الاعتداء على الكنائس يكشف انتشار الكراهية الدينية بين الأتراك

إسطنبول- يعكس اعتداء مجهولين على كنيسة صورب طقاور في إسطنبول تغلغل الكراهية في صفوف الأتراك، فيما يحمّل مراقبون حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا مسؤولية تفاقم الكراهية الدينية داخل المجتمع.
ورغم أن متحدث حزب العدالة والتنمية التركي عمر جليك ندد بانتهاك حرمة كنيسة صورب طقاور، إلا أن ذلك يظل غير كاف في خضم الكراهية التي تتنامى في تركيا ضد العرقيات والأديان.
وقال جليك في تدوينة على وسائل التواصل الاجتماعي الاثنين إن مجموعة من الأشخاص صعدوا على جدار الكنيسة وقاموا بتصرفات لا تليق بحرمة الأماكن الدينية. وأضاف “انتهاك المعابد إهانة للجميع، ونعتبر أي عمل يستهدف المساجد والكنائس والمعابد اليهودية استفزازا وندينه باسم الإنسانية”.

عمر جليك: انتهاك المعابد إهانة للجميع وندين ذلك باسم الإنسانية
وأدان رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخرالدين ألطون الحادثة، وقال “إن المعابد أماكن مقدسة لا يجوز المساس بها”.
وشدد على ضرورة مثول منتهكي حرمة الكنيسة أمام القضاء. وفي وقت سابق قام ثلاثة شبان بالصعود على جدار الكنيسة المذكورة والرقص على أنغام الموسيقى.
وأثار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غضب العالم المسيحي والأقليات المسيحية بعد أن قرر تحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد في يوليو الماضي.
وكان أردوغان شارك الآلاف من المسلمين في أوّل صلاة تُقام في آيا صوفيا، عقب تحويلها المثير للجدل إلى مسجد وهو ما أغضب المجتمعات المسيحية وأثار انتقادات دول مثل الولايات المتحدة وأوروبا.
وينظر على نطاق واسع إلى توظيف الرئيس التركي للمقدس على أنه جزء من أجندة سياسية داخلية لتثبيت قاعدته الانتخابية التي تراجعت بشكل ملحوظ مع بداية غير موفقة لعهدته الرئاسية الأخيرة، لكن ذلك ليس السبب الوحيد فاستعداء العالم المسيحي والرغبة في تقويض مبادئ تركيا العلمانية أحد أبرز الأهداف على المدى المنظور.
وكشفت منظمة حقوق الإنسان المسيحية الدولية التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، عن زيادة ملحوظة في حوادث انتهاكات الحرية الدينية المبلغ عنها في تركيا مع مطلع العام 2021.
وقالت المنظمة في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني إن اللوائح الحكومية تمنع وصول المسيحيين بشكل اعتيادي إلى الكنائس، حيث تعتبر مبانيها مصدر دخل من قبل الدولة التي تواصل تحويل بعضها إلى مساجد.
ويرى مراقبون أن السلطات التركية تتجاهل عن قصد متابعة القضايا التي تشمل ضحايا مسيحيين إلى جانب تجاهل الاهتمام بكنائس البلاد التي يتم تحويل المزيد منها إلى مساجد أو متاحف.

كلير إيفانز المديرة الإقليمية للشرق الأوسط في منظمة حقوق الإنسان المسيحية الدولية: لاحظنا تزايد انتهاكات الحرية الدينية في تركيا على مدار سنوات
وفي يوليو أعادت تركيا فتح موقع آيا صوفيا الشهير في إسطنبول أمام عبادة المسلمين كمسجد بعد أن قضت أعلى محكمة إدارية في البلاد بأن تحويل المبنى عام 1934 إلى متحف في تركيا من قبل رجل الدولة المؤسس للجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك أمر غير قانوني، وهو ما أثار استياء دوليا.
وتشمل بعض التغييرات أيضا ترميم كنيسة القديس ميخائيل في مقاطعة طرابزون بهدف إعادة افتتاحها كمتحف، وتدمير كنيسة القديس طوروس الأرمنية في مقاطعة كوتاهيا.
وشددت المنظمة المسيحية الدولية على أن المحاكمات المتعلقة بأعضاء الأقلية المسيحية في البلاد قد توقفت بشكل مؤقت.
ونقلت منظمة حقوق الإنسان المسيحية الدولية عن كلير إيفانز المديرة الإقليمية للشرق الأوسط قولها “لقد لاحظنا تزايد انتهاكات الحرية الدينية في تركيا على مدار سنوات.. وإن التصعيد السريع لهذه الانتهاكات مقلق للغاية، وهي تسير بالتوازي مع تصعيد مماثل في البلدان التي يوجد فيها لتركيا وجود عسكري”.
واتهمت المنظمة مؤخرا تركيا وأذربيجان بتدمير الكنائس والمواقع الدينية الأخرى، وإساءة معاملة أسرى الحرب، والتعاون مع متطرفين إسلاميين معروفين كمقاتلين مرتزقة، بمن فيهم أعضاء في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، للمساعدة في استعادة السيطرة على منطقة ناغورني قره باغ المتنازع عليها في المعارك الأخيرة من القتال مع أرمينيا، الدولة المسيحية.
وكانت المنظمة قد كشفت أغسطس الماضي أن فصيل فيلق الشام، الذي يُعتبر من أقوى الفصائل السورية المسلحة التابعة لتركيا وأكثرها تشددا، يقوم باعتقال أكراد سوريين مسيحيين.

تركيا أعادت فتح موقع آيا صوفيا أمام عبادة المسلمين كمسجد بعد أن قضت أعلى محكمة إدارية في البلاد بأن تحويل المبنى عام 1934 إلى متحف أمر غير قانوني
ومؤخرا تضمن تقرير الحريات الدينية في العالم لعام 2020 الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية اتهامات واسعة لتركيا.
وقال التقرير إنه في عام 2019 ظلت ظروف الحرية الدينية في تركيا “مقلقة”، مع استمرار السياسات الحكومية التقييدية والتدخل في الممارسات الدينية وزيادة ملحوظة في حوادث التخريب والعنف المجتمعي ضد المتدينين المنتمين لأقليات.
وجاء في التقرير أنه على مدار العام الماضي استمرت الحكومة التركية في فصل واحتجاز واعتقال الأفراد المنتسبين أو المتهمين بالانتماء لرجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، الذي تعتبره أنقرة مدبرا لمحاولة انقلاب فاشلة في 2016.
واتهم التقرير الحكومة التركية بانتهاك الحرية الدينية للعلويين، أكبر الأقليات الدينية في البلاد، وقال إنهم لا يزالون غير قادرين على الحصول على اعتراف رسمي بدور العبادة الخاصة بهم على الرغم من وجود حكم من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يؤكد أن هذه السياسات تنتهك حقوق العلويين.
ويؤكد محللون أن تدمير تراث تركيا الأرثوذكسي الإسلامي المزدوج، كما هو الحال بالنسبة إلى رغبة أردوغان في إعادة تحويل الكنائس إلى مساجد، سيكون ضربة للتعددية الدينية والتسامح في البلاد، فيما نشرت منظمات مثل المعهد الهيليني الأميركي مرارا وتكرارا حقيقة أن تركيا تمحو تراثها الديني والثقافي من خلال قمع حرية الأقليات الدينية في العبادة.