الإلهام الإلهي للزعماء ودمار الدول

الخميس 2016/06/09

كانت دهشة الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك، عظيمة عندما سمع الرئيس الأميركي الأسبق، جورج دبليو بوش، يقول له إنه “تلقى وحيا من السماء لإعلان الحرب على العراق، لأن يأجوج ومأجوج انبعثا من جديد في العراق، وهو في طريقه إلى مطاردتهما، لأنهما ينويان تدمير الغرب المسيحي”. من كتاب “لو كررت ذلك على مسامعي فلن أصدقه”، للصحافي الفرنسي جان كلود موريس.

الوحي الإلهي الذي ألهم بوش لتدمير العراق في مطلع 2003 بحجة النووي العراقي، والحرب على الإرهاب، وما نتج عنها من تدمير وقتل وإجرام ضد المدنيين، كانت الخطوة الأولى نحو الشرق الأوسط “الجديد”، وتم استخراج جميع السيناريوهات الممكنة والمحتملة، لتبدأ نظرية الفوضى الخلّاقة بالتفعيل والنبض على الأرض لإغراق العالم.

وكانت أرض العراق أرضا خصبة لتفعيل الأيديولوجيات المستحدثة التي تميزت بمظاهرها الدينية والطائفية والفئوية، واندفاعها نحو المعارك وتقديمها قائمة طويلة من الضحايا بعنفها المطلق الذي تحركه إيحاءات الخير والشر، كما فتحت الباب للتلاعب الإيراني وتأجيج الصراع الطائفي، وهكذا نجحت أميركا في صناعة البؤرة اللازمة لإعادة صياغة الشرق الأوسط حسب رغباتها، ناشرة الفوضى التي لم تعد حكرا على العراق، إنما امتدت إلى سوريا.

رؤيا الوحي الإلهي الملهم بضرورة التوجه إلى العراق وتدميره وإغراقه بصراعات لا تنتهي، وفتح الباب للتدخل والتلاعب الإيرانيّيْن، لاقت استهجانا في حينها كونها صدرت عن رئيس دولة عظمى لها ثقلها النوعي وبعيدة عن كل أشكال التديّن، وإن النبوءات لا مكان لها في قيادة الحروب داخل المجتمعات التي وصلت إلى مرحلة من العقلانية تؤهلها للابتعاد عن أيديولوجيا الدين والتديّن.

إلا أن الرئيس بوش الذي يقود أقوى دول العالم اكتشف القوّة الدينية اليمينية التي حظيت بقاعدة جماهيرية واسعة، وتغلغلت في الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى قوة سياسية ضاربة منحته “رؤياه”، فأنصاره ممن ينتمون للكنيسة المعمدانية أو الكنيسة المنهجية التي ينتمي إليها يتبنون نبوءات التوراة ويعملون على تحقيقها، من عودة اليهود إلى فلسطين وسقوط بابل العراق والمنازلة الكبرى في الشرق الأوسط تمهيدا لظهور المسيح، كما أنها تفسر بطريقة ما العلاقة السياسية والأيديولوجية بين أميركا وإسرائيل، وتباري الرؤساء الأميركيين في مغازلة إسرائيل، ومساندتها لتحقيق حلمها الكبير.

الحرب على العراق حضّرت الأرض لإلهام إلهي آخر كان يقود إيران للتدخل في العراق وسوريا، وهذا ما أكده أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني بقوله “قرار التدخل في سوريا والعراق، تم اتخاذه من قبل المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي وذلك بإلهام إلهي”، وإيران التي استغنت عن دكتاتورية الفرد بدكتاتورية الأيديولوجيا، لا يشكّل الإلهام الإلهي فيها استهجانا، فهو جزء من بنية نظام أيديولوجي ثيوقراطي سميك اتخذ رونقه بفضل شعاراته الغيبية والتبشير بقرب ظهور الإمام المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلا، وقد استغل هذه المبررات ليتهرب من الاستحقاقات المترتبة عليه تجاه مواطنيه، ولبناء مؤسسات سياسية ودينية وعسكرية أنتجت أذرعا لها في مختلف أنحاء المنطقة العربية في محاولة لزرع التوترات وتأجيجها.

لقد شكّل التدخل الإيراني في العراق وسوريا واستخدام إيران للقوة العسكرية المباشرة وغير المباشرة، قوة ضاغطة في تصعيد أوجه الصراع كناتج فعلي على طبيعة التدخل والأطراف التي ساندتها، فإن ساهمت في العراق بتوحيدها الحشد الشيعي وتنشيط الميليشيات الشيعية، وتأجيج الصـراع المذهبي والطائفي، فإنها في سوريا ساهمت بإقحام الميليشيات الشيعية من لبنان والعراق وإيران وأفغانستان بمن فيها حزب الله، خالقة الذرائع الكافية لتوسع نشاط جماعات الإرهاب والتطرف السني، واستنزاف قواتها وسقوط الكثير من قياداتها وميليشياتها، وما الإلهام الإلهي بوقته الحالي سوى لاستجرار المزيد من الجهلاء لإتمام قيادة البلدين نحو الهاوية.

إرادة واحدة، وإلهام إلهي واحد، يسخّره الزعماء لخدمة أغراضهم السياسية، وإضفاء القداسة على أعمالهم الإجرامية وتدمير الدول حيث تشير بوصلة التلمود.

كاتبة سورية

8