البطالة في فلسطين أزمة بأبعاد سياسية

أزمة البطالة في فلسطين ليست كمثلها في الدول العربية الأخرى، فهي مشكلة لها بعد سياسي وملف يساوم عليه الاحتلال الذي يتفنن في حصاره الاقتصادي.
الخميس 2022/05/12
الوضع يزداد سوءا في القطاع

لم تترك البطالة في فلسطين بيتا إلا ودخلته، ولم تعد الشهادات العليا كافية للحصول على وظيفة في الاختصاص، لتعمق من جراح شبابنا الذين يحلمون بتذكرة سفر من غير عودة بعد أن سدت كل الأبواب في وجوه 372 ألف شاب وشابة عاطلين عن العمل في الضفة والقطاع، وهو رقم مرتفع قياسا بالعدد الإجمالي للسكان في الداخل الفلسطيني.

إذا كنت فلسطينياً أمامك حلّان لا ثالث لهما: إما اللجوء إلى عالم البسطات والتجارة الحرة الموازية، أو التقدم للحصول على تصريح عمل في دولة الاحتلال، ولربما كان الحل الثاني الأفضل لأن عائده المالي أعلى نظرا إلى ارتفاع رواتب العمال هناك. ولكن هذا الحل مرتبط بالأوضاع الأمنية وبسياسات حكومة نفتالي بينيت التي تقوم باستغلال ملف البطالة في فلسطين وتوظفه لأغراض سياسية.

لقد ألقى الوضع الاقتصادي الصعب في فلسطين بظلاله على أحوال الناس المعيشية، وأصبحت الوظائف بالكاد توفر ما يغطي المصاريف الشهرية، خاصة مع موجة الغلاء العالمية التي جعلت المعاناة تتضاعف والأوضاع تزداد سوءا، بعد أن ترافق ذلك مع تراجع الدعم المالي الدولي للسلطة.

أما عن غزة فحدث ولا حرج؛ بعد أن أصبحت البطالة قدرا لا مفر منه يواجهه كل خريجي الجامعات في ظل حصار جائر وغياب الحلول من قبل حكومة حماس، التي أصبحت مجبرة على خفض التصعيد لاستمرار تدفق تصاريح العمل، لعلها تجد مخرجا من المأزق الذي وضعت فيه 317 ألف شاب وشابة عاطلين عن العمل في القطاع، خاصة وأن العديد من المصانع الصغيرة في غزة أغلقت بسبب إفلاسها وغياب الدعم الحكومي لها من أجل الاستمرار.

أما عن غزة فحدث ولا حرج بعد أن أصبحت البطالة قدرا في ظل حصار جائر وغياب الحلول من قبل حكومة حماس التي أصبحت مجبرة على خفض التصعيد لاستمرار تدفق تصاريح العمل

منذ ثلاثة أشهر تم الاتفاق بين وزارة العمل الفلسطينية ونظيرتها الليبية لاستقطاب 10 آلاف عامل فلسطيني من الكفاءات الوطنية لسد عجز ليبيا في اليد العاملة، ولكن لا نعلم حتى هذه اللحظة أين وصل الاتفاق، وما هو عدد الفلسطينيين الذين سافروا إلى طرابلس، ولربما جمد هذا الاتفاق خاصة مع الانسداد السياسي في ليبيا، والمشاكل التي تتخبط فيها حكومة عبدالحميد الدبيبة المنتهية ولايتها التي أجري معها الاتفاق. ولكن، حتى وإن توفرت فرص العمل، إلا أنها غير محفزة للفلسطينيين في التقدم للحصول عليها، نظرا إلى أن سوق العمل الليبية توفر فرص عمل برواتب ضعيفة مقارنة بالراتب القاعدي في فلسطين، وهو ما يجعل المهمة صعبة لإقناع الفلسطينيين بالسفر.

أزمة البطالة في فلسطين ليست كمثلها في الدول العربية الأخرى، فهي مشكلة لها بعد سياسي وملف يساوم عليه الاحتلال الذي يتفنن في حصاره الاقتصادي، وهو ما ساهم إلى حد كبير في تعثر العديد من الصناعات التحويلية في فلسطين، مما أدى إلى خروج العديد من المصانع عن مزاولة نشاطها، كما أن سياسة العصا والجزرة التي يستعملها الاحتلال ترهن مصير الآلاف من العاطلين عن العمل في الضفة وغزة بالتطورات الأمنية الحاصلة هناك. وبهذا فإن الاحتلال يضمن دائما أن تبقى الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين مسيطرا عليها حتى لا تخرج من بين يديه، يتصرف بها متى ما يشاء، وفق ما تقتضيه مصالحه الأمنية. ولقد نجح الاحتلال حتى الآن في ليّ ذراع حماس بهذا الملف، وهي التي ترفض التنسيق في كل شيء باستثناء تصاريح العمل مكرهة على ذلك.

وفي ظل غياب الحلول والبدائل يجد الشباب الفلسطينيون أنفسهم مرهونين إما بمغادرة البلد والبحث عن فرصة للعيش في مكان آخر، أو بقبول التطبيع الاقتصادي مع دولة الاحتلال، بعد أن تقطعت بهم السبل وازداد الوضع الاقتصادي الفلسطيني تعقيدا.

ويزداد الوضع سوءا في قطاع غزة، خاصة مع تضييق الحكومة مؤخراً على أصحاب البسطات، الذين تقطعت بهم السبل وعجزوا عن إيجاد فرصة عمل.

لقد لخصت الطوابير التي شهدتها الغرف التجارية في غزة الصيف الماضي للحصول على تصاريح العمل كل شيء، وأكدت أنه عوض أن يتم صرف المال في بناء ما تهدمه المواجهات العسكرية ينبغي أن يتم صرفه في بناء مصانع واقتصاد يعفي شبابنا من الاصطفاف في طوابير طويلة وانتظار فرصة عمل يوفرها لهم ”العدو”. المقاومة ينبغي أن تأخذ في الحسبان أنه مثلما لأبناء القيادة الحق في العمل والعيش الكريم، يحق أيضا لسكان غزة الحصول على حياة كريمة بعيدا عن مساومات الاحتلال.

9