الإعدام لم يثن تجار المخدرات في آسيا عن مواصلة أنشطتهم

بنوم بنه - في الوقت الذي توقفت فيه الأنشطة التجارية في جميع أنحاء العالم خلال العام الماضي، واصلت تجارة المخدرات في جنوب شرق آسيا الازدهار، واستمرت الحكومات في التعامل معها بيد من حديد وبإجراءات شديدة القسوة.
وحالة الفلبين معروفة جيدا، وهناك دول أخرى شنت أيضا حروبها الوحشية على المخدرات في العقد الماضي، وعلى نحو أكثر حدة خلال السنوات القليلة الماضية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هذه الحملات الشديدة أحدثت التأثير المستهدف؟
أطلقت تايلاند أول موجة مميتة من حربها على المخدرات في عام 2003، وأعطت الشرطة أمرا ضمنيا بالإعدام رميا بالرصاص، ما أدى إلى مقتل قرابة ألفين و300 شخص في الأسابيع العشرة الأولى فقط. وأشار تقرير حكومي في وقت لاحق إلى أن نصف الأشخاص الذين تم قتلهم لا صلة لهم بالمخدرات.
وفي إندونيسيا، وصف الرئيس جوكو ويدودو المخدرات بأنها “المشكلة الأولى” التي تعاني منها البلاد في عام 2016، ودفع بشرطة مكافحة المخدرات في البلاد للقيام بموجة مميتة لتطبيق القانون للتصدي للمخدرات.
وضبطت السلطات في ميانمار، ما يقدر بنحو 18 طنا من حبوب الميثامفيتامين والأفيون والمواد الكيميائية، التي تستخدم في صنع المخدرات، بين شهري فبراير وأبريل.
وفي مايو وبعد مرور شهرين على تصنيف تفشي وباء كورونا المستجد بأنه جائحة عالمية، كشفت الشرطة في ميانمار عن قيامها بواحدة من أكبر عمليات ضبط مخدرات في آسيا في التاريخ.
وبعد ذلك بالطبع، تأتي الفلبين، حيث ألقت الشرطة القبض على قرابة 200 ألف شخص، وقتلت ما يقدر بنحو 27 ألفا آخرين، منذ أن شن الرئيس رودريجو دوتيرتي حربه على المخدرات بعد مرور وقت قصير على انتخابه عام 2016.
وتعهد دوتيرتي بشن حملة عنيفة، وتوعد بملاحقة المدمنين والتجار على حد سواء.
وفي عام 2016، قال دوتيرتي مشبها نفسه بالزعيم النازي أدولف هتلر الذي أباد اليهود، “يوجد الآن 3 ملايين مدمن للمخدرات (في الفلبين)”، وأضاف “سوف أشعر بالسعادة إذا ذبحتهم”.
وفي كمبوديا، أطلق رئيس الوزراء هون سين “حربه الخاصة على المخدرات” في بداية عام 2017 بعدما أشار بحث أجرته الحكومة إلى أن “المخدرات والجريمة كانت واحدة من القضايا الرئيسية التي تثير قلق عامة السكان”.
ومن المؤكد تقريبا أنه استلهم هذه السياسة من دوتيرتي، الذي زار كمبوديا في أواخر عام 2016 وأعلن أن الدولتين سوف تتعاونان في إنفاذ القانون في الحرب على المخدرات.
ومنذ ذلك الوقت، تم القبض على أكثر من 55 ألف شخص وإرسالهم إلى سجون شديدة الاكتظاظ أو مراكز إعادة التأهيل العنيف لعلاج إدمان المخدرات.
وحسبما يجري في دول مجاورة، استهدفت حملات الاعتقالات بشكل غير متناسب الفئات الأشد فقرا. واعتمد توجيه الإدانات بشكل كبير على اعترافات تم انتزاعها من خلال أساليب تحقيق واستجواب عنيفة.
وساقت حكومات في أنحاء المنطقة حججا بأن الأساليب العنيفة ضرورية لحماية عامة السكان. وفي كمبوديا، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية خيو سوفيك، “إن الجمع بين محاربة المخدرات واحترام حقوق الإنسان أمر مستحيل”. وأضاف “خلال حملة مكافحة المخدرات، يتعين تنحية حقوق الإنسان جانبا حتى تكون نظيفة”. ولكن الحروب ضد المخدرات أثبتت أنها أقل فعالية في ما يتعلق بتقليل تعاطي المخدرات فعليا.
وفي وقت سابق من هذا العام، اعترف رئيس شرطة مكافحة المخدرات الفلبينية بأن أسلوب “الصدمة والرعب بالتأكيد لم ينجح.. إذ أن إمدادات المخدرات لا تزال منتشرة”.
وقدر استطلاع للرأي أجري في عام 2015 في الفلبين، أن عدد متعاطي المخدرات يبلغ حوالي 1.8 مليون شخص. وعندما كان يخوض السباق الرئاسي، تحدث دوتيرتي عن 3 ملايين “مدمن للمخدرات”، وهو رقم قدّره لاحقا بـ4 ملايين، فيما أشار وزير خارجيته إلى سبعة ملايين. وبينما تحيط شكوك كبيرة بهذه الأرقام، إلا أنها لا تشير إلى حدوث انخفاض في أعداد المدمنين للمخدرات.
وأشارت الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات في كمبوديا، إلى تراجع طفيف في عدد متعاطي المخدرات من 20 ألفا و621 في نهاية عام 2016 إلى 19 ألفا و277 في منتصف عام 2019.
وتستهدف الحملات في المقام الأول متعاطي المخدرات وتجار الشوارع، ولكن لا تستهدف التجار الفعليين، ونادرا ما تؤدي إلى القضاء على شبكة الجريمة المنظمة، حسبما أشار بحث جرى في ولاية شان في ميانمار.
ويشارك أحيانا مسؤولون حكوميون بصفة شخصية في الصفقات، حيث ذكر خبراء في تقاريرهم أن الفساد أحد العوامل الدافعة وراء استمرار تجارة المخدرات.
ومن جهة أخرى، يمكن أن تؤدي ظروف الاعتقال السيئة في السجون المكتظة إلى زيادة احتمال الاعتماد على المخدرات، وفقا لمنظمة العفو الدولية.
وفي تقرير عن كمبوديا، قالت المنظمة إن “الظروف قاسية داخل السجون للغاية إلى درجة أن العديد من المعتقلين يعانون من صدمات عقلية وآلام جسدية جراء تعرضهم لسوء المعاملة والاعتداءات، والتي بدورها ربما تؤدي إلى زيادة الاعتماد على المخدرات”.
وقالت اللجنة العالمية للمخدرات “إن توزيع المخدرات يمكن أن يزداد انتشاره، حيث تصبح السجون المكتظة قواعد للعناصر الإجرامية للعمل والتجنيد”.
ومن جهة أخرى، أظهرت نتائج الأبحاث أن نهجا قائما على الصحة أكثر فعالية في كبح تعاطي المخدرات، عن طريق التركيز على علاج إدمان الأشخاص بدلا من العمل على تقليل الاعتماد على المخدرات.
ولكن نظرا لأن المخاطر السياسية مرتفعة ولأن حملات مكافحة المخدرات تلقى ترحيبا بين الناخبين، فإنه من غير المرجح أن تتخلى الحكومات في أي وقت قريب عن نهج القبضة الحديدية الذي تتبعه.