الاستخبارات تعزز الدور الإقليمي لمصر في مكافحة الإرهاب

القاهرة- يستحوذ التعاون الاستخباراتي على قدر كبير من المحادثات التي تجري بين مصر ودول عربية وأفريقية، ولم تستسلم لتردد بعض القوى في مواجهة تصاعد وتيرة الإرهاب في مناطق قريبة منها، وسعت لتدشين تحالفات ثنائية وجماعية وتطوير أداء الأجهزة المعلوماتية وترسيخ التعاون الاستراتيجي مع بعض الدول.
واختتم الاجتماع السابع عشر للجنة أجهزة الأمن والاستخبارات الأفريقية “سيسا” الاثنين أعماله في القاهرة التي تسلمت رئاسة اللجنة من نيجيريا لمدة عام.
وناقش الاجتماع آليات تحقيق التكامل الأمني والتنسيق ورفع القدرات الاستخباراتية لأربع وخمسين دولة تشارك في اللجنة لمساعدتها في التغلب على المخاطر الأمنية.
وتعد “سيسا” لجنة منبثقة عن مجلس الأمن والسلم الأفريقي التابع للاتحاد الأفريقي وتهتم بالتحليل الاستخباراتي الاستراتيجي حول مهددات السلم والأمن في القارة، وتقوم بتزويد المجلس بالمعلومات اللازمة ضمن أمور أخرى لحفظ السلام وفض النزاعات.

نصر سالم: التعاون الاستخباراتي يحقق أهدافا سياسية مهمة لمصر
ويربط مراقبون بين الاجتماع الأخير الذي رعته القاهرة على مدار يومي الأحد والاثنين الماضيين، وبين المنتدى العربي الاستخباراتي الذي تأسس العام الماضي بدعوة من جهاز المخابرات المصرية وانعقد في القاهرة الشهر الماضي، إلى جانب تفعيل “مركز مكافحة الإرهاب لتجمع دول الساحل والصحراء”، والذي انطلقت أولى اجتماعاته في القاهرة أيضًا مطلع الشهر الماضي.
وبدا أن هناك عاملا مشتركا بين الرسائل المصرية التي وجهها الرئيس عبدالفتاح السيسي للاجتماعات الثلاث، إذ تركز على تعزيز العمل المشترك في المجالات الأمنية والمعلوماتية وتبادل التقييمات للأخطار التي تجابه المحيطين العربي والأفريقي لمصر، والتأكيد على القدرات التي تمتلكها القاهرة لمساعدة الأجهزة ذات الإمكانيات المحدودة، لتدشن تحالفات قائمة على المعلوماتية وليس فقط التعاون الأمني.
وأشار السيسي خلال كلمته بالفيديو كونفرانس أثناء انعقاد اجتماع “سيسا” إلى أهمية الأدوار التي يجب أن تلعبها اللجنة في مواجهة الإرهاب العابر للحدود بمختلف أشكاله، والذي يعمل على تفتيت المجتمعات وهدم مفاهيم الدولة الوطنية لصالح ترويج أفكار متطرفة تدعو إلى كراهية الآخر، وعرقلة كل ما من شأنه دفع الإنسانية إلى الأمام، ويُربك خطى الدول الأفريقية تجاه تحقيق تنميتها.
وقالت مصادر أمنية لـ”العرب” إن القاهرة لديها رغبة في نقل تجربتها في التعامل الأمني مع التنظيمات الإرهابية إلى الدول المحيطة، وتعمل على ترسيخ علاقاتها من بوابة العمل الاستخباراتي الذي يشكل عاملا مهما لتعزيز الثقة بين الدول، وتوظف تزايد المخاوف من إعادة إنتاج الإرهاب عبر توطينه في أفريقيا.
ومازالت هناك دول أفريقية ترسم خطوط المواجهة مع تضاعف الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي سبع مرات تقريبًا منذ عام 2017، وتجد تلك الدول صعوبة في التصدي لموجات العنف وتعوّل على تعاون أكثر فاعلية مع دول عربية تستشعر خطر تنامي الإرهاب في أفريقيا، وهو ما يُفسر زيادة التحركات المصرية.
وأضافت المصادر ذاتها أن القاهرة لديها مخاوف من حدوث انتكاسات على مستوى النجاحات التي حققتها في الداخل في مجال مكافحة الإرهاب وثقة من أن تصاعد وتيرة الإرهاب في أفريقيا سوف تكون له ارتدادات مستقبلية على الداخل.
وتعمل على تطويق الأخطار ضمن خطط مواجهة التنظيمات الإرهابية التي تركز حاليًا على التحركات الخارجية لتضييق الخناق ومنعها من الوصول إلى حدودها.
وتسعى الحكومة المصرية للبناء على الخطوات السابقة التي أقدمت عليها عبر تدريب العناصر الاستخباراتية والأمنية في العديد من الدول العربية والأفريقية، واستطاعت من خلالها تكوين شبكات من العلاقات الثنائية التي تُمكّنها من الانتقال إلى التعاون الإقليمي الجماعي.

يحيي الكدواني: مصر تبحث عن التكامل الاستخباراتي في تتبع الإرهابيين
وتبدو القاهرة قادرة على إقناع العديد من الأجهزة بأهمية التعاون المشترك، لأن خطط مكافحة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة التي يروّج لها التحالف الدولي ضد تنظيم داعش لم تحقق الكثير من النتائج المرجوة على الأرض.
وأوضح رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق بالجيش المصري اللواء نصر سالم أن مواجهة الإرهاب العابر للحدود تتطلب تنسيقاً فاعلاً بين الأجهزة الاستخباراتية لتحقيق تكامل المعلومات المفقود بشأن تحركات العناصر الخطرة التي تتنقل بسهولة في مناطق رخوة واستطاعت أن تنقل بعض تمركزاتها من آسيا إلى عمق أفريقيا، وأن القاهرة لديها رغبة في أن تكون هناك معلومات مسبقة متوافرة للجميع ضد أيّ تهديدات أو مخاطر ما يساعد على اتخاذ القرارات السليمة.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن مصر تسعى للاستفادة من المعلومات التي جمعتها عن تحركات الخلايا الإرهابية بين بلدان القارة، وتريد تقديم يد العون للأجهزة التي لا تمتلك إمكانيات فنية أو لوجستية ولا توجد لديها ممانعات من توسيع قاعدة تدريب العناصر الأمنية وإمدادها بالخبرات اللازمة للتعامل مع الأخطار المختلفة.
وذكر اللواء نصر سالم أن التعاون الاستخباراتي يحقق أهدافا سياسية مهمة، ولعل التطور الحاصل على مستوى العلاقات مع دولة مثل تركيا يعود إلى التنسيق الاستخباراتي الذي دائما ما يكون بعيداً عن التوجهات السياسية لزعماء الدول، وما لا يمكن قوله في العلن من المقبول التطرق إليه في الغرف المغلقة.
وذهب متابعون للتأكيد على أن ما يمكن وصفة بـ”دبلوماسية مكافحة الإرهاب” يمكن أن تخفف كثيراً من الخلاف في التقديرات السياسية بين الدول، واستراتيجية الانفتاح المصري على العديد من القوى يمكن أن تعزز التعاون على المستوى المعلوماتي.
ولفت عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري اللواء يحيى الكدواني إلى أن القاهرة تنتهج سياسة تقوم على تقديم ملفات الأمن الإقليمي لتكون على رأس طاولة النقاش مع دول قريبة من محيطها الحيوي، وهو ما يُفسر الأدوار المتصاعدة لجهاز الاستخبارات المصري على مستوى تعزيز العلاقات الإقليمية والدولية.
وكشف في تصريح لـ”العرب” أن القاهرة لديها تحفظات على طريقة إدارة المجتمع الدولي للموجات الإرهابية المتصاعدة في أفريقيا التي أضحت مرتعاً لقوى متصارعة، وتبحث إلى جانب دول أخرى متضررة عن تحقيق التكامل المفقود في المعلومات بشأن تحركات الخلايا الإرهابية في بعض مناطق القارة.
لكن ما تذهب إليه القاهرة عبر تعزيز أوجه التعاون الاستخباراتي سيكون بحاجة إلى تنسيق أكبر على مستوى دولي وقد تصطدم رؤى مصر بتوجهات قوى نافذة وقادرة على تحييد مواقف بلدان أفريقية.
وفي تلك الحالة فإن ما يجري التأسيس له عبر اللجان التابعة للاتحاد الأفريقي أو على مستوى جامعة الدول العربية قد لا يحقق المرجو منه عمليا.