرهابية وعصابات التهريب، إضافة إلى هشاشة الأمن على مستوى الحدود بين دول منطقة الساحل والصحراء.
وفي إطار تعزيز التقارب بين البلدين عقدت الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة، في مارس الماضي بالعاصمة المغربية، بعد تسع سنوات من التوقف، وترأسها رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش والوزير الأول الموريتاني محمد ولد بلال مسعود، بمشاركة وفود من مختلف القطاعات الوزارية في البلدين، واعتبرها البلدان فرصة مواتية لتوطيد علاقات التعاون لإرساء شراكات مثمرة في العديد من المجالات.
شراكة اقتصادية
يرى مراقبون أن التعاون العسكري والأمني بين نواكشوط والرباط يأتي ترجمة للديناميكية التي تعرفها علاقات التعاون الثنائي في السنوات الأخيرة، وذلك من خلال رفع وتيرة تبادل الزيارات والخبرات والاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية التي تم توقيعها خلال المرحلة السابقة.
وقال لكريني إن “التقارب الأمني والعسكري بين الرباط ونواكشوط يشكل مدخلا مهما للتعاون في مجالات أخرى وتقريب وجهات النظر في ملفات كثيرة، خصوصا في ما يتعلق بقضية الوحدة الترابية المغربية بعدما عرفت في الآونة الأخيرة دعما من قبل مجموعة من الدول التي كانت في فترة سابقة إما تلتزم الحياد أو أنها تؤيد خصوم المغرب”.
أوساط موريتانية تعتقد أن الاتفاقيات الموقعة كفيلة بأن تدفع إلى الأمام الديناميكية التي يريدها الطرفان للتعاون الثنائي
وأوضح لكريني أنه “يمكننا أن نستحضر في هذا الصدد الموقفين الصريحين لألمانيا وإسبانيا في الآونة الأخيرة عندما دعّما مشروع الحكم الذاتي، وهو ما قد ينطبق على موريتانيا لاحقاً بتقاربها هذا وتعاونها لمواجهة مختلف التهديدات الأمنية والعسكرية في المنطقة.
وفي إطار التعاون مع موريتانيا إقليميا أكد المغرب في أكثر من مناسبة على أهمية توفير الدعم المالي واللوجيستي للمنظمات الإقليمية المعنية بمعالجة التهديدات التي تواجه المنطقة، خاصة تجمع دول الساحل والصحراء ومجموعة دول الساحل الخمس.
كما دعا المغرب مراراً إلى أهمية استكمال الإصلاح المؤسساتي للاتحاد الأفريقي وتنمية سياسته في أبعادها التنموية والاقتصادية لتعزيز العلاقات المتوازنة التي تقوم على التعاون والتضامن في مواجهة التحديات.
ووقّع المغرب وموريتانيا في مارس الماضي 13 نصا قانونيا يشمل اتفاقيات ومذكرات تفاهم وبرامج تنفيذية وبرتوكول، في إطار انعقاد الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة المغربية – الموريتانية بالعاصمة الرباط.
وأوضح النحوي أن “المغرب من أكبر شركاء موريتانيا على المستوى الاقتصادي وسنعمل على تطوير هذه العلاقات ولدينا رؤية مستقبلية لتطويرها، خصوصا أن هناك فرصا كبيرة يمكن للبلدين استغلالها في ظل شراكة اقتصادية وعسكرية وأمنية مثالية ستنعكس إيجابا على المنطقة ككل”.
وتعتقد أوساط موريتانية أن اللقاءات بين موريتانيا والمغرب على مستوى عال، إضافة إلى أن الاتفاقيات الموقعة كفيلة بأن تدفع إلى الأمام الديناميكية التي يريدها الطرفان للتعاون الثنائي، خاصة أنها تغطي أغلب مجالات التنمية وتشمل قطاعات الأمن والصحة والصيد البحري والزراعة والتنمية الحيوانية والتجارة والصناعة والسياحة والتكوين المهني والإسكان والتعليم العالي والشؤون الاجتماعية والبيئية.