البارزاني وإعلان الدولة الكردية المرتقبة
يبدو أن حلم أكراد العراق بإعلان الدولة الكردية المُرتقَبة بات وشيكا ولم ينقصه سوى البيان الأول الذي سيتلوه على الملأ مسعود البارزاني، رئيس الإقليم وزعيم الحزب الديمقراطي الكردساتي الذي لم يخف ذات يوم تطلعاته إلى إنشاء دولة كردية مستقلة لها كيانها وجغرافيتها الخاصة. كما يتمنى البارزاني، شأنه شأن غالبية الأكراد، أن تتحد كردستان العراق مع الأقاليم الكردية الثلاثة في تركيا وإيران وسوريا ليحققوا لجماهيرهم الكردية حلم كردستان الكبرى التي تضم نحو ثلاثين مليون مواطن كردي في أقل تقدير.
لقد انفصل إقليم كردستان مبدئيا عن الحكومة المركزية ببغداد عام 1991 عقب الانتفاضة الشعبية. وفي عام 1992 أعلن عن إنشاء الإقليم الذي أخذ على عاتقه إدارة شؤون الشعب الكردي في المحافظات الثلاث أربيل والسليمانية ودهوك وكل ما يتبعها من أقضية ونواح وقرى أخرى. ولم يكف المسؤولون الأكراد، وعلى رأسهم مسعود البارزاني، عن المطالبة بمحافظة كركوك التي اعتبرها «قُدس الأقداس» في أكثر من خطاب حماسي، ثم ظهرت إلى السطح قضية جديدة أسموها «المناطق المتنازع عليها» التي لا تقتصر على الشريط الحدودي المتعرّج الذي يفصل المحافظات الثلاث آنفة الذكر إضافة إلى قضاء خانقين وبعض النواحي التابعة له ضمن محافظة ديالى، وإنما ارتفع سقف المطالبات إلى سلسلة جبال حمرين التي تمتد من أواسط محافظة ديالى لتصل إلى محافظة صلاح الدين. أما على الشريط الحدودي الشرقي مع إيران فإن الأكراد لا يكتفون بالمطالبة بقضاء مندلي، وإنما يريدون ضم قضاء بدرة إلى خارطتهم، وهناك منْ يتمنى أن تكون له إطلالة على رأس الخليج العربي.
لم يقتنع الأكراد بالحكم الذاتي الذي حصلوا عليه عام 1970 لأنهم يخططون منذ أمد بعيد لإعلان دولتهم الكردية، لذلك شدّدوا من إجراءاتهم الإدارية بعد إعلان الإقليم حتى صار من المتعذّر على أبناء المحافظات العراقية الأخرى الدخول إلى الإقليم دون كفيل أو ضامن لهم بحجة المحافظة على الوضع الأمني الذي بدأ يضطرب في العراق خصوصا بعد الاحتلال الإنغلو- أميركي عام 2003.
لقد شيّدت حكومة الإقليم الكثير من البنى التحتية كالمطارات والمنشآت النفطية والأبنية الحكومية والطرق والجسور وما إلى ذلك استعدادا لإعلان الدولة التي يجب أن تقف على قدميها دون الاتكاء على المركز، بل إن حكومة الإقليم أقدمت على تغيير المناهج الدراسية من اللغة العربية إلى اللغة الكردية والإنكليزية في بعض فروعها، بحيث أن الأطفال الذين ولدوا بعد عام 1991 لا يتكلمون اللغة العربية، ولم تُدرَّس اللغة العربية حتى كمادة ثانوية في المدارس الكردية.
وتأكيدا للرغبة الانفصالية فقد أقدم الكرد على سكّ عملة كردية أطلق عليها اسم “كورو” تماشيا مع اسم العملة الأوروبية “يورو”. كما أن الواردات المالية التي تأتيهم عبر المناطق الحدودية مع تركيا وإيران لم تسلّم إلى خزينة الحكومة العراقية منذ 2003 وإلى حد الآن. وهذا الأمر ينطبق على الصادرات النفطية من إقليم كردستان التي تبلغ حدود الـ160 ألف برميل يوميا لم تُسلّم عائداتها إلى الخزينة المركزية منذ أكثر من سبع سنوات، الأمر الذي دفع الحكومة المركزية إلى قطع رواتب الموظفين الأكراد بحجة تأخر قانون الموازنة الذي لم يقرّه البرلمان العراقي.
لسنا هنا في معرض الإشارة إلى الخلافات الجوهرية بين المركز والإقليم، لكننا نلفت عناية القارئ الكريم إلى أن عمليات التنقيب عن النفط في المحافظات الكردية الثلاث وبناء المنشآت النفطية الكبيرة التي سددت أموالها الحكومة المركزية لم تنبثق من فراغ، وإنما جاءت نتيجة لتخطيط مسبق ونية في الإعلان عن الدولة الكردية في الوقت المناسب. فلقد انفصل جنوب السودان دون أن يثير هذا الانفصال أي لغط دولي، كما استعادت روسيا جزيرة القرم دون أن يتحرك المجتمع الدولي لوضع حدّ للتوسعات الروسية وحكومة بوتين التي تمضي في مشروعها التفكيكي لأوكرانيا.
أما العراق فلا دولة أضعف منه في الشرق الأوسط حيث تعيث القاعدة وداعش وبعض المجموعات المسلحة المتطرفة فسادا في البلاد وتفتك بالناس الآمنين دون أن يتحرك جفن للمالكي الذي أضعف الجيش والشرطة والمؤسسات الأمنية بطائفيته المقيتة، ولا مهنيته، وبنواياه المبيتّة لتقسيم العراق. وقد وجد الأكراد أن هذه الحقبة التي يعيشها العراقيون هي من أضعف الحقب التي يمرّ بها العراق. فإذا كان المالكي لا يستطيع الدفاع عن سد من سدود العراق، فكيف يستطيع أن يمنع انفصال الإقليم عن المركز؟
لقد أعدّ الأكراد جيشا قويا من البشمركة يصل تعداده إلى أكثر من ربع مليون مقاتل لديهم خبرة في القتال آخذين بنظر الاعتبار أن الأكراد قد سيطروا على غالبية المعدات العسكرية الثقيلة التي كانت بحوزة الجيش العراقي، ومخازن هائلة من الذخيرة الحية. كما أن حصة الإقليم من الموازنة قد وصلت إلى 17 بالمئة وهو مبلغ كبير قد يصل في بعض السنوات إلى أكثر من ثلاثين مليار دولار أميركي تستطيع حكومة الإقليم أن تديم به زخم تسليحها الذي يضمن لها حق تقرير المصير أو الانتقال من النظام الفيدرالي الذي لا يروق الأكراد الآن إلى النظام الكونفدرالي الذي يحدث عادة بين دولتين مستقلتين.
إن ضعف أوباما، الرئيس الأميركي الذي لا يحرّك ساكنا قد يشجّع الأكراد على إعلان دولتهم الكردية التي لن تجد أضعف من المالكي وحكومته الهشة التي تستطيع أن تفرط لا بإقليم كردستان فحسب، وإنما بالعراق كله وتضعه لقمة سائغة في أفواه التنانين الجائعة التي تحيط بالعراق.
كاتب عراقي