الانتخابات الأميركية تحدد مدى اتساع فجوة العلاقات عبر الأطلسي

سياسة الرئيس الأميركي المشددة تجاه أوروبا أحدثت شرخا في العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
الثلاثاء 2020/10/20
اتجاهات متباينة لروح العلاقات التاريخية

يرى محللون سياسيون أن الفجوة ستبقى تتسع بين ضفتي الأطلسي سواء فاز الجمهوري دونالد ترامب بولاية ثانية أم منافسه الديمقراطي جو بايدن، وذلك لأسباب عدة، ظهرت بوادرها منذ الانتخابات الأميركية الماضية، حيث ازدادت حدة التوترات بين الولايات المتحدة وحلفائها التاريخيين في أوروبا واتسعت الهوة بين الطرفين ومن المستبعد إزالة الخلافات العالقة قريبا.

فرانكفورت (ألمانيا) - تظهر سيرورة العلاقات الدبلوماسية والتجارية والعسكرية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة منذ تولي دونالد ترامب منصب الرئاسة أن الطرفين ليسا على ما يرام، ويبدو أنهما سيمران بمراحل جذب وشد جديدة أيا كان الفائز في الانتخابات الأميركية المقررة بعد أسبوعين من الآن.

وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تدرك جيدا أن الاتحاد الأوروبي سيعيش “حالة غير عادية”، فقد استقبلت فوز ترامب في انتخابات 2016 بتحذير استثنائي مفاده أنها ستتعاون مع الرئيس الأميركي شرط احترامه القيم الديمقراطية، لكن الأمور لم تتحسن على الإطلاق.

ويعلم المتابعون كيف تبادل الطرفان التعليقات اللاذعة حول الإنفاق الدفاعي داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مرورا بالشقاق الذي لازمهما بخصوص الاتفاق النووي الإيراني ليصلا إلى نقاط خلاف لم يتوقع أن تظهر وفي مقدمتها التعاملات التجارية وانتهاء بسحب واشنطن قواتها من ألمانيا والبحث عن مكان جديد يحتضن قيادة أفريكوم.

واليوم وبعد أربع سنوات، أحدثت خطوات ترامب المشددة في السياسة الخارجية، والتي كشف عنها مرارا بتغريدات معبّرة عن غضبه، شرخا ليس مع ألمانيا فقط، بل مع معظم دول أوروبا، وهذا ما جعل سودها ديفيد – ويلب المحللة بمركز صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة تقول إن “العلاقة عبر الأطلسي باتت فعليا على جهاز الإنعاش“.

ولدى الخبراء إحساس أنه حتى وإن فاز المرشح الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الثالث من نوفمبر المقبل، فلن يكون هناك حل سحري يردم الهوة بين الطرفين، وما يعزز موقفهم نتائج استطلاعات للرأي أجراها مؤخرا مركز بيو للأبحاث بأن صورة الولايات المتحدة في أوساط الأوروبيين تراجعت إلى مستويات قياسية، حيث لم يعد إلا 26 في المئة من الألمان ينظرون بشكل إيجابي الآن إلى القوة العظمى.

وبينما يرى بروس ستوكس من مركز شاتهام هاوس أنه يمكن إرجاع “الحكم القاسي” هذا إلى الاعتقاد السائد بأن حكومة ترامب “أساءت إدارة أزمة كورونا المستجد”، تعتقد ديفيد – ويلب أن الأوروبيين ينظرون إلى الولايات المتحدة ويعتقدون أن هناك العديد من المسائل الداخلية التي تفكك البلاد وبالتالي كيف يمكنها أن تكون شريكا جيدا في وقت كهذا.

سودها ديفيد – ويلب: سياسات ترامب أدخلت العلاقات مع أوروبا إلى غرفة الإنعاش
سودها ديفيد – ويلب: سياسات ترامب أدخلت العلاقات مع أوروبا إلى غرفة الإنعاش

وانطلاقا من انسحابها من اتفاقية باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني وصولا إلى فرض رسوم على واردات الفولاذ والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي وإضعاف منظمة التجارة العالمية، وجّه ترامب ضربة تلو الأخرى للتعددية، التي يوليها الأوروبيون أهمية بالغة كنهج في التعامل مع التحديات الدولية.

وصدم حلفاء بلاده حينما وصف الاتحاد الأوروبي بأنه خصم في مجال التجارة بينما “أخاف الناس” بتودده لروسيا، بحسب ستوكس، الذي يؤكد أنه لطالما كانت ألمانيا، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، في عين عاصفة غضب ترامب لأسباب عديدة لعل أبرزها إخفاقها في بلوغ أهداف الناتو للإنفاق على الدفاع.

وحتى على المستوى الشخصي، لا يخفي أي من أقوى نساء أوروبا، التي تغادر منصبها العام المقبل، وسيد البيت الأبيض عدم استلطاف أحدهما الآخر. وبخلاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي حاول إثارة إعجاب ترامب عبر عرض عسكري وعشاء مبهر في برج إيفل قبل أن تتردى العلاقات بينما، لم تحاول ميركل يوما ملاطفة الرئيس الأميركي المتقلّب.

وطغى الفتور على العلاقات أكثر في يونيو الماضي بعدما رفضت ميركل دعوة لحضور اجتماع لمجموعة الدول السبع في واشنطن جرّاء المخاوف المرتبطة بالوباء. وعقب ذلك بوقت قصير، أعلن ترامب أنه سيخفض عدد الجنود الأميركيين المنتشرين في ألمانيا. وعلق ستوكس على ذلك بالقول إن “لديه مشكلة حقيقية في التعامل مع النساء القويات”.

ومع كل ذلك، أقام ترامب بعض الصداقات في أوروبا، على غرار رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي يشاطره معاداة المهاجرين. وأعرب الأخير علنا عن دعمه إعادة انتخاب الرئيس الجمهوري.

وقالت جاستينا غوتكوسكا من مركز دراسات الشرق إن بولندا، التي ستستفيد من إعادة نشر ترامب قوات بلاده، اختبرت “إعادة انخراط الولايات المتحدة”، كما تشارك الإدارة الأميركية معارضتها مشروع نورد ستريم 2 المثير للجدل لمد أنابيب غاز بين روسيا وألمانيا.

وستكون المفاجأة في حال فوز بايدن، حيث تتوقع ديفيد – ويلب أن يجري نائب الرئيس الأسبق زيارة إلى أوروبا بعد وقت قصير من فوزه، حال تحقق ذلك، والانضمام إلى اتفاقية المناخ وإعادة إطلاق المحادثات النووية مع إيران. لكن ستتواصل الحساسيات المرتبطة بالإنفاق الدفاعي ونورد ستريم 2 وحملة واشنطن ضد مجموعة هواوي الصينية العملاقة للتكنولوجيا.

وفي مواجهة اقتصاد أثقل كوفيد – 19 كاهله، سيتحاشى بايدن على الأرجح اتجاهات ترامب الأكثر حمائية، لكن يرجّح أن تستمر رؤية ما قائمة على شعار ترامب المفضل “أميركا أولا” للصناعات الأكثر حساسية لبعض الوقت. وهنا يلفت ستوكس انتباه الأوروبيين بدعوتهم إلى أن يفهموا أن إدارة بايدن ستكون منشغلة للغاية بالشؤون الداخلية.

ويعني ذلك أن بايدن سيحيط نفسه على الأغلب بسياسيين متمرّسين في الشؤون الخارجية يمكن الاعتماد عليهم بدرجة أكبر من العادة لإعادة ترتيب الأمور بل حتى وضع مسار جديد، ولكن في حال إعادة انتخاب ترامب، فسيكون هناك الكثير من الترقّب في العواصم الأوروبية بانتظار أربع سنوات أخرى عاصفة.

لكن حتى وإن فاز ترامب بولاية ثانية فمن الممكن جدا للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تشكيل جبهة موحدة عندما يصب الأمر في مصلحة الجانبين في مسائل على غرار كورونا أو السياسات حيال الصين.

وقال المسؤول الألماني في الحكومة الألمانية عن العلاقات عبر ضفتي الأطلسي بيتر باير لوكالة الصحافة الفرنسية مؤخرا إن “حربا باردة جديدة بين واشنطن وبكين انطلقت بالفعل وعلى أوروبا الوقوف جنبا إلى جنب مع الأميركيين لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي”.

6