التجنيس الرياضي يؤرق الحكومة المصرية خوفا من تأثيراته السلبية

فتح إعلان لاعب الإسكواش المصري محمد الشوربجي لعبه باسم إنجلترا الباب أمام استنكار شعبي واسع لمسألة تجنيس الرياضيين وتأثيراتها السلبية على القطاع في مصر، لكنه كشف أيضا عن ضعف السياسات الحكومية والإمكانيات المرصودة للحدّ من هجرة الكفاءات خاصة، كما ذكّر بموجة الهجرة الكبيرة والمتواصلة للكفاءات الطبية نحو بريطانيا، حتى أن مصر صارت تشكو من قلة الأطباء.
القاهرة- تُلقي ظاهرة التجنيس التي تأخذ في التصاعد عالميا بظلالها على الحكومة المصرية التي أضحت متهمة بالتفريط في كوادرها النابغة، تحديدا في المجال الرياضي، من دون أن تملك القدرة على توفير الإمكانيات والأدوات المناسبة للحفاظ عليهم من الإغراءات الخارجية.
ووجد مسؤولون في الحكومة أنفسهم أمام مأزق صعب، بين الدفاع باعتبار أن ما يحدث من تجنيس نتيجة طبيعية لما تعاني منه الكثير من الدول النامية ذات الإمكانيات المحدودة، وبين الإقرار بوجود تقصير يجعلهم في مواجهة انتقادات شعبية عديدة.
وفتح إعلان لاعب الإسكواش المصري محمد الشوربجي، المصنف الأول عالميا سابقا، عن لعبه باسم إنجلترا ملف تجنيس اللاعبين بعد أن جرت إثارته قبل عام تقريبا في أثناء أولمبياد طوكيو 2020 وسرعان ما جرى إغلاقه دون اتخاذ قرارات يمكن أن تحصن المواهب في ألعاب مختلفة، وبدا هناك إدراك بأن التعامل مع الملف لن يكون ممكنا في ظل توجهات بعض الدول الغنية لاستقطاب الكفاءات.

حامد عزالدين: الشوربجي لا يشكل خسارة كبيرة تستحق الضجة المبالغ فيها
وعقد وزير الشباب والرياضة أشرف صبحي اجتماعا الثلاثاء لمناقشة أبعاد تفضيل لاعب الإسكواش الشوربجي تمثيل إنجلترا على مصر، حيث اتخذت الخطوة أبعادا شعبية بعد تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي معها، بما يحمل إدانة للحكومة المصرية التي بدت مفرطة في كفاءاتها الرياضية والعلمية.
وحصل العديد من الرياضيين والأطباء المصريين السنوات الماضية على جنسيات بلدان أخرى، بما يحرم الدولة من ذخيرتها من الكفاءات المختلفة، لكن حظي ملف التجنيس الرياضي باهتمام واسع وفتح الباب لتساؤلات حول أسبابه، خاصة أن الكثير منهم حققوا نجاحات مع الدول التي منحتهم جنسيتها.
وظهر للعيان أن هؤلاء حصلوا على تقدير يستحقونه ساعدهم على تحقيق المزيد من الإنجازات الرياضية، بينما تسببت أزمات مثل الفساد والمحسوبية ونقص الإمكانيات في إحباط الكثير من أقرانهم في مصر.
وأخذت عملية تجنيس الشوربجي أبعادا متشابكة لأن فقدان إحدى الكفاءات جاء هذه المرة في الرياضة الوحيدة التي تهيمن عليها مصر عالميا ولديها تاريخ كبير على مستوى البطولات الدولية، وهناك ستة من لاعبيها في تصنيف العشر الأوائل في العالم.
وتمكن الشوربجي من المحافظة على صدارة التصنيف العالمي لما يقرب من 50 شهرا بين عامي 2014 و2021، وهو أكثر لاعب مصري تصدر هذا التصنيف، وتمكن من الفوز بنحو 44 بطولة دولية ما يجعله أكثر لاعب مصري تتويجا بالبطولات في تلك اللعبة، بجانب فوزه ببطولة العالم في العام 2017 وفوزه ببطولة بريطانيا المفتوحة ثلاث مرات وبطولة الولايات المتحدة المفتوحة مثلها أيضا.
وصدم بطل الإسكواش العالمي السابق أحمد برادة الرأي العام المصري بإفصاحه في تصريحات إعلامية عن معلومات بشأن اقتراب ستة من اللاعبين الآخرين من التجنيس لصالح منتخبات أجنبية لعدم وجود رعاة لهم في مصر، وأن هناك شرخا كبيرا في لعبة الإسكواش، وطالبه البعض من اللاعبين بإيصال صوتهم لسرعة احتواء الموقف.
وبعث برادة بإشارات تفيد بأن الدولة تفرط في قوتها الناعمة بسهولة وليست لديها خطة واضحة للتعامل مع الأبطال الذين حققوا إنجازات باسمها، وتكتفي بتسليم قلادات التكريم وأن التركيز على التقدير المعنوي لن يكون مجديا في المستقبل.
◙ قضية التجنيس ترتبط بإشكالات متعددة لذلك فدوافع التجنيس الرياضي مختلفة، حسب الحالة والسياق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي
وتقدمت عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري ميرال جلال الهريدي بطلب إحاطة إلى الحكومة المصرية بشأن واقعة التجنيس الأخيرة، وطالبت بالتحقيق في دوافع اللاعب، وضرورة وضع استراتيجية شاملة لإعادة هيكلة القطاع الرياضي، وأوحت أن الواقعة لن تكون الأخيرة في ظل المنظومة الراهنة.
وهاجم اللاعب الشوربجي في تصريحات إعلامية وزارة الشباب والرياضية واتحاد الإسكواش، وذكر أنه “ظل لسنوات طويلة لم يفكر فيه أحد، كان يجب أن يأتي الوقت الذي أفكر فيه بنفسي، كنت أنزعج بشدة عندما أتواجد بمطار القاهرة في كل مرة أحضر فيها إلى مصر وأجدهم يفتخرون بصور لاعبي مصر في المطار، وأنا اللاعب الوحيد الذي لا توجد له صورة”.
وقال الناقد الرياضي أشرف زوف إن المشكلة تنبع من وزارة الرياضة لأنها لم توفر الاهتمام والرعاية بمواهب الألعاب الفردية، وتُقصر في إقامة المعسكرات، ولا تقدم العوائد المالية المقبولة التي تحافظ على الحد الأدنى من احتياجات الرياضيين، ولم تقدم المنح الدراسية والتعليمة وغيرها من الحوافز المجتمعية التي تقدم للمجنسين في الدول الأخرى، وهي إجراءات تظل في حدود إمكانياتها.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة المصرية لم تستفد بالشكل المطلوب من نجوم الإسكواش الذين حققوا نجاحات عالمية كبيرة وجرى التقليل من اللعبة مرات عدة، ولم تحافظ على التطور الملموس وغابت الخطط الداعمة للانتقال من جيل إلى آخر، وتكرر الأمر في رياضة كرة السرعة التي تعد مصرية المنشأ حيث تمكنت مصر من السيطرة على المقدمة في تصنيفها الدولي سنوات طويلة قبل أن تتراجع بشكل كبير مؤخرا لصالح دول مثل الهند وفرنسا.
وأشار إلى أن الجهات المسؤولة عن ملف الرياضة انشغلت عن دعم الألعاب الفردية وغير الشعبية لصالح الانشغال بأزمات مصطنعة في كرة القدم، ولم تتمكن من الحفاظ على النتائج الإيجابية التي حققتها في رياضات عديدة، ولم توفر الدعم المعنوي اللازم للنماذج الناجحة وكانت النتيجة تسرب اللاعبين والحصول على جنسيات دول أخرى.

أشرف زوف: المشكلة في وزارة الرياضة التي لم توفر الاهتمام لمواهب الألعاب الفردية
ونكأ اختيار لاعب الإسكواش المصري إنجلترا للعب باسمها جرحا غائرا بشأن هجرة الكثير من الأطباء المصريين للدولة نفسها السنوات الماضية.
وطالب عاملون في المجال الطبي بإثارة ضجة مشابهة لتلك التي حدثت عقب تجنيس الشوربجي للتعرف على أسباب زيادة معدلات هجرة الأطباء إلى الخارج والالتفات إلى تحسين الأوضاع المتردية في القطاع الصحي.
ووفقا لتقرير صادر عن المجلس الطبي البريطاني، فإن عدد الأطباء المصريين في بريطانيا بلغ 2631 طبيبا عام 2006 وارتفع عام 2017 إلى 4003 طبيب مصري، قبل أن يقفز في سنة 2020 إلى 7210، ما يعني أنه في آخر ثلاث سنوات سافر إلى بريطانيا فقط أطباء من مصر أكثر ممن سافروا في 11 سنة سابقة.
وكشفت بعض التقديرات أن عدد الأطباء المصريين المهاجرين في العامين الأخيرين إلى دول مختلفة تخطى الثمانية آلاف طبيب، في وقت تعاني فيه الدولة من أزمة في الصحة، جلها في عدم وجود كفاءات في المستشفيات الحكومية.
وأكد الإعلامي حامد عزالدين أن الأبعاد الاقتصادية والمادية تتنافى مع حالة تجنيس الشوربجي لأن جوائز مسابقات الإسكواش الأعلى في العالم، ونوعية اللاعبين في تلك الرياضة من أبناء طبقات غنية ماليا ولديهم قدرة على دفع تكاليف تدريبات اللياقة البدنية المرتفعة التي تحتاجها، ومعظم اللاعبين المصريين لديهم تعليم عال وأجنبي وليسوا ممن يعانون كأقرانهم من اللاعبين أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الشوربجي حقق الجزء الأكبر من بطولاته تحت العلم المصري وأمامه عام أو اثنان للاعتزال ولا يشكل خسارة تستحق الضجة المبالغ فيها الآن، وليس هناك غضاضة في أن يكمل مسيرته تحت علم آخر، كما أن هناك الكثير من المصريين الذين برعوا في الخارج وحصلوا على جنسيات أخرى، وفي النهاية عادوا إلى البلد الأم ولم ينفصلوا عنها بشكل نهائي.
ولفت عزالدين إلى أن الداخل يتأثر سلبا بهجرة الأطباء وغيرهم من الكفاءات النابغة لكنهم في النهاية حققوا نجاحات لن يتمكنوا من تحقيقها في الداخل، وهناك عامل إيجابي آخر يتمثل في وجود علماء حققوا إنجازات دولية وحصلوا على جنسيات أخرى، وسيكون من الصعب مجاراة الإمكانات المقدمة لهم، ويجب البحث عن وجود روابط بين هؤلاء ووطنهم الأصلي كي تكون هناك فرصة لعودتهم مجددا.
◙ البيئة العامة تخلق حالة داعمة للتخلي عن الجنسية المصرية، وقد تؤشر على أن خطط رفع الوعي التي تتبناها الحكومة لا تأتي ثمارها
ويرى مراقبون أن البيئة العامة الطاردة للكفاءات جراء ضعف الاهتمام الحكومي وغياب التخطيط السليم للتعامل مع النماذج الناجحة تخلق حالة داعمة للتخلي عن الجنسية المصرية، وقد تأخذ الظاهرة أبعادا سياسية، لأنها تؤشر على أن خطط رفع الوعي التي تتبناها الحكومة لا تأتي ثمارها.
ويشير الأمر إلى أن الحكومة تفتقر إلى المشروع الوطني القادر على جذب هؤلاء، وبرهنت دون أن تدري على رسوبها في اختبار التعامل مع تطورات العولمة.
وترتبط قضية التجنيس بإشكالات متعددة، منها المواطنة والعولمة والتنافس المحمود، وتطويع الرياضة لخدمة الأغراض السياسية والصراع الأيديولوجي والعنصرية والهوية الوطنية والهوية العابرة للحدود، ولذلك فدوافع التجنيس الرياضي مختلفة، حسب الحالة والسياق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.