الانسداد السياسي في العراق ومتاهات الفراعنة

مرحلة الجمود التي تجتاح العراق اليوم تستوجب بناء كُتلة وطنية أو تاريخية عابرة للمذاهب والطوائف تسعى للتغيير الشامل وتُعطي الأولوية للإصلاح السياسي وإلى إنهاء حُكم التفرّد والانتقال إلى نظام ديمقراطي حقيقي.
الثلاثاء 2022/08/16
مرحلة سياسية حرجة

يبدو المشهد السياسي في العراق مثل متاهات الفراعنة أو دهاليزهم السِريّة. وكمن يحاول الخروج من غرفة مظلمة عَبرَ باب دوّار حتى يجد نفسه قد عاد إليها من جديد.

طبقة سياسية لا تتعلم أبدا من التأريخ ودروسه ومن الذين سبقوهم، ولا تُفيد معهم تلك اللحظات المفصلية التي أُتيحت لهم لإدارة سُلطة في بلد مثل العراق باتجاه الإصلاح، بعد أن كانت أدبياتهم تَلعن من سبقهم في طُغيانه ودكتاتوريته.

لم يحاولوا ولو قليلا عندما حكموا العراق بعد عام 2003 تحليل سلوكياتهم ومواقفهم وتوجهاتهم السياسية أو حتى خُططهم المُستقبلية.

غابت عنهم أي مُراجعة نقدية للذات أو تقويم الأخطاء التي مارسوها، مع إدراكهم أن كل ما يُحيط بهم من متغيرات دولية وإقليمية تُنذر بأنهم سيكونون داخل العاصفة القادمة وأن لا مَنجى لهم من آثارها وأضرارها.

إلا أن معاركهم الضارية كانت دائما في سبيل التفوق على بعضهم أو الانتصار على المنافسين وإقصائهم أو تعطيل الحياة مهما بلغت أضرار ذلك على المواطن العراقي، وكُلّ منهم يدور في حلقة مُفرغة بعيدا عن الآخرين في محاولات فردية للنيل من السُلطة والنفوذ.

السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تستطيع السُلطة بأحزابها التي تستأثر بالمغانم والنفوذ أن تكون مُستعدة للتفريط بهذه المُنجزات؟

هذا استنتاج اكتشفه الباحث الفرنسي ستيفان لاكروا في كتابه “زمن الصحوة” مؤكدا على خيار الاستفراد بالسُلطة بكل ما يُؤتى من قوة، وتمييع مطالب المجتمع الإصلاحية وتحويلها إلى مطالب فئوية أو مذهبية لتكون في المُحصلة مُفرغة من أي محتوى وطني.

من المؤكد أن موجة تظاهرات تشرين شكّلت صدمة أربكت السُلطة، لأنها خرجت من عباءة الشعب دون الأحزاب التي اعتادت أن تُنظم هذه التجمعات، وكانت فرصة للقوى الوطنية من أجل حشد المزيد من التأييد لمطالب الإصلاح السياسي عندما ارتفع سقف هذه المطالب. إلا أن هذه الفرحة لم تكتمل عندما حاولت الأحزاب المؤتلفة في الحُكم الالتفاف على هذه المطالب واستبدال السُلطة الحاكمة آنذاك بنفس الوجوه والأدوات، كما يقول المثل العراقي “بَدّلنا عَلاّوي بِعلِيوي”.

وبعد كل الذي حصل استطاعت المنظومة السياسية أن تُحقق إنجازا سياسيا، أو هكذا ظنّت، عندما تمكنت من تدوير الوجوه والسياسات الخاطئة لتصل إلى هذه المرحلة الراهنة من لحظة الانسداد التاريخي الذي يُنذر بانفجار لا يُبقي ولا يَذر. وما شجّع على ذلك هو التناغم الخارجي لسياسات قوى إقليمية ودولية ترغب ببقاء هذا الوضع المتوتر الذي تُسيّره وفق ما تقتضيه مصالحها، أو سوء تقدير من السُلطة لهذه اللحظات التاريخية أو المفصلية.

مرحلة الجمود التي تجتاح العراق اليوم تستوجب بناء كُتلة وطنية أو تاريخية عابرة للمذاهب والطوائف، تسعى للتغيير الشامل وتُعطي الأولوية للإصلاح السياسي وإلى إنهاء حُكم التفرّد والانتقال إلى نظام ديمقراطي حقيقي، وليس مُزيّفا، وأن يكون مشروعا إصلاحيا يشترك فيه الجميع دون تخوين أو استثناء.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تستطيع السُلطة بأحزابها التي تستأثر بالمغانم والنفوذ أن تكون مُستعدة للتفريط بهذه المُنجزات؟

نعتقد أننا مُخطئون حين نظن ذلك، فهؤلاء ليسوا مُستعدين للتفريط بأبسط مَغنم فكيف بما هو أكبر. وهو ما يجعل التمسك بتلابيب السُلطة يزداد تَعنُتا وقوة وإيغالا، وتلك هي مُشكلة العراقيين في نظامهم السياسي الذي كان يُنتج سُلطة مُتعنتة لا تتم إزاحتها إلا بِطُرق أقل ما تُوصف بالبشاعة ونهايات مأساوية تكون خواتيمها إما الإعدام أو الشنق أو حتى السَحل.

9