البحث عن الفضيحة في المعسكر الفرنسي

الأحد 2016/06/19

حادثة يبدو أنها قد تقض مضجع كل محبي المنتخب الفرنسي لكرة القدم خلال منافسات بطولة أمم أوروبا المقامة حاليا في فرنسا، بل ربما قد تؤثر ولو نسبيا على أداء منتخب “الديكة” في بقية مشواره الصعب من أجل تجديد العهد مع هذا اللقب الذي غاب عنهم منذ سنة 2000.

هذه الحادثة هي مرتبطة شديد الارتباط بالإعلام الفرنسي، وتحديدا الصحف والإذاعات المهتمة بالشأن الرياضي وخاصة كرة القدم، فمنذ المباراة الأولى لمنتخب فرنسا في “أورو 2016” والتي شهدت فوز منتخب البلد المنظم بصعوبة بالغة على منافسه الروماني، أخرجت وسائل الإعلام سيوفها من أغمدتها وبدأت في ضرب كل لاعب لم يقم بواجبه كأفضل ما يكون، أو كان مستواه ضعيفا ومتواضعا.

ومن سوء حظه فإن بول بوغبا كان اللاعب الأكثر تعرضا للنقد في أغلب وسائل الإعلام الفرنسية إلى درجة أنه كان سيتحول إلى كبش فداء، لو لم يحقق المنتخب الفرنسي المراد في المباراة الافتتاحية ويتجاوز منافسه الروماني بهدف متأخر للمتألق باييت.

وبما أن بوغبا ليس كغيره من اللاعبين، فهو النجم الفرنسي الأول خلال السنوات الأخيرة، وهو ضمن قائمة أكثر اللاعبين الذين تتمنى أعرق الأندية التعاقد معهم، فإنه لم يرض بما كتبته الصحف المحلية التي منحته أدنى الدرجات في تقييمها للمردود المقدم في المباراة الافتتاحية.

لم ينتظر “النجم الأسمر” إلى غاية انتهاء البطولة حتى يرد على انتقادات وسائل الإعلام، بل جاء الرد سريعا جدا وتحديدا في المباراة الثانية ضد ألبانيا، حيث قام بلقطة غير أخلاقية موجهة بالأساس إلى الصحافيين الفرنسيين الذين لم يعجبهم تصرف بوغبا، فنسوا أو تناسوا الحديث عن الفوز الثاني على التوالي والتأهل إلى الدور الثاني، لكنهم لم ينسوا لقطة بوغبا التي أخذت حيزا كبيرا للغاية في أغلب الصحف والمجلات الرياضية بفرنسا.

لقد تحول بوغبا إلى “فاكهة الأورو” لدى الإعلام الفرنسي الذي يهوى صنع الحدث من المشاكل وربما أيضا افتعالها، فلا طعم ولا مذاق لأيّ بطولة دولية هامة دون وجود بعض الاستفزازات والتهكمات والانتقادات وحتى الاتهامات المتبادلة أيضا.

هكذا هو الإعلام الرياضي الفرنسي، فهو يهوى الصراعات مع اللاعبين وأحيانا المدربين، ولا يتردد أبدا في البحث عن الفضيحة في المعسكر الفرنسي مهما كان مستوى منتخب “الديكة” ونتائجه.

حادثة بوغبا أشعلت اللهيب في فرنسا الباردة في عز موسم الصيف المتوهج ببطولة أمم أوروبا استثنائية بكل المقاييس، وما حصل مع بوغبا كان أشد تأثيرا لدى وسائل الإعلام الفرنسي من أعمال العنف والشغب التي عرفتها البطولة سواء مع جمهور الهوليغانز الإنكليزي والروسي، أو ما حدث أيضا مع الجمهور الكرواتي، ثم التركي.

حادثة بوغبا المستمرة حلقاتها وفصولها مع تقدم منافسات البطولة، ليست سوى عنوان جديد من عناوين مسلسلات الصراعات المفتوحة بين الإعلام الفرنسي وعدة لاعبين ومدربين فرنسيين في السابق.

فلم يسلم ميشيل بلاتيني في بطولة أمم أوروبا سنة 1984 التي أقيمت على الأراضي الفرنسية، حيث تم التشكيك قبيل تلك البطولة في قدرته على الصعود بفرنسا إلى الصف الأول، لكنه فعل وأسكت كل أصوات المشككين.

حدث الأمر ذاته سنة 1998 بمناسبة مونديال فرنسا مع مدرب المنتخب الفرنسي إيمي جاكي الذي وصل به الأمر إلى حدّ مقاطعة كل وسائل الإعلام في بلاده بعد تعرضه لحملة شعواء كادت تعصف به قبيل الموعد الهام، جاكي في تلك البطولة لم يرد إطلاقا على اتهامات الصحف المحلية التي شككت في مهاراته الفنية، لكنه في نهاية المطاف ربح المعركة وكسب الرهان وألجم كل الأصوات المناوئة له بعد رفع كأس العالم عاليا جدا في سماء باريس، عاصمة الأضواء.

أضواء باريس وأضواء الشهرة وأضواء الإعلام الفرنسي المتخصص في البحث عن المتاعب والفضائح لم يسلم منها زيدان وهنري كلما سقط المنتخب الفرنسي، ولم يسلم منها أيضا نيكولا أنيلكا في مونديال سنة 2010، حيث تمت معاقبة اللاعب بطريقة قاسية للغاية من قبل الصحافيين الفرنسيين بسبب توتر علاقته آنذاك مع مدرب فرنسا دومينيك، فخرجت فرنسا في تلك البطولة منذ الدور الأول، والكل يعلم وقتها أن الإعلام الفرنسي ساهم بسبب بحثه عن الفضائح والمشاكل في توتير أجواء المعسكر الفرنسي الذي تزعزعت أركانه بسبب الحملة القوية ضد المدرب دومينيك، وكذلك بعض اللاعبين.

اليوم يمكن القول إن المنتخب الفرنسي حقق خطوة صغيرة للغاية نحو الوصول إلى هدفه المنشود وهو الحصول على اللقب الأوروبي من جديد، لكن يتعين عليه أن يواصل المسير بثبات حتى يتخطى كل العقبات، لكن تبقى أهم تلك العقبات هي سياط النقد والسهام المصوّبة إليه من قبل وسائل الإعلام الفرنسية التي تبحث دوما عن مصادر المشاكل، لأنها تؤمن أن الإصلاح والسير في طريق المجد، ربما، ينطلق أساسا عبر وضع الأصابع مباشرة في مكمن الداء.

كاتب صحافي تونسي

23