الاتحاد الأفريقي تحت رقابة دولية لمدة 6 أشهر

تعيين فاطمة سامورا مفوضة عامة لأفريقيا لبدء عملية الإصلاح بعد شبهات فساد شابت الاتحاد القاري.
الأحد 2019/06/23
تدخل إنفانتينو يجعل أحمد أحمد على فوهة بركان

إثر تصريحات لرئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) السويسري جاني إنفانتينو عن وجوب تحمل المسؤوليات لمعالجة مشاكل الاتحاد الأفريقي (كاف) قرر الطرفان تعيين الأمينة العامة للاتحاد الأول السنغالية فاطمة سامورا مفوضة عامة لأفريقيا لستة أشهر، في خطوة يتوقع أن تحدّ من نفوذ رئيس الكاف أحمد أحمد. وواجه الاتحاد القاري في الآونة الأخيرة سلسلة تحديات وأحداث مثيرة للجدل، توجت باستجواب رئيسه من قبل السلطات الفرنسية عن شبهات فساد، قبل أيام من انطلاق بطولة كأس الأمم الأفريقية المقامة في مصر.

القاهرة - أصدر الاتحادان الدولي لكرة القدم (فيفا)، والأفريقي (كاف)، بيانا مشتركا يضع الاتحاد القاري تحت إشراف ورقابة دولية لمدة 6 أشهر لتقييم الأوضاع. وقال الفيفا في بيان مشترك إن “المالغاشي أحمد أحمد رئيس الاتحاد الأفريقي اقترح على اللجنة التنفيذية، اللجوء إلى خبرة الاتحاد الدولي للعبة، لتقييم الوضع الحالي داخل “الكاف”، مما يضمن العمل بشكل شفاف ومتفق مع المعايير”.

وأوضح البيان أن “فاطمة سامورا تم تعيينها لتكون مشرفا على الكاف لمدة 6 أشهر بداية من أغسطس المقبل وستتم مساندتها من الاتحاد الأفريقي في المرحلة المقبلة لمراجعة كل شيء وتقييم الأمور”. وأضاف أن “فاطمة تستمر في تواجدها بالكاف مع منصبها في الاتحاد الدولي كأمين عام للفيفا”.

وجاء في البيان أن أحمد اقترح على اللجنة التنفيذية للكاف الأربعاء “طلب خبرة الفيفا لتقييم الوضع الراهن في الهيئة الأفريقية الحاكمة والمساعدة بشكل قاطع في تسريع تطبيق عملية الإصلاح الجارية، والتي تهدف إلى ضمان أن الكاف يعمل بشفافية وفعالية مع التزام أعلى معايير الحوكمة”.

وفي حين أكد الطرفان إجراء عملية تدقيق شاملة للكاف في أقرب فرصة ممكنة، شددا على أن سامورا التي سيعاونها فريق من الخبراء، ستعمل في شراكة مع الرئيس أحمد وفريقه، لتولي مهام واسعة في الإشراف على سير عمل إدارة الكاف بما يشمل الحوكمة والإجراءات الإدارية، ضمانا لفعالية واحترافية كل منافسات الكاف، ودعما لنمو وتطوير كرة القدم في كل بلدان ومناطق الكاف”. وستحتفظ سامورا خلال هذه الفترة بمنصبها الدولي في الفيفا، وستفوض مهامها بموافقة من مجلس الاتحاد على هذا الإجراء الاستثنائي والمؤقت.

أحمد أحمد واجه في الفترة الماضية سلسلة أحداث دفعت بإنفانتينو الذي كان داعما له في انتخابات 2017، إلى إبداء انتقادات علنية

ويأتي البيان المشترك بعدما ألقت السلطات الفرنسية منذ أسابيع القبض على أحمد أحمد من فندق كان يقيم فيه في باريس للاستماع إليه عن شبهات حول تورطه في قضايا فساد وفقا لمجلة “فرانس فوتبول”، قبل إخلاء سبيله مساء نفس اليوم.

وقالت المجلة الفرنسية إن قرار القبض على أحمد أحمد جاء على خلفية شبهات فساد واجهها في صفقة تعاقد الـ“كاف” مع أحد الرعاة من شركات الملابس والأدوات الرياضية. وأوضحت أن رئيس الـ“كاف” رفض التعاقد مع شركة “بوما” الألمانية لتزويد الاتحاد بملابس وأدوات رياضية، وقام بالتعاقد مع شركة “تاكتيكال ستيل” الفرنسية بسعر يفوق عرض بوما.

 كما أشارت مجلة “جون أفريك” الفرنسية إلى أن أحمد منح رشى قدرها 20 ألف دولار لرؤساء اتحادات وطنية، كما طلب الحصول على معدات كرة قدم لفائدة الكاف بقيمة 830 ألف دولار من شركة يملكها أحد أصدقائه. إضافة إلى شرائه سيارتين جديدتين على حساب الكاف مقابل 400 ألف دولار، واحدة منهما متواجدة في مصر أما الأخرى فمتواجدة في مسقط رأسه مدغشقر. وكان أحمد أحمد رئيس الاتحاد الأفريقي قد رد على تلك الادعاءات منذ أشهر قائلا “جميع القرارات اتخذت بشكل جماعي وبشفافية”.

أحمد أحمد مرتاح

انتخب أحمد رئيسا للاتحاد القاري في 2017، متفوقا في الانتخابات على الكاميروني عيسى حياتو الذي قاد الاتحاد الأفريقي لنحو ثلاثة عقود، وواجه خلال ولايته اتهامات بالفساد أيضا. وأتى الإعلان عن تعيين سامورا متزامنا تقريبا مع مؤتمر صحافي للرئيس الملغاشي للاتحاد القاري، عقده في القاهرة عشية انطلاق كأس الأمم. وقال أحمد “أنا مرتاح جدا، لكن لا أحب أن أستخدم: أنا. الكاف ليس أحمد، هو منظمة، فريق (…) المكونات موجودة ليكون الكاف ناجحا”. وواجه أحمد في الفترة الماضية سلسلة أحداث دفعت بإنفانتينو الذي كان داعما له في انتخابات 2017، إلى إبداء انتقادات علنية للكاف. وقال إنفانتينو في تصريحات صحافية “من الواضح أن ثمة مشاكل في كرة القدم الأفريقية، الوضع الحالي يثير قلقي وقلق الفيفا. والعديد من الاتحادات (الوطنية) الأفريقية تطالبنا بالقيام بأمر ما، سنتحمل تولي مسؤولياتنا”.

وردا على سؤال عمّا إذا كان التغيير في حوكمة الكاف مطلوبا، قال إنفانتينو الذي تولى رئاسة الفيفا إبان مطلع 2016 في أعقاب سلسلة فضائح فساد هزت الكرة العالمية، “سنرى. لن نختبئ خلف حجة: هذا الكاف، وهذه إفريقيا، وهذا الأمر لا يعنينا في الفيفا.. كلا، الأمر يعنينا”. على الرغم من ذلك، كان فريق أحمد قد أبدى ارتياحه قبيل انطلاق الكاف. وقال أحد مستشاريه إن “المحنة التي عاشها الرئيس أحمد باتت خلفه الآن. ليس متهما، ولا توجد بحقه أي ملاحقات”، مضيفا أنه “حر واستأنف نشاطه في الاتحاد الأفريقي وترأس مجموعة من الاجتماعات في إطار تنظيم كأس الأمم”.

وتم استدعاء أحمد في إطار تحقيق قضائي مفتوح في مرسيليا الفرنسية، يتعلق بإلغاء الكاف في ديسمبر 2017، عقدا مع شركة “بوما” للتزود بتجهيزات وملابس لـ580 متطوعا في بطولة الأمم الأفريقية للمحليين (شان) التي استضافها المغرب مطلع عام 2018. وانضمّ التحقيق إلى سلسلة أحداث مثيرة للجدل في الكرة القارية مؤخرا. فتنظيم أمم أفريقيا 2019، أكبر نسخة من البطولة القارية بمشاركة 24 منتخبا بدلا من 16، كان معقودا للكاميرون، إلى أن رأى الاتحاد القاري أن البلاد غير جاهزة على مستوى البنى التحتية والوضع الأمني غير المستقر، ومنح التنظيم إلى مصر في يناير الماضي.

سامورا خلال هذه الفترة ستحتفظ بمنصبها الدولي، وستفوض مهامها بموافقة من مجلس الاتحاد على هذا الإجراء الاستثنائي والمؤقت
سامورا خلال هذه الفترة ستحتفظ بمنصبها الدولي، وستفوض مهامها بموافقة من مجلس الاتحاد على هذا الإجراء الاستثنائي والمؤقت

في أبريل، أعلن الاتحاد الأفريقي إقالة أمينه العام المصري عمرو فهمي، نجل الأمين العام التاريخي مصطفى فهمي، وتعيين المغربي معاذ حجي بدلا منه. وأتت الخطوة بعد تقارير عن إرسال عمرو فهمي إلى الاتحاد الدولي (فيفا) رسالة يتهم فيها أحمد بالفساد في مجالات عدة، وصولا إلى حد التحرش الجنسي بموظفات في الكاف.

أما ثالثة الأثافي فكانت مباراة الإياب للدور النهائي لمسابقة دوري الأبطال بين الترجي التونسي حامل اللقب والوداد البيضاوي المغربي في 31 مايو. فقد أعلن النادي التونسي فائزا باللقب وسلّم له الكأس في احتفال مشهود بعد انسحاب اللاعبين المغاربة احتجاجا على تعطل تقنية المساعدة بالفيديو في التحكيم  خلال مباراة العودة على الملعب الأولمبي برادس، وقد كانت النتيجة حينئذ تقدّم المضيف التونسي بـ(1-0)، بعد نتيجة (1-1 ذهابا).

لكن الاتحاد القاري قرر بعد اجتماع طارئ، إعادة مباراة الإياب على أرض محايدة بعد نهاية بطولة كأس الأمم، في خطوة أثارت احتجاج طرفي المباراة ولاسيما الجانب التونسي. وطرح محللون شكوكا حول قدرة أحمد أحمد على الاستمرار في موقعه على رأس الاتحاد الأفريقي.

ويقول جيمس دورسي من جامعة “أس راغارتنام” للدراسات الدولية في سنغافورة، إن “مصداقيته الشخصية على المحك، ولكن كذلك مصداقية منظمات عصفت بها خلال العقد الأخير فضائح متتالية”. وأكد رئيس الكاف، في مؤتمر صحافي، أنه كلف نائبه أنطوني بافوي بمتابعة الأمر، موضحا أنه سيصدر بيانا بشأن الأمر. وتابع “لن أعلق بالرفض أو القبول، سندرس ونصدر بيانا رسميا لتوضيح الأمر والتعليق عليه”.

وأضاف “أمرت بعقد جلسة استماع ونحن نسمع أينما حللنا بقضايا فساد وطلبنا من الفيفا أن يتحرّى ويتحقق ممّا يحدث في الكاف، وأطلب منكم أن تنتظروا النتائج ولا تستمعوا للشائعات”. وأنهى أحمد أحمد تصريحاته “هناك أمل في تغيير الأمور من أجل تطوير كرة القدم في إفريقيا وما لا أحبه في الحياة الأكاذيب ونكران الجميل”.

وفي سياق آخر أكد أحمد أحمد رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، أنه لا يملك دعوة رئيس الكاميرون لحضور حفل افتتاح كأس أمم أفريقيا، لكون الأمر محكوما بالقواعد البروتوكولية التي تنص على أن دعوة أي رئيس دولة أمر يرجع إلى البلد المنظم. وقال أحمد أحمد “على الصعيد الشخصي، كنت سأدعو رئيس الاتحاد السابق عيسى حياتو فورا لحضور افتتاح أمم أفريقيا، رغم أنه لم يوجه لي التهنئة بعد فوزي برئاسة الكاف، بعد مرور عامين على وصولي إلى المنصب، فالرجل يواجه دعوات قضائية ضده داخل مصر، ولا نستطيع دعوته لحضور البطولة”.

الأكثر نفوذا

تعد سامورا أول امرأة تشغل هذا المنصب الذي استحقته بعد أكثر من 20 عاما من تكريس حياتها للعمل الإنساني بالأمم المتحدة، وقد صرحت عقب توليها منصبها باتحاد الكرة قبل مونديال روسيا “في الأمم المتحدة كنت مدافعة عن النساء وفي الفيفا سأكون كذلك”. ومونديال روسيا الذي انتظم سنة 2018 هو الأول لسامورا بعد توليها منصبها، وهي تثق أنه سيكون “الأفضل في التاريخ”. وعن توليها منصبها قالت سامورا في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) “وصلت إلى منظمة يهيمن عليها الرجال. الآن اعتادوا علي.. هناك الكثير من كان يعتقد أن امرأة سوداء البشرة لا يجب عليها تولي منصب إداري في الفيفا ولكنهم رأوا أن الأمر ممكن”.

وفي نفس المقابلة قالت سامورا “لا أريد أي عنصري بالقرب مني. لا أحد يسأل رجلا أبدا ما إذا كان يستطيع تولي منصب. يتم افتراض أنه قادر على هذه المهمة”. بدأت سامورا مشوارها بالأمم المتحدة عام 1995 ضمن برنامج الأغذية العالمي وشغلت منصب الممثلة الوطنية في عدة دول بأفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية وأوروبا.

 وعن عملها الحالي كأمين عام للفيفا يقولون من الاتحاد إن شخصيتها القيادية ورؤيتها ساهمتا في “تحرير سيدات وشابات وتغيير حيوات وحماية البيئة”. والأمينة العامة السنغالية التي تتحدث أربع لغات هي الفرنسية والإنكليزية والإسبانية والإيطالية، اعترفت في يونيو 2016 أن اختيارها لمنصب الأمين العام بالفيفا “يثبت أن عالم كرة القدم يتغير عبر التنوع في أعلى مستويات إدارته”.

وتابعت “ولكن تعييني في المنصب لن يغير وحده بالتأكيد وجهة النظر الموجودة لدى أغلب الناس، وهي أن كرة القدم رياضة ذكورية.. من الضروري إحداث مثل هذه التغييرات في الاتحادات الأعضاء”. وظهر اسم سامورا في قائمة مجلة “فوربس” للنساء الأكثر نفوذا في الرياضة متقدمة على البوروندية ليديا نسيكيرا، أول امرأة تشكل جزءا من مجلس الفيفا الحالي.

22