التحالف الدولي يصطاد قادة "حرّاس الدين" بسوريا لمنع عودة داعش

يسعى التحالف الدولي لقطع الطريق على ترتيبات أمنية بين تنظيمي حراس الدين التابع للقاعدة وداعش من خلال استهداف عناصر من التنظيمين يرى مراقبون أن الهدف منه هو إضعاف داعش والقاعدة وفسح المجال لتقوية نفوذ مجموعات محلية متشددة مثل هيئة تحرير الشام.
عكس استهداف قوات التحالف الدولي لقادة نشطين في تنظيم حرّاس الدين الموالي لتنظيم القاعدة في سوريا تخوفًا من تزايد دور تنظيم داعش، حيث ثبت وجود تنسيق وتعاون ميداني بين التنظيمات المتطرفة على الأرض.
وأعلنت الولايات المتحدة الاثنين عن مقتل أبوحمزة اليمني القيادي البارز بجماعة حرّاس الدين التابعة لتنظيم القاعدة المركزي بغارة جوية في إدلب في شمال غربي سوريا.
وانشق أبوحمزة اليمني عن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) التي يتزعمها أبومحمد الجولاني عام 2016 مع آخرين بعد انفصالها عن تنظيم القاعدة المركزي ليؤسس في فبراير 2018 ما عُرف بتنظيم حرّاس الدين، ويتكون في غالبيته من مقاتلي تنظيم القاعدة الأجانب.
وجاءت عملية تصفية أحد أبرز قادة تنظيم حرّاس الدين ضمن خطة أميركية لإعادة هيكلة المنطقة التي يتمركز بها جهاديون في الشمال السوري وفقًا لحسابات غربية مؤداها التمكين لفصائل متشددة محلية مقابل تقويض فصائل داعش والقاعدة المركزي، والتي تعتنق الجهاد العابر للحدود.
ووطّد تنظيم حرّاس الدين المصنف من قبل واشنطن على قوائم الإرهاب منذ عام 2019 علاقته بداعش في سوريا ليس فقط لتشابه أيديولوجيا التنظيمين واقترابهما في المنهج، بل أيضا لتشارك المصالح التي اقتضت التنسيق وتقوية ودعم كليهما للآخر في مواجهة تحديات وأخطار مشتركة.
هيئة تحرير الشام تكافح لإرضاء أطراف دولية وحث الولايات المتحدة على حذفها من قائمة الإرهاب ومنحها اعترافًا بسلطتها
وكشفت العمليات الأخيرة أن المطلوب تصفيتهم واستهدافهم من الجهاديين هم قادة وعناصر تنظيمين رئيسيين هما داعش وحراس الدين.
لذلك سبق تصفية القيادي بحرّاس الدين أبوحمزة اليمني بأيام قليلة، تحديدًا في منتصف يونيو، إنزال جوي في ريف جرابلس شمالي حلب أسفر عن القبض على هاني الكردي أحد أهم قادة داعش ويُعرف بوالي الرقة والمتمرس في صناعة المتفجرات وقيادة الهجمات على الأرض.
ويهدف التعاون الميداني بين حرّاس الدين الذي يتبع تنظيم القاعدة بقيادة أيمن الظواهري أو ما يسمى بالقاعدة المركزي وداعش لتحقيق توازن في القوى في مواجهة تنظيم أقوى على الأرض من حيث النفوذ والتمركز والتسليح وعدد المقاتلين، وهو هيئة تحرير الشام بزعامة أبومحمد الجولاني.
وتضاعفت عمليات تصفية واغتيال قادة وعناصر نشطة بهيئة تحرير الشام بالتزامن مع تحركات لافتة لعناصر تنظيم داعش الذي لا يحظى هو الآخر مثل حرّاس الدين بقوة كبيرة على الأرض، لكنه يستفيد من المستجدات على الساحة والتعاون مع فصائل جهادية أخرى.
ونتيجة للاستهداف المباشر من قبل هيئة تحرير الشام لقادة وعناصر كل من داعش وحرّاس الدين أو غير المباشر من خلال إبلاغ معلومات عن أماكنهم تسهل تصفيتهم من قبل قوات التحالف، فقدت الهيئة بعض قادتها ومنهم أبوأحمد الشامي بعد استهدافهم من قبل مجموعات مجهولة.
وتشير طبيعة عمليات استهداف قادة هيئة تحرير الشام المتكررة خاصة بعد فشل محاولات الصلح بينها وبين حرّاس الدين إلى مسؤولية مباشرة لحرّاس الدين وداعش عن هذه العمليات.

وهناك تغيير مستمر في خرائط نفوذ الجهاديين في الساحة الجهادية وفقًا للمستجدات على الأرض وتضارب المصالح، فهيئة تحرير الشام تكافح لإرضاء أطراف دولية وحث الولايات المتحدة على حذفها من قائمة الإرهاب ومنحها اعترافًا بسلطتها، ما يجعلها على خط المواجهة مع بقايا القاعدة المركزي وفلول داعش.
في المقابل يكافح تنظيم حرّاس الدين الذي يتكون في مجمله من مقاتلين أجانب وعرب (غير سوريين) للبقاء في الشمال السوري، من خلال التعاون الاضطراري مع المفارز الأمنية لداعش الذي يستفيد من تعاونه مع حرّاس الدين وزيادة حضوره ومعاودة لنشاطه خاصة في شمال شرقي سوريا.
وإذا كان المستهدف في الظاهر هم ناشطو وقادة حراس الدين فالهدف من وراء قنصهم هو إضعاف وإحباط خطط داعش للعودة، وهو الذي لم تتمكن مختلف الأطراف من حسم المواجهة معه رغم تقهقره مؤخرا.
وتتحسب أطراف دولية وإقليمية من أن يتمكن داعش من توظيف العديد من المتغيرات لصالحه في ظل غياب التنسيق الميداني بين روسيا وإيران.
وفتح التنافس المحتدم بين موسكو وطهران على الساحة السورية وصمت الأولى عن استهداف سلاح الجو الإسرائيلي لمواقع عسكرية إيرانية في سوريا ثغرات أمام داعش مكنته من تحريك خلاياه وتنفيذ العديد من العمليات النوعية ضد أهداف متباينة في منطقة دير الزور.
وعلاوة على ذلك فإن توتر العلاقات بين روسيا وإيران اللتين تناوبتا قيادة العمليات ضد داعش في البادية السورية منذ 2020 تزامن مع تدهور آخر بين موسكو وواشنطن على خلفية التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا بما أثر على التنسيق الميداني وتبادل المعلومات على الأرض.
واستفاد داعش من سحب موسكو لألوية مقاتلة متخصصة في مكافحة عناصره في سوريا ونقلها إلى القتال في أوكرانيا، ما مكن التنظيم من معاودة شن هجمات ضد القوات النظامية وقوات قسد وضد قوات روسية.
وبعد فشل تركيا في الحصول على موافقة من الولايات المتحدة وقوى دولية لتنفيذ عمليتها العسكرية في الشمال السوري، تعمدت إضعاف قوات سوريا الديمقراطية بتكثيف القصف على مواقع قسد في شمالي الحسكة وريف حلب الشمالي.
وتُغري الضربات التركية الموجهة لتحصينات قسد ومناطق نفوذها وتمركزاتها الأمنية تنظيم داعش على معاودة الحضور بقوة بمضاعفة نشاطه وتكرار محاولات اقتحام السجون التي تشرف عليها قسد لتهريب قادته ومق اتليه.


وتعكس المداهمات المستمرة التي تنفذها قوات سوريا الديمقراطية ضد منتمين لداعش في قرى واقعة شرقي دير الزور وأخرى في جنوبي الحسكة الوجود النشط لداعش بتلك المناطق.
وتخشى قوات التحالف الدولي من تنفيذ داعش لاقتحام ناجح لأحد السجون بغرض تهريب عناصره بعد فشل الاقتحام الضخم لسجن الصناعة بالحسكة، خاصة مع تزايد وتيرة عمليات التنظيم في مخيم الهول.
ويضاعف من هذه الهواجس التزايد الملحوظ في نشاطات داعش مؤخرا، حيث تمكن التنظيم من شن سلسلة من الهجمات ضد القوات النظامية أوقعت العشرات من الضباط، فضلا عن عملياته ضد قسد والقوات الروسية.
وتؤكد قدرة داعش على التسلل من المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية والتنظيمات الجهادية المدعومة من أنقرة إلى مناطق قسد شمال شرقي سوريا واستهداف مواقع نظامية وروسية وإيرانية، وجود ارتباطات قوية على الأرض مع فصائل جهادية أخرى.
وما يقلق مختلف القوى الآن هو التحالف الميداني النوعي بين داعش وحرّاس الدين، ما مكن الأول من التمركز والاختفاء في البادية السورية الواسعة وشرقي الفرات وغربه وتوفير الحماية لبعض الوقت لقادته مثلما حدث مع عبدالله قرداش في محافظة إدلب البعيدة عن مناطق نفوذ التنظيم.
ويدخل استهداف قادة حرّاس الدين في صميم خطط تقويض داعش وكبح تنقلات عناصره بين سوريا والعراق وتقليل قدرته على امتصاص الضربات وإحباط خططه المتعلقة بالانتقال إلى مستوى أعلى من الحركة والحضور في المنطقة.