الانتخابات فرصة الميليشيات لتثبيت حضورها في العراق

تبحث الميليشيات الشيعية التي أصبحت تتحكم في مفاصل العراق بقوة السلاح عن منفذ لتثبيت نفسها سياسيا عبر الانتخابات التشريعية المبكّرة التي ستكسبها شرعية مفقودة تحاول منذ سنوات الحصول عليها، مدعية أنها تسعى لتغيير الوضع السياسي الراهن وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية، رغم أنها كانت المتهم الرئيسي في الفساد المتفشي والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة من قبل “ثوار تشرين” (أكتوبر).
بغداد - بينما يتطلع العراقيون بأمل ضئيل إلى أن تسهم الانتخابات التشريعية المبكرة في تغيير الطبقة السياسية الحاكمة وتمنحهم مستقبلا أفضل تحت قيادة وطنية ملتزمة بإصلاح ما أفسدته عقود من الفساد، تُراهن الميليشيات الشيعية، التي تعدّ واحدة من طبقة سياسية فاسدة جثمت على البلد فأنهكته، على الانتخابات لتوسيع نفوذها والتمكن من مفاصل الدولة أكثر.
ويُرجح بعض المراقبين أن تسفر الانتخابات عن تشكيل حكومة توافقية، مكوّنة من نفس الطبقة السياسية التي تظاهر الملايين من العراقيين ضدها على مدى أشهر عديدة، وبالتالي تبدد أي آمال كبرى في التغيير، فالميليشيات التي تظاهر العراقيون ضدّها لا تزال ضمن التركيبة السياسية في البلاد، وترشحت للانتخابات في قوائم مشتركة وتتخفى أيضا وراء مرشحين مستقلين من المتوقع أن يستيقظ فيهم انتماؤهم الحزبي بعد الانتخابات.
ومن بين المرشحين الذين يخوضون الانتخابات العامة في العراق هذا الأسبوع زعيم في واحدة من أكثر الميليشيات تشددا وقوة في البلاد، والتي تجمعها علاقات وثيقة مع إيران وقاتلت القوات الأميركية في السابق.

بسام القزويني: إيران دفعت بالمتشددين للانخراط في السياسة
وانضم حسين مؤنس إلى قائمة طويلة من المرشحين من بين الفصائل الشيعية التي تدعمها إيران المتنافسة على مقاعد في البرلمان، لكنه كان أول من شارك وهو يحمل علاقة علنية بكتائب حزب الله، مما يشير إلى دخول الجماعة المتشددة رسميا في السياسة.
وتبقى الجماعة مدرجة على قائمة أميركية لمنظمات إرهابية ويتهمها مسؤولون من الولايات المتحدة باستهداف القوات الأميركية في العراق. وسُجن مؤنس لمدة أربع سنوات من 2008 إلى 2012 لقتال القوات الأميركية.
وقال مؤنس في تقرير لوكالة “أسوشيتد برس” من مكتبه من بغداد “دخولنا إلى السياسة واجب ديني. لقد قاتلت المحتلين عسكريا والآن سأقاتلهم سياسيا”.
ويقول مؤنس (50 عاما) إنه تخلى عن زيه العسكري لصالح السياسة. وهو يرأس الآن حركة سياسية تسمى “حركة حقوق”، تقدم 32 مرشحا وبرنامجا انتخابيا ينادي بخروج القوات الأميركية من العراق.
وتعرضت جماعة كتائب حزب الله لقصف من القوات الأميركية بالقرب من الحدود العراقية – السورية عدة مرات. وفي ديسمبر 2019 نفذت الولايات المتحدة ضربات استهدفت مواقع عسكرية تابعة للتنظيم بعد أن اتهمتها بالتورط في هجوم صاروخي أدى إلى مقتل مقاول دفاعي أميركي في مجمع عسكري بالقرب من كركوك شمال العراق. وقتل نحو 20 من رجال الميليشيا.
وتزيّن إعلانات حملة حركة حقوق شوارع المناطق ذات الأغلبية الشيعية في بغداد وجنوب العراق.
ويجري العراق انتخابات في العاشر من أكتوبر، وهي خامس انتخابات برلمانية منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للإطاحة بنظام صدام حسين في 2003، والذي حوّل قاعدة السلطة في البلاد من الأقلية العربية السنية إلى الأغلبية الشيعية.
وتشكّل هذه الانتخابات التي كان موعدها الطبيعي العام 2022، واحدة من التنازلات القليلة التي قدّمتها السلطة إلى الشارع إثر الموجة الاحتجاجية غير المسبوقة في العام 2019 التي خرجت ضدّ الفساد وهدر المال العام، وطالب مشاركون بها بإسقاط النظام كاملا.
وفي حين سمح قانون انتخابي جديد للمزيد من المستقلين بالترشح، تواصل الجماعات الشيعية الهيمنة على المشهد الانتخابي مع توقع سباق متشدد بين الأحزاب الموالية لإيران وميليشياتها (وأكبرها ائتلاف الفتح) والكتلة السياسية للقوميين الشيعيين خلف مقتدى الصدر، الفائز الأكبر في انتخابات 2018.
ويضم ائتلاف الفتح قادة مرتبطين بوحدات الحشد الشعبي شبه العسكرية، وهي مجموعة مظلة لميليشيات معظمها موالية لإيران، بما في ذلك كتائب حزب الله. لكن الجماعة خسرت بعض شعبيتها في أعقاب احتجاجات 2019، حيث اتُّهم نشطاء الفصائل المسلحة المتشددة بقمع المتظاهرين بوحشية باستخدام الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود.
وغالبا ما كان المحتجون الذين يطالبون بالتغيير والإصلاح ينتقدون التدخلات الإيرانية العنيفة في السياسة العراقية. وقُتل أكثر من 600 شخص وجُرح الآلاف خلال الاحتجاجات التي استمرت لأشهر.
ويقول محللون إن دخول كتائب حزب الله (الجماعة مستقلة عن المجموعة اللبنانية التي تحمل الاسم نفسه) السباق الانتخابي قد يكون محاولة من جانب إيران لتقوية حلفائها داخل البرلمان العراقي.
وقال المحلل السياسي المقيم في بغداد بسام القزويني إن إيران دفعت المتشددين للانخراط في السياسة بعد حركة الاحتجاج في 2019. وتابع “تفتح حركة حقوق الباب للفصائل المتشددة لدخول عالم السياسة ومبنى البرلمان”، مضيفا أنه لم يتوقع فوزها بالكثير من المقاعد.
الجماعات الشيعية تُواصل الهيمنة على المشهد الانتخابي مع توقع سباق متشدد بين الأحزاب الموالية لإيران وميليشياتها
ويزعم مؤنس أن أسباب دخوله السياسة هي خيبة أمل الناس من الوضع السياسي الحالي وفشل السياسيين في تنفيذ الإصلاح، قائلا “لذلك نحن نشارك من أجل إحداث التغيير”. وفي حال فوزه، قال إنه سيعمل من داخل البرلمان على “استعادة السيادة العراقية من خلال جعل المحتل يرحل”.
وردّا على سؤال حول انتشار الأسلحة خارج سيطرة الدولة، قال “يمكننا مناقشة الأمر عندما لا يعود الاحتلال الأميركي موجودا. عندها لن تكون هناك حاجة لحمل السلاح”.
وخلال السنوات الماضية أسندت الميليشيات الشيعية لنفسها مهمّة “مقاومة” الوجود العسكري الأجنبي على الأراضي العراقية، والأميركي تحديدا على اعتبار أنّ الولايات المتّحدة هي العدوّ الأول في نظر إيران المشغّلة الأصلية لتلك الميليشيات.
وتجني تلك الميليشيات دخلا من مجموعة من المصادر والأنشطة التجارية غير المشروعة في العراق، بينما تسمح سيطرتها المتزايدة على مؤسسات الدولة العراقية باستغلال عائدات نقاط التفتيش ومراقبة الحدود وعدّة مشاريع غير قانونية. وهي باختصار لا تحترم القانون العراقي أو الأنظمة التي تحكم القوات المسلحة العراقية وموظفي الحكومة أو أي قانون دولي، ومن شأن اكتسابها تمثيلا قويا داخل البرلمان العراقي القادم أن يمنحها مساحة أكبر لتوسيع نفوذها في البلاد وإحكام سيطرتها عليها.