البرلمان المصري يتدخل لوأد فتنة الفتاوى بتعديل قانون الخطابة

تُحدث الآراء الصادرة عن غير المتفقهين في الدين الإسلامي انقساما في المجتمع المصري من حين إلى آخر، حتى أنها قد تحدث مناوشات وتؤجج التعصب ضد أشخاص بعينهم. ومن أجل ذلك تدرس السلطات المصرية سن قانون يقيّد التكلم في أمور الدين خاصة في المنابر الإعلامية التي باتت آراؤها تحسب على الحكومة وسياساتها.
القاهرة- دخل البرلمان المصري على خط الجدل المتصاعد حول الآراء الدينية إثر تصريحات للإعلامي إبراهيم عيسى قبل أيام تشكك في رحلة الإسراء والمعراج المستقرة في وجدان كثيرين، بإدخال تعديلات على قانون ممارسة الخطابة والدروس الدينية الذي كان من المقرر أن تتم مناقشته منذ شهر، وبدت هناك حاجة سياسية إلى تفعيله الآن.
ووافقت لجنة الشؤون الدينية في مجلس النواب مبدئيا على القانون المقدم من رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان طارق رضوان و60 نائبًا، ويتضمن إدخال تعديلات على قانون الخطابة الصادر منذ ثمانية أعوام تمنع غير المتخصصين في مجال الدعوة والإفتاء من الحديث في الأمور الدينية أو إصدار فتاوى.
وأيدت المحكمة الإدارية العليا في مجلس الدولة -وهي مختصة في الفصل في القضايا المرتبطة بالعلاقة بين المواطنين والجهات الحكومية- فصل أحد فناني البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية التابع لوزارة الثقافة من وظيفته لإدانته بازدراء الدين الإسلامي وثوابته بإقدامه على السخرية من إسراء النبي وازدراء الدين الإسلامي.

عمرو عبدالمنعم: الدولة ترغب في أن تملأ فراغ شيوخ السلفية والإخوان
وعبر الحكم عن اتجاه يسعى للتعامل بحزم مع هذه النوعية من القضايا وعدم توظيفها سياسيًا، وهو مؤشر على المزيد من الحزم في التعامل مع الملفات التي تحدث شروخا في المجتمع، بما يهدد تماسك النظام السياسي القائم.
ولعل ذلك ما ذهب إليه وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، الذي أشار إلى أن من يتحدثون في أمور الدين بغير علم “خطر على الأمن القومي ولا بد من محاسبتهم”.
وتقصر التعديلات ممارسة الخطابة وتقديم الدروس الدينية في الساحات والميادين العامة ودور المناسبات ووسائل الإعلام المختلفة على “خريجي الأزهر والعاملين به من الأئمة بالأوقاف والوعاظ بالأزهر الشريف والإفتاء المصرح لهم”، على أن يكون ذلك بتصريح من مؤسسة الأزهر أو وزارة الأوقاف.
ويعاقب بالسجن المشدد لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن سنة وغرامة لا تتجاوز 100 ألف جنيه (نحو 7 آلاف دولار) أو بإحدى العقوبتين، كل من خالف مواد القانون، وإذا ترتبت على آرائه إشاعة الفتنة أو الحض على العنف بين أبناء الأمة، وتُضاعف في حالة العود وتصل إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.
وتشكل الخطوة استكمالاً لجملة من القوانين والقرارات المصرية التي هدفت إلى ضبط الفتوى والقضايا الدينية بغية تمرير رؤية رسمية تقطع الطريق على خطاب تنظيمات متطرفة نجح بعضها في اختراق المجتمع من بوابة الدين.
واستطاعت الجهود الحكومية التي قادتها وزارة الأوقاف أن تزيح العديد من الشخصيات ومشايخ التيار السلفي عن التواصل المباشر مع شرائح مختلفة في المجتمع دون وجود خطاب تنويري بديل يسد الفراغ الحاصل فيه.
وشعرت دوائر حكومية بخطر داهم يستوجب التدخل، لأن تطرق هؤلاء إلى مسائل دينية ثابتة وإثارتها بأساليب ليست مبنية على رؤى سليمة يمنحان تيارات متشددة فرصة التشكيك في خطوات النظام المصري نحو إبعادهم عن المشهد، وقد تكون النتيجة المباشرة أن ما يسوقه هؤلاء على مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر حضورهم داخل بعض المساجد يحظى بتأييد واسع، وتبدو الحكومة كطرف يعادي الدين.
☚ بقاء الدين ضمن أدوات البناء السياسي في العلاقة بين الدولة والمجتمع دافع نحو صدور المزيد من القوانين والقرارات
وحسب البعض من المراقبين فإن النقاشات المجتمعية وتحميل جهات حكومية مسؤولية السماح بالجدل حول قضايا تشكك في الثوابت الدينية يدفعان إلى سرعة تحريك التعديلات الأخيرة، سواء جرى تطبيقها فعلا أم لا.
وعمدت دوائر رسمية إلى توصيل رسائل مباشرة مفادها أنها لا تؤيد ما يجري طرحه من جانب بعض التنويريين والمثقفين والإعلاميين في ما يتعلق بالتشكيك في بعض القضايا الدينية، والرغبة في تجديد الخطاب الديني ليس المقصود بها التطرق إلى الثوابت وإثارتها بصورة سطحية تحدث فتنة في المجتمع.
وقال الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية عمرو عبدالمنعم إن الدولة لديها رغبة في أن يملأ الفراغ الذي تركه العديد من شيوخ السلفية والإخوان متخصصون لديهم رؤى تنويرية تدحض الخطابات السابقة، غير أن خطتها لم تجد سبيلاً للتطبيق، ما جعلها أمام هجمات مستمرة من تنظيمات متطرفة ترى أنها تدعم من يطلقون عليهم اسم “شيوخ السلاطين”.
وأضاف لـ”العرب” أن “الحكومة أضحت متهمة بالتعاون مع هؤلاء لتبرير رؤاها السياسية والاجتماعية، وبالتالي فإن الانتقادات التي تصدر عن تنظيمات متشددة تطال أجهزة رسمية ومؤسسات دينية، ما يوجد ثغرات تمكنها من تجنيد عناصر جديدة”.

حنان أبوسكين: تعديل القوانين لن يحل المشكلة من جذورها
ويؤكد المراقبون أن التعديلات المطلوبة تؤدي إلى إعادة بناء الثقة بين المؤسسات الدينية وبين المواطنين وإن لم تقم بأدوارها بالشكل الذي يتماشى مع المطالب المتكررة بتجديد الخطاب الديني، فهناك قناعة حكومية بأنها تشكل حائط صد لمواجهة المتطرفين.
ويشكل بقاء الدين ضمن أدوات البناء السياسي في العلاقة بين الدولة والمجتمع دافعاً نحو صدور المزيد من القوانين والقرارات التي تدعم المؤسسات الدينية على حساب تيارات مدنية واجتهادات بحثية يجب أن تتصدر المشهد، حال كانت هناك رغبة حقيقية في تصويب الخطاب الديني، لأن المتشددين سيظلون موجودين وإن خفت ظهورهم مؤخرا.
ويُفسر ذلك سرعة تحريك التعديلات القانونية في غضون ساعات قليلة بعد الصخب الذي ثار إثر حديث إبراهيم عيسى، وأعقبه ما يشبه التوافق بين مؤسسات الدولة على أهمية تمرير القانون واتخاذ إجراءات تصب في صالح إعلاء الآراء الصادرة عن مؤسسات دينية وتحصينها من هجمات المتطرفين والمثقفين الذين يتهمونها بالجمود.
وأكدت أستاذة العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية حنان أبوسكين أن وجود نسب مرتفعة من الأمية يجعل من السهل جذب البعض نحو خطابات دينية مشوشة تخدم التنظيمات المناوئة للحكومة، لذلك فالنظرة العامة إلى الأفكار المخالفة للرؤى المحافظة محل رفض ممن يتمسكون بالمرجعية الدينية.
وذكرت في تصريح لـ”العرب” أن “الحكومة المصرية تلجأ إلى تعديل القوانين باعتبارها الوسيلة الأكثر سهولة، لكنها لن تحل المشكلة من جذورها، فالأمر يتعلق بمستوى الشيوخ الثقافي والعلمي، والاعتماد على هؤلاء فقط دون النظر إلى مهاراتهم العملية وقدرتهم على التواصل مع المواطنين لا يحقق نتائج إيجابية”.
وتتعلق المخاوف التي تثيرها التدخلات الأخيرة بإمكانية تأثير ذلك سلبًا على البحث والتجديد وحرية الرأي والتعبير. وما تجدر الإشارة إليه هو أن التوازن مطلوب بين عدم التطرق إلى ثوابت دينية تثير الانقسامات والجدل المجتمعي وبين الاجتهاد وتصويب الخطاب وتطوير التراث لخدمة القضايا المعاصرة.

☚ البرلمان المصري دخل على خط الجدل إثر تصريحات للإعلامي إبراهيم عيسى تشكك في رحلة الإسراء والمعراج