الانسحاب الأميركي من العراق.. حقيقة أم وهم؟

رغم جديّة حكومة السوداني في رسم خارطة طريق لتنظيم العلاقة بين الجانبين والرغبة العراقية في الانسحاب الأميركي إلا أن الشوط مازال بعيداً وهناك عمل شاق من المبكر الإفصاح عن خطواته اللاحقة.
الثلاثاء 2024/01/30
ضيوف بالإكراه

في كل حديث يدور عن حوار بين العراق وأميركا كان ذلك الحوار يقدم نماذج للتلاعب بالألفاظ والمصطلحات في استخدام خطاب مُخادع يحمل رسائل مبهمة ومفاهيم مجتزأة ضمن أدوات حرب العقول والقلوب.

ففي الوقت الذي أعلنت فيه الخارجية العراقية عن الاتفاق مع الجانب الأميركي على تشكيل لجنة لبدء المحادثات حول مستقبل التحالف العسكري بقيادة أميركا في العراق للتنسيق بشأن جدول زمني للانسحاب التدريجي للقوات وإنهاء مهمة التحالف الدولي، كان بيان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن حول عمل اجتماعات مجموعة العمل التابعة للجنة العسكرية العليا الأميركية – العراقية يشير باستمرار التعاون الأمني والعسكري عبر شراكة أمنية ثنائية مستدامة بين الولايات المتحدة والعراق دون الإشارة إلى انسحاب للقوات الأميركية، وهو ما يعني استمرار النفوذ الأميركي في العراق، ويُفضي إلى نتيجة حتمية مفادها تأجيل الانسحاب، أو على الأقل تهدئة الوضع في المنطقة إلى حين الانتهاء من الانتخابات الأميركية المزمع إجراؤها في شهر نوفمبر من هذا العام، ذلك الكسب في الوقت الذي تراهن عليه أميركا لِفضّ مشاكل انتخاباتها أو حرب غزّة.

◙ كان لافتاً في الوقت الذي ينشط فيه العراق لبدء حواره حول مستقبل التحالف العسكري أن تقوم السفارة الأميركية في بغداد بتقليص كوادرها بنحو ملحوظ تزامناً مع حرب غزّة

وبالرغم من جديّة حكومة محمد شياع السوداني في رسم خارطة طريق لتنظيم العلاقة بين الجانبين والرغبة العراقية في الانسحاب الأميركي، إلا أن الشوط مازال بعيداً، وهناك عمل شاق من المبكر الإفصاح عن الخطوات اللاحقة حالياً حسب تأكيد فادي الشمري المستشار السياسي للسوداني، مضيفاً أن القرار لن يكون حلاً ترقيعياً حسب وصفه.

البيان الأميركي الذي أشار إلى أن “الأفراد العسكريين الأميركيين هم في العراق بدعوة من الحكومة العراقية كجزء من مهمة عملية العزم الصلب لتقديم المشورة والمساعدة والتمكين للقوات الأمنية العراقية في قتالها المستمر ضد داعش”.

نموذج البيان الأميركي الذي خاطب فيه الرأي العام اعتبر أن بداية عملية اللجنة العسكرية (HMC) تعكس تطور العلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة والعراق بموجب اتفاقية الإطار الإستراتيجي، ما يعني أن القرار لا يشمل بالضرورة الانسحاب من العراق بل يؤدي إلى تحقيق علاقة أمنية مستدامة ويرسم صورة جديدة لتلك العلاقة عكس ما يتصوره البعض من العراقيين الحالمين بخروج قوات الاحتلال من بلدهم.

عمل اللجنة الذي سيبدأ خلال الأيام القادمة لتنفيذ الالتزام الذي وقّع عليه الطرفان خلال حوار التعاون الأمني المشترك بين الولايات المتحدة والعراق (JSCD) الذي عُقد يومي 7 – 8 أغسطس2023 في واشنطن العاصمة اعتمد على ثلاثة عوامل: وهي التهديد الذي يُشكّله داعش، والمتطلبات العملياتية والظرفية، ومستويات قدرة القوات الأمنية العراقية، حيث ستقوم مجموعات عمل من الخبراء العسكريين بدراسة هذه العوامل الثلاثة وتقديم المشورة إلى اللجنة العسكرية العليا (HMC) بما يضمن عدم قدرة داعش على العودة للظهور مرة أخرى.

من المعلوم أن الولايات المتحدة تنشر ما يقارب 2500 عسكري في العراق لتقديم المشورة والدعم للقوات المسلحة العراقية لمنع عودة التنظيمات الإرهابية.

◙ هناك عمل شاق من المبكر الإفصاح عن الخطوات اللاحقة حالياً حسب تأكيد فادي الشمري المستشار السياسي للسوداني، مضيفاً أن القرار لن يكون حلاً ترقيعياً حسب وصفه

ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن المتحدثة باسم البنتاغون سابرينا سينغ نفيها أن تكون محادثات اللجنة العسكرية العليا العراقية – الأميركية والتي أعلنت عنها وزارة الخارجية العراقية ووزارة الدفاع الأميركية تتعلق بسحب القوات الأميركية من العراق.

وتشير سينغ إلى أن المسألة تتعلق بجاهزية العراق لتحقيق النجاح في الدفاع عن أمنه الخاص وسيادته وكيف بإمكان الولايات المتحدة دعم العراق للقيام بذلك.

وبحسب الصحيفة فإن المحادثات بين بغداد وواشنطن حول قضية الوجود الأميركي قائمة حتى قبل الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 والذي فاقم التوتر بين القوات الأميركية والفصائل المسلحة مع التأكيد أنها ليست مفاوضات للانسحاب.

كان لافتاً في الوقت الذي ينشط فيه العراق لبدء حواره حول مستقبل التحالف العسكري أن تقوم السفارة الأميركية في بغداد بتقليص كوادرها بنحو ملحوظ تزامناً مع حرب غزّة مما أدى إلى تعليق إصدار التأشيرات للمواطنين العاديين، حيث لا تُمنح حالياً إلا للوفود الحكومية رفيعة المستوى حسب تأكيد مصدر دبلوماسي مع ما رشح عن نيّة الرئيس الأميركي جو بايدن ترشيح السفيرة تريسي آن جاكوبسون لمنصب سفيرة فوق العادة ومفوضة للولايات المتحدة لدى جمهورية العراق بدلاً من السفيرة إلينا رومانوسكي.

عامل الوقت والمماطلة هو الذي تُراهن عليه واشنطن للتخفيف عن كاهلها حجم الهجمات التي بدأت تتزايد على قواعدها في العراق ولتهدئة الوضع ولو مؤقتاً إلى حين تبيان حظوظ بايدن في الفوز بولاية ثانية أو خروجه من البيت الأبيض، وهو ملخص ما يدور من حكاية الانسحاب الأميركي.

9