الإعلام الرسمي العراقي المختلّ

لعل الحل الأمثل لمعضلة “شبكة الإعلام العراقي”، بعد أن تحوّلت إلى ذراع سلطوية وبوق دعاية لسلطة الأحزاب الإسلامية، هو حلّها أو بيعها للقطاع الخاص والمتخصص، لعلّه ينهض بوظيفتها الوطنية الحقّة.
الخميس 2018/08/23
في العراق.. واقع اخر

أفرزت حقبة ما بعد الاحتلال في العراق من بين ما أفرزت، إعلامها المختلّ التابع والذليل غير الاحترافي والبعيد عن شرف المهنة واللاهث وراء فُتات المكاسب الطارئة.

وعلى الرغم من أن ما بات يسمّى اليوم بـ“شبكة الإعلام العراقية” كان يراد له، أثناء التأسيس في العام 2004، أن يكون مشروعا إعلاميا مستقلا عن الدولة والمؤسسات الحكومية، بما يشبه التقليد لشبكة الـ”بي.بي.سي” البريطانية المعروفة، إلاّ أن تلك الجهود الحثيثة والاحترافية التي بذلها العديد من الإعلاميين العراقيين المهنيين، سرعان ما ذهبت أدراج الرياح وتبدّدت تحت وطأة الأميّة السياسية التي طغت على سلوكيات أغلب السياسيين الذين ركبوا الموجة وحكموا العراق منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا، إذ لم تكن ثقافة الإعلام المستقل مترسّخة بعد في الحياة السياسية، ليس في العراق وحسب، بل في عالمنا العربي كلّه في الحقيقة.

وفي الوقت الذي أُريد لما يسمّى بـ”مجلس الأمناء” أن يضم نخبة من الإعلاميين وخبراء الإعلام المحترفين من ذوي الخبرة والباع الطويل في المهنة، تحول هذا المجلس إلى تكيّة لمكافأة بعض المحسوبين على الأحزاب الإسلامية وفق مبدأ المحاصصة المقيت، فامتلأ بالأميّين والعاطلين عن المهنة والدخلاء، وبالتالي أُفرغ من محتواه المهني، وبدل اضطلاعه بوضع الخطط والسياسات الإعلامية التي من شأنها ترسيخ عمل مهنية الصحافة والإعلام واستقلاليتهما، راح أعضاؤه يتسابقون على إرضاء السياسيين الفاسدين ويتخندقون معهم ضد مصالح الوطن وقضايا الشعب العادلة المطالبة بالحياة الكريمة بعيدا عن التبعية والفساد واللصوصية، وقد أثبتت حركة الاحتجاجات الشعبية الكبرى الأخيرة خطل السياسات الإعلامية للقائمين على تلك الشبكة وتصرفهم المشين في الفصل القسري والتعسفي للكثير من العاملين فيها لمجرد مشاركتهم في التظاهرات، كما أغفلوا متعمّدين تلك الاحتجاجات الواسعة التي شملت أغلب مدن الوسط والجنوب، وحاولوا التقليل من شأنها، في الوقت الذي تسلموا فيه تمويلها المهول والمشروط باستقلالية الخطاب الإعلامي ووطنيته حسب الدستور المختلّ، من ميزانية الدولة.

إن المراقب لعمل الشبكة لا بدّ أنه سيدرك مدى ضحالتها وضعفها المهني، سواء على صعيد المحتوى البرامجي والإخباري أو على صعيد الشكل والصورة والإخراج واستخدام المعدات الحديثة، على الرغم من جيش الموظفين الجرار الذي يختبئ فيها كحاضنة للفساد والبطالة المقنّعة والذي تجاوز الثلاثة آلاف موظف وأكثر. فلا يزال الغرافيك البدائي والساذج يطغى على فواصل الربط وتنتشر الألوان الفاقعة وغير المدروسة على الخلفيات وتتردى هندسة الصوت المتفاوتة بطريقة مستفزة.

ورد في الفقرة الثالثة عشرة من المادة الأولى في قانون “شبكة الإعلام”، الذي أسهمت شخصيا مع عدد من الزملاء المعروفين بمهنيتهم في مناقشته وتعديل الكثير من فقراته بما يضمن الحريات الصحافية، ما نصّه “مجلس الأمناء: هو المجلس المسؤول عن رسم السياسات العامة في الشبكة ومراقبة عملها والحفاظ على استقلاليتها بما يضمن تحقيق الأهداف المحدّدة بهذا القانون ويعبّر عن مصالح الشعب ويعمل حاجزا يفصل ما بين الشبكة ومصادر الضغط الخارجية”.

فهل عمل مجلس الأمناء الكسيح وفق هذه الرؤية؟ أم أنّه بات أحد عناصر جذب التدخلات والنفوذ السياسي للأحزاب الحاكمة والمتحاصصة؟

لقد ابتعد الكثير من الصحافيين المهنيين وخبراء الإعلام عن الـ”شبكة” مكرهين بعد أن اتضحت أساليب الأحزاب الإسلامية ودكتاتوريتها القائمة على عدم الإيمان بالديمقراطية ومبدأ فصل السلطات والإعلام المستقل. ولعل الحل الأمثل لمعضلة “شبكة الإعلام العراقي”، بعد أن تحوّلت إلى ذراع سلطوية وبوق دعاية لسلطة الأحزاب الإسلامية، هو حلّها أو بيعها للقطاع الخاص والمتخصص، لعلّه ينهض بوظيفتها الوطنية الحقّة.

18