الانتخابات السورية والتضليل الدولي

السبت 2014/04/26

الإعلان عن ترشيح الرئيس السوري بشار الأسد للانتخابات الرئاسية القادمة المزمع إجراؤها في أوائل يونيو القادم، يشكل ضربة قاصمة للجهود السياسية الدولية، كما يبيّن أن الحلول السياسية قد فشلت وأن الأولوية لا بل الحسم النهائي هو للحل العسكري.

وهذا الإعلان لا يشكل مفاجأة للمراقبين والمتابعين للشـأن السوري، إذ أن ما يسمى بأصدقاء سوريا لـم يقدموا أي حل للشعب السوري لا سياسيـا ولا ميدانيا منذ انطلاق الثورة السورية المبـاركة وحتى جنيـف2. ولم تقم أميركا بالضغط علـى روسيا لتضغـط بدورها على النظام السوري للقبـول بالحل السياسي، وتشكيل هيئة حكـم انتقـالي في سوريا (رغم الضجة الهائلة لضرورة عقده وتعليق الآمال التفاؤلية لنجاحه).

بينما كانت إيران وروسيا أكثر وضوحا وأكثر دعما للنظام السوري، هذا النظام الذي ظل وفيا لحلفائه هاهو يعلن عن ترشح رئيسه للانتخابات القادمة، ليقطع الشك باليقين أن الحلول السياسية انتهت إلى غير رجعة- على الأقل في الفترة الراهنة وفي ظل موازين القوى الحالية- وها هو يستخف بكل دول العالم عدا حليفيه الأساسيين- إيران وروسيا. ورغم الاستغراب أو التنديد أو النقد الموجه للنظام السوري من جهات محلية وإقليمية ودولية، إلا أن النظام لا يهتم بها ولا يمنحها أي وقت أو هيبة، طالما أن معظم التصريحات الدولية، وأهمها تصريحات الرئيس الأميركي بأن استخدام الكيماوي خط أحمر، لم تنفذ وبقيت مجرد تصريحات نارية للاستهلاك الإعلامي. استطاع النظام اختبار جديتها على أرض الواقع، فاكتشف أنها تصريحات فارغة من المضمون العملي الحقيقي، فراح يتمادى في الحلول العسكرية ورغم اشتراك وفده في مؤتمر جنيف2، إلا أنه بقي متمسكـا بشروطـه ومقولاته، وذلك لشراء الوقت، والمضي في العنف الممارس ضد الشعب السوري.

لقد قدمت المعارضة السورية متمثلـة بائتلاف الثورة وقوى المعارضة السوريـة، فرصة ذهبية ثمينة للعالـم بقبولهـا حضور اجتماعات جنيف2، لكـن لم يتـم استغلال هـذا الحضور لإيجاد حـل سلمـي للأزمـة السوريـة. ورغم فشل جنيف2، ورغم المعارك الطاحنة بين النظام والمعارضة ودفع خسائر من كلا الطرفيـن، إلا أن القـوى الكبـرى لا زالت تردد النغمة ذاتها بأن الحل سلمي وليس عسكريا، بينما النزوع العسكري للنظام يفعل مفعوله التدميري الكاسح أمام مرأى ومسمع هذه القوى التي تستهتر بعقول السوريين كما بعقول المحللين والمتابعين الموضوعيين للحدث السوري الكبير، وهذا يشكل تضليلا دوليا واضحا وجليا، ويتطلب من المتابعين التركيز عليه جيّدا خاصة بعد نبـأ ترشح الرئيـس السـوري للانتخابات الرئاسية القادمة.

إنها لعبة النظام وفرصته التي تقضي باستخدام العنف وعدم الاعتبار والاهتمام بالقوى الدولية وبخاصة أميركا، والتي أتقنها بمهارة بالغة، ومن غير المتوقع أن تتحرك القوى الدولية لإيقافه عن المضي في عملية الترشيح والانتخاب، وإنما من المتوقع أن تجرى الانتخابات السورية بصورة شكلية دون إشراف دولي لتسفر عن فوز الرئيس السوري بولاية ثالثة، وستظل الردود مندّدة وناقدة دون أي تغيير على أرض الواقع، سوى احتمال التغيير بفعل القوة الذاتية للمعارضة السورية المسلحة- الجيش الحر وباقي الفصائل المعارضة المسلحة- التي تتحرك بشكل حثيث لإسقاط النظام عسكريا وبقوة الواقع رغم الخلافات والتمزقات في صفوفها.

ولكـن قـد تحـدث مفاجـآت ميدانيـة ودولية على إثرهـا بعـد أن يسلّم النظـام أسلحتـه الكيمائية بصورة كاملـة، مثلا كأن تبدأ معركة قوية يخوضها الجيـش الحر ومعه باقي الفصائل المعـارضـة المقاتلـة ضـد النظـام بعد أن تُمنح أسلحة نوعية لتغيير موازين القوى، وربما يؤدي ذلك إلى إسقاط النظام، ويبقى هذا احتمالا نادر الحدوث بسبب عدم جدية أصدقاء الشعب السوري طيلة الثورة السورية منذ انطلاقتها وصولا إلى إعلان النظام ترشيح الأسد.


كاتب سوري

8