الاستثمارات الخليجية في التعليم لم تكن عوائدها موازية لنفقاتها

دور ضئيل للتعليم العام في القطاع الإنتاجي.
الثلاثاء 2022/01/11
جهود حثيثة لتطوير التعليم في الإمارات

خلصت الباحثة والأكاديمية الإماراتية المتخصصة في التنمية الاقتصادية شيخة سيف الشامسي في كتابها “التعليم والتنمية المستدامة بدول الخليج العربي.. الإمارات العربية المتحدة نموذجا” إلى أن الاستثمارات الخليجية في التعليم لم تعط عوائد موازية لنفقاتها، مشيرة إلى أنه على القائمين على القطاع تجسير الفجوة بين متطلبات سوق العمل والبرامج التدريسية.

يحظى التعليم في دول الخليج العربي باهتمام واسع من قبل حكوماته، إيمانا بأن العقول المفكرة المبدعة هي التي تصنع التقدم وتستثمر بدراية ووعي تقدم الآخرين؛ فالتعليم يؤهل أفراد المجتمع للاستفادة من التطور العلمي والمساهمة فيه، وكلما ارتفع مستوى تعليم أفراد المجتمع أصبحت القدرة الإنتاجية للدولة أكثر كفاءة في الإنتاج المادي أو الثقافي أو العلمي، والإنفاق على التعليم يعدا استثمارا في الفرد الذي يسعى لتطوير ذاته، وإذا كان إتقانه لعمله يحظى بأجر أعلى من غيره فسيعوضه التكاليف التي تحمّلها وأنفقها، وكذلك الدول في إنفاقها على التعليم تضمن تحقيق دخل قومي أعلى في المستقبل.

انطلاقا من هذه الرؤية سعت الباحثة والأكاديمية الإماراتية المتخصصة في التنمية الاقتصادية شيخة سيف الشامسي في كتابها “التعليم والتنمية المستدامة بدول الخليج العربي.. الإمارات العربية المتحدة نموذجا” لمتابعة واستعراض وتحليل أحوال التعليم وجهود التنمية المستدامة في دول الخليج العربي، لتقدم رؤية متكاملة إلى حد بعيد للتعليم في تلك الدول، طارحة في النهاية رؤية مستقبلية في إطار مبادئ التنمية المستدامة بتجلياتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، حيث تقترح ما يسهم في تنوع هيكل الاقتصاد القومي من خلال إعداد قوة العمل القادرة على التفاعل مع منجزات اقتصاد المعرفة وتكنولوجيا المعلومات. 

شيخة سيف الشامسي: تطوير نظام التعليم لضمان جودته يُشكل أولوية للإمارات

وفي غضون هذه الرؤية تقترح الشامسي عددا من الأهداف التي يجدر أن تسعى الأنظمة التعليمية الخليجية لأن تركز على تحقيقها في المستقبل وتتمثل في: أولا تقوية الدافعية للتعلم، ثانيا بناء القيم والمهارات للعمل والحياة، ثالثا رفع مستوى الإنتاجية والتوظيف للمواطنين، رابعا تطوير سوق العمل، خامسا توجيه الطلبة إلى التخصص في المجالات العلمية والتقنية، سادسا إنشاء مراكز لدراسات العمل والبحوث التربوية، سابعا مشاركة المجتمع في إعداد الخطط التربوية.

تقول الشامسي في كتابها الصادر أخيرا عن الدار المصرية اللبنانية إن دول الخليج تبنت في الخمسينات والستينات سياسات لنشر التعليم ليصبح متاحا للجميع من أجل تطوير العنصر البشري، وحققت الكثير من التقدم في هذا المجال، ومع بداية التسعينات اتجهت هذه الدول إلى التركيز على الجودة النوعية للتعليم لضمان مستوى أفضل لمخرجاته وإعداد أفراد يتمتعون بمهارات تجعلهم أكثر إنتاجا في عملهم وحياتهم العامة والخاصة.

بمعنى آخر تم التركيز على تزويد الطالب بمهارات التفكير العليا والمهارات التقنية والشخصية وتنمية الإبداع والابتكار بمختلف مراحل التعليم العام قبل الجامعي.

وتضيف أن البيانات الإحصائية تشير إلى أن دول الخليج تندرج ضمن قائمة الدول مرتفعة الدخل، بينما هي من الدول النامية وذلك لتوفر موارد طبيعية بها قامت بتصديرها بأسعار مكنت هذه الدول من أن ينعم سكانها بمستوى معيشة ورفاهية مماثل لما يتمتع به سكان الدول المتقدمة. وبالرغم من الجهود التي بذلتها حكومات دول الخليج العربي لتطوير مواردها البشرية فإن هذه الاستثمارات في التعليم لم تكن عوائدها موازية لنفقاتها، فالناتج المحلي الإجمالي لا تزال عوائد الصادرات من المنتجات النفطية والغاز الطبيعي هي أكبر مساهم في توليده. والقوى العاملة المحلية في أغلب هذه الدول تمثل نسبة ضئيلة من العاملين في المشروعات الأساسية سواء الحكومية أو الخاصة في المجالات الإنتاجية مثل قطاع النفط والغاز أو تحلية المياه أو الاتصالات، حيث تعتمد غالبيتها على العمالة الوافدة.

وترى الشامسي أن خطط التعليم وسياساته التي تم تبنيها في دول الخليج العربي ونمط تطبيق الخطط ساهمت في إعداد القوى العاملة المحلية، ومكنتها من الاستفادة من التطورات التكنولوجية الحديثة من أجل تعزيز مساهمتها في القطاعات الإنتاجية والخدمية وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وبالرغم من هذه الجهود فإن هذه المساهمة لا تزال محدودة. ومن المعلوم أن قياس تطور جودة التعليم لا يقتصر على ما تحقق من تطور كمي سواء في رفع معدلات القيد أو زيادة عدد المدارس أو توفير المدخلات، بل يشمل أيضا ما تعلمه الطالب وما يستطيع تطبيقه في حياته وقدرته على الإبداع والابتكار عند التحاقه بسوق العمل. إن متطلبات المنافسة العالمية السائدة حاليا والتغير المتواصل في المجتمعات المنفتحة على العالم يستلزمان تزويد الطالب بقيم ومهارات خاصة. هذه القيم والمهارات تعده بحيث يكون شخصا منتجا مبتكرا، دائم التعلم، مرنا، بإمكانه توفير متطلبات السوق المفتوحة من سلع وخدمات متغيرة ومتميزة وبأسعار تنافسية ويساهم في محاربة الفساد.

وتتابع “ولتحقيق التطور المنشود في العنصر البشري عمدت دول الخليج في إطار خططها التطويرية إلى تحقيق الجودة في التعليم من خلال تعزيز الكفاءة الداخلية للنظام التعليمي. وعناصر العملية التعليمية متعددة، ومن أهمها المناهج الدراسية بمعناها الواسع من مواد تعليمية وأساليب تدريس وتقييم، والعمل على تطويرها. إلى جانب توفير البيئة التعليمية المحفزة وتطوير المعلم باعتباره أهم عناصر العملية، وقد خصصت وزارات التربية النسبة الأكبر من ميزانياتها لرواتب المعلمين، وعمدت إلى تطوير أساليب استقطابهم وتدريبهم”.

Thumbnail

وتشير الشامسي إلى أن المعضلة التي تواجهها دول الخليج هي تركز مخرجات التعليم العام في القطاع الخدمي الحكومي ودورها الضئيل في القطاع الإنتاجي وبالذات الخاص مما يحول دون الاستفادة من الاستثمارات التي تم توجيهها للتعليم من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة المنشودة، والتنمية المستدامة لها ثلاثة جوانب اقتصادية واجتماعية وبيئية، وتحقيق التنمية المستدامة في المحور الاقتصادي من أجل التحول إلى أنشطة اقتصادية أعلى إنتاجية تستفيد بشكل أفضل من التطور التكنولوجي وتساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة بالقضاء على سمات التخلف أي تحقيق أبعاد التنمية المستدامة المتمثلة في: ـ نمو الدخل ـ خفض مستوى الفقر ـ المساواة والعدالة في توزيع الدخل ـ القدرة على مواجهة التغيرات المفاجئة ـ المساهمة في توفير الاحتياجات الأساسية ـ تحقيق الجودة النوعية للحياة.

وتستهدف الشامسي في كتابها رصد دور التعليم العام قبل الجامعي في تحقيق التنمية المستدامة بدول الخليج العربي في المحور الاقتصادي، أي أثره على مؤشرات التنمية الاقتصادية المستدامة، واستعراض الجهود المبذولة لرفع جودته مع بيان عوائق تطويره. وذلك في محاولة للخروج بمقترحات لتحقيق الرؤية المستقبلية لمعالم نظام تعليمي يساهم بفاعلية في تحقيق التنمية المستدامة ويضع في الاعتبار المتغيرات المحلية والعالمية وخصوصية هذه الدول. وتتناول تجربة الإمارات في تطوير التعليم ما قبل الجامعي بشيء من التفصيل باعتبارها إحدى هذه الدول.

وتلفت إلى أن الإمارات شهدت تحديات اقتصادية واجتماعية سعت لحلها من خلال مبادرات حكومية مختلفة، وتمثلت التحديات في تحد اقتصادي نتج عنه عدم قدرة الدولة على تحقيق اقتصاد متنوع يحقق التنمية المستدامة، وتحد اجتماعي تمثل في صعوبة حصول من هم في سن العمل على وظائف تتيح لهم الاستقلال بحياتهم وتلبية متطلباتهم المالية وترفع نسبة مشاركة المواطنين في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية. 

وتتركز القوى العاملة المحلية في قطاع الخدمات الحكومية بينما تعتمد بقية القطاعات على العمالة الوافدة التي تمثل أكثر من 90 في المئة من القوى العاملة في الإمارات، وتجدر الإشارة إلى أن المستوى التعليمي للقوى العاملة المحلية أعلى من مستوى العمالة الوافدة، ففي المتوسط تبلغ نسبة الأمية بين العمالة الوافدة 17 في المئة بينما لا تتعدى واحدا في المئة للقوى العاملة المحلية، وتتوفر فرص العمل للوافدين إلا أن نسبة البطالة بين المواطنين بلغت ما لا يقل عن 12 في المئة عام 2020، ونظرا لانخفاض المستوى التعليمي لنسبة كبيرة من العمالة الوافدة، وبالتالي انخفاض مهاراتها، فإن إنتاجية العامل في دولة الإمارات أدنى من مثيلاتها في بقية دول الخليج. ومن هنا اعتبرت الدولة التوجه لتطوير التعليم وبالذات تطوير التعليم التقني والمهني إحدى الأدوات الفعالة التي يمكن بها مواجهة التحديات، وأثمرت الجهود عن تطور كبير في التعليم خاصة التقني والمهني مما أدى إلى انتقال التعليم التقني بالدولة من مستوى شبيه بالكثير من الدول النامية سابقا إلى مستوى يضاهي المستويات العالمية.

التعليم في دول الخليج العربي يحظى باهتمام واسع من قبل حكوماته، إيمانا بأن العقول المفكرة المبدعة هي التي تصنع التقدم وتستثمر بدراية ووعي تقدم الآخرين

وتذكر الشامسي أن التعليم يشكل أولوية هامة للإمارات حيث تؤكد الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021 على أهمية تطوير نظام تعليم بمعايير عالية لضمان جودته من أجل مستقبل أفضل يحقق أهداف التنمية المستدامة. وقد احتلت الإمارات المركز الأول عالميا في جذب الطلبة من الخارج للالتحاق بالتعليم العالي فيها، وأطلقت حكومتها استراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة ضمن أعمال الاجتماعات السنوية لها في سبتمبر 2017، وتهدف الاستراتيجية إلى تعزيز مكانة الإمارات كمركز عالمي للثورة الصناعية الرابعة والمساهمة في تحقيق اقتصاد وطني تنافسي قائم على المعرفة والابتكار والتطبيقات التكنولوجية المستقبلية التي تدمج التقنيات المادية والرقمية والحيوية.

وترى أنه لمعالجة مشكلة البطالة بين المواطنين لا بد من التركيز على تجسير الفجوة بين متطلبات سوق العمل والبرامج التدريسية في المؤسسات الحكومية والعمل على ضمان توجه الشباب لدراسة هذه البرامج والتخصص في المجالات التي تتوفر فيها فرص عمل سواء في القطاع العام أو الخاص ضمن خطة تطوير تأخذ في اعتبارها خصوصية المجتمع وتعالج الثغرات الموجودة فيه. وتعزيز التعليم مدى الحياة لدى أفراد المجتمع أحد أهم الأساليب التي يمكن من خلالها ضمان استمرارية التطوير للعنصر البشري المواطن لتلبية التطور السريع في سوق العمل، وهنا لا بد من إنشاء مؤسسات حكومية تعمل على ربط القطاع التعليمي بسوق العمل. وتجدر الإشارة إلى أن اتخاذ القرار الخاص بتطوير التعليم في الغالب يتم لمسايرة التطورات العالمية ومتطلبات التنافسية في السوق العالمية دون الدراسة الوافية للوضع الفعلي للمجتمع المحلي ومسببات الخلل فيه، الأمر الذي يضعف القرار التربوي، وفي إطار سعيها لمواجهة مشكلة البطالة تنظم المؤسسات الحكومية معارض الوظائف ولكنها لم تساهم بشكل ملموس في حل مشكلة البطالة، وتشير بعض الدراسات إلى أن السبب هو عدم توفر بيانات وافية عن فرص العمل المتوفرة.

وفي النقطة الأخيرة من مقترحات الشامسي لرؤيتها الخاصة بمشاركة المجتمع في إعداد الخطط التربوية تلفت إلى أن إعداد الخطط التربوية في دول الخليج العربي يتم من أعلى إلى أسفل، ولا يكون هناك متسع من الوقت لمناقشتها مما يؤدي إلى قلة الحرص على تحقيقها من قبل المجتمع، ولا شك أن إعداد الخطط المستقبلية دون اتفاق ومشاركة مختلف الأطراف لتحديد النواتج المتوقعة منها يؤثر على ما سيتحقق من الخطط التربوية. ويعتبر فهم جميع المشاركين للرؤية الجديدة وأهدافها والحرص على مساهمتهم في تنقيح وتطوير وتعديل الأهداف والاتفاق عليها لتوحيد الرؤى مرتكزا أساسيا لتحقيقها.

وتشدد الشامسي على أن وضوح الرؤية المستقبلية والقدرة على استشراف المستقبل يعدان عنصرين أساسيين يمهدان طريق تضافر الجهود لتحقيقها والاتفاق على كيفية سير العمل، وإحاطة الخطط بنوع من السرية في مرحلة إعدادها تؤدي بها إلى ألا تلقي الاهتمام الكافي في مرحلة التنفيذ، بينما دراية المجتمع بتفاصيلها يعزز ارتباطها بمجتمعها وبذلك يسعى الجميع لتحقيقها. ولا شك أن مرحلة توضيح التعريف بالخطة تتطلب بيان الوضع الحالي مدعما بإحصاءات واضحة. إن الفئة التي تخشى التغيير لمن العوائق التي تجدر مواجهتها، ولكن هذه المجموعة يجب أن يتم السير في الإجابة عن تساؤلاتها التي تتركز عادة في دور هذه الفئة المستقبلي، وأثر التغيير على نمط عملها وقناعتها بضرورة التغيير وثقتها بقدرة وزارة التربية على تحقيقها.

7