التأخر الخليجي بتجاهل البحث العلمي

السبت 2015/12/12

التطور العلمي في دول الخليج هو الأساس المنهجي لتطوير المجتمعات ومواكبتها للعصر وتحقيق أهدافها الإنمائية وطموحاتها التنموية، طبيعيا وبشريا، وذلك يتطلب تعزيزا للتعليم العالي وإخراج مناهجه من مآزق التلقين التي عصفت بالتعليم العام. ففي المؤسسات الجامعية نمط تعليم يختلف جذريا عن المدارس، بحيث لا يفترض وجود مساحات للتلقين أو الحفظ وإلا أصبح الأمر مثل النواعير التي تغرف المياه من مكان وتصبها في مكان آخر. التعليم يجب أن يكون عملا عقليا ينظر في قيم ونظريات وفروض ومبادئ أولية تخضع لفكر الطلاب، بما يجعلهم يتحفزون لاكتشاف طاقة الابتكار والإبداع في داخلهم ليعطوا نتائج متقاربة مع الحقيقة.

ذلك للأسف لا يحدث كثيرا في مجتمعاتنا العربية عامة، والخليجية خاصة. ففي مجال البحث العلمي تبدو حصيلتنا متواضعة للغاية لأن تركيز المناهج على الحفظ أكثر من البحث والوصول إلى النتائج العقلية والمنطقية، لا يسمحان بمساحات يتحرك فيها البحث العلمي الذي يتطلب بدوره إنفاقا أكبر لخدمة النشاط البحثي ودعم الباحثين في تجاربهم وحركتهم الميدانية في أي مجال كان.

مجلس الشورى السعودي تبنّى مؤخرا توصية طالبت بزيادة نسبة الإنفاق على البحث العلمي والتطوير المراد تحقيقه إلى 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام1440 – 1441 هـ، وذلك أمر جيد ولكنه لا يزال بعيدا عن الطموحات التي أتوقعها لدى القائمين على التعليم العالي والإستراتيجيين الذين يطمعون في أكثر من ذلك من واقع احتكاكهم المستمر بأكبر المؤسسات البحثية والعلمية على المستوى الدولي، وهم يرون توفير موارد ضخمة لها لأغراضها البحثية وتشجيع الابتكار لدى كل من لديه نزعة علمية أو بحثية، تطبيقية أو نظرية.

واقع البحث العلمي في دول الخليج ليس متناسبا مع حاجتها للتميز العلمي وتوظيف مواردها باتجاه المستقبل لتعتمد على مؤسساتها الوطنية ومواردها البشرية ووضعها في المسارات البحثية المناسبة، ففي دراسة اطلعت عليها وجدت أن البحوث العلمية تتوزع على خمسة ميادين رئيسية وهي: 36 بالمئة للعلوم الطبية، 24 بالمئة للعلوم الزراعية، 22 بالمئة للعلوم الهندسية، 8 بالمئة للاقتصاد والتجارة، وهي قياسا بغيرنا تبدو محدودة، لأن البحث العلمي يشمل حتى مجالات نظرية للأعمال الاستراتيجية في حركة المجتمع وتطوره ونموه المعرفي، ولكن إذا قبلنا بذلك هل تحظى تلك المجالات بدعم وتمويل كافييْن؟ لا أعتقد ذلك بدليل أن البحوث الصادرة عن الجامعات قليلة مقارنة بغيرها من جامعات العالم، وعلى الصعيد العربي إذ أننا الجزء الأكثر موارد فيه. فحجم إنفاق أعلى دولة عربية على البحث العلمي لا يتعدى 0.03 بالمئة من ناتجها القومي، قبل أن نلحقه بتوصية مجلس الشورى السعودي الأخيرة لتصبح المملكة هي الأولى، ولكن ذلك يظل ضئيلا مقارنة بالعالم المتقدم لأن الإنفاق هناك كبير جدا، حيث يتم توفير موارد ذاتية للمؤسسات العلمية، فلماذا لا يشارك القطاع الخاص في رفد الجامعات والمعاهد بميزانيات تخصص للبحث العلمي؟ وإطلاق استثمارات تحظى بدعم الدولة من خلال إعفاءات جمركية لتيسير الدعم للجامعات في البحث العلمي.

بالتأكيد هناك خيارات كثيرة يمكن اتخاذها لتطوير البحث العلمي، ولكن تغيب إرادة العمل العلمي لتصبح مؤسساتنا متواضعة في أنشطتها العلمية، وبذلك من الصعب اللحاق بالركب العلمي، لنظل أيضا متلقين لنتائج أبحاثهم فذلك على ما يبدو غير مكلف ظاهريا، لكنه مكلف حضاريا.

كاتبة سعودية

9