الإسلاميون السابقون في مصر.. يحاربهم المتطرفون ويحاصرهم المجتمع

يتساءل الكثيرون عن أعضاء جماعات الإسلام السياسي السابقين الذين أعلنوا انشقاقهم، فقد شدّوا الأنظار لفترة بظهورهم عبر شاشات الفضائيات في ذروة المواجهة مع التيار الإسلامي في مصر، ثم اختفوا فجأة، فلماذا ظهروا وكيف اختفوا؟ وهل هناك حصار مفروض عليهم أدى إلى عزلتهم؟
القاهرة – يعاني الأعضاء السابقون من جماعات الإسلام السياسي في مصر من تطويق شامل، وصل حد المشكلات الأسرية، فهناك من طلبت زوجته الطلاق، وهناك من تبرأ منه أبناؤه، والبعض لا يزال يبحث عن عمل يقتات منه، وتوجد فئة تعاني من مشكلات أمنية ومجتمعية نتيجة الشكوك التي تحيط بها من الجانبين.
ويلفت القيادي السابق بجماعة الإخوان والخبير في شؤون تيار الإسلام السياسي طارق أبوالسعد إلى أن حصار ظاهرة المنشقين مصدره الرئيسي هو النخبة أكثر من كونه حصارا مجتمعيا، وأن من أسماهم “اليسارجية” و“القومجية” من مثقفي اليسار والناصريين يصعب عليهم تصدّر إسلاميين سابقين المشهد الثقافي تحت مبرر نقد أفكار ومناهج الإخوان.
وشدّد أبوالسعد لـ”العرب” على أن نخب التيارات الأخرى تستكثر تصدي الإسلاميين السابقين للرد على الفكر المتطرف بعد سقوط الإخوان في حين ترى أنها الأحق بذلك، فهي من قاومت الفكر المتطرف منذ بداية ظهوره، وتصدت لهذه المهمة في مختلف المراحل وقبل صعود ظاهرة المنشقين وقبل وصول الإخوان للسلطة في مصر، لأن من عاش التجربة واكتشف قتامتها وخرج على الناس يحذرهم منها هو الأقرب للتصديق من المناوئ لها من خارجها.
وشارك طارق أبوالسعد ضمن عدد من الكوادر الفكرية من المنتمين سابقا لجماعة الإخوان في مشروع “مصر رائدة التنوير” إلى جانب ثروت الخرباوي ومختار نوح وكمال الهلباوي وسامح عيد وكامل رحومة وطارق البيشبيشي وإسلام الكتاتني وأحمد ربيع الغزالي وآخرين، وتم تدشينه لتصحيح المفاهيم الفكرية ومناقشة الشباب وإظهار صورة الإسلام الحقيقية وإعادة طرح إنتاج الرموز والمفكرين العقلانيين، عبر تنظيم صالونات ثقافية في مختلف محافظات مصر.
ونقص التمويل وانشغال المشاركين في المبادرة بشؤونهم الخاصة وثقل فكرة الانخراط في نشاط منظم والميل للعمل الفردي بعد الانفصال عن الجماعات، كلها عوامل عجلت بوصول المبادرة إلى محطة النهاية، مع أنها الجهد المنظم الوحيد الذي وضع الإسلاميين السابقين في مسارهم ليقوموا بالمهمة التي يمتلكون خبراتها، وكانت ضامنة لمناهضة فكرة حصار المنشقين عن الجماعات وعزلهم مجتمعيا.
ولا تختلف التجارب الجماعية كثيرا من حيث النتائج عن التجارب الفردية، ولو استعدتُ العناوين الرئيسية لتجربتي نكتشف أن السيناريوهات متشابهة، والاختلاف فقط في مدى مقدرة الشخص المستهدف على التعاطي مع التحريض المجتمعي ضده عبر ما يحققه لنفسه من مكانة وإنجازات خاصة.
الحملة الدعائية ضد كل فرد يعلن مغادرة الجماعة تهدف إلى صد أي تأثير له على محيطه الاجتماعي وتعطيل مساعيه الإصلاحية
غادرت إلى لبنان عام 1996 عندما قررت الابتعاد لأول مرة عن هذا التيار الذي وظف مقدرتي البلاغية في إلقاء المحاضرات العامة بمدن محافظات الوجه البحري، ونضجت قناعاتي التي خرجت بها من مصر بالاطلاع المكثف والحوارات مع المثقفين والكتاب.
وعندما عدت في العام 2002 كان قادة الجماعة الإسلامية قد خرجوا من السجون ولم أقبل عرض منظر ومفكر الجماعة الدكتور ناجح إبراهيم بمشاركته في الكتابة بموقع الجماعة على الإنترنت، إلا بعد أن أهداني كتبه الجديدة ولمست اتساق أفكارها مع تصوراتي.
كان الهدف من الكتابة الإسهام في تصحيح المسار عندما توهّمت إمكانية تعميم تجربتي، وبعد أن تأكدت أنها جماعات تعادي التجديد وتحارب التغيير بعد رفض قادتها كل نصائح ضبط الأداء وتصويب الخطاب وترشيد الممارسات خلال الأزمة الأخيرة، جاء خروجي الثاني والنهائي والذي أعقبه إطلاق حملة دعائية موجهة لتشويه صورتي، فضلا عن التهديد المتكرر بالقتل.
وتهدف الحملة الدعائية ضد كل فرد يعلن مغادرة الجماعة والتي تتفاوت قوتها وحجمها بحسب أهميته ورمزيته، لصد أي تأثير له على محيطه الاجتماعي وتعطيل مساعيه الإصلاحية وخلق مناعة ضد تكرار تجربته أو تقليدها، ويتباين مدى تأثره بها بحسب مركزه ومكانته الاجتماعية وقدراته وثقافته ومواهبه.
ويحظى من انفصل عن جماعة الإخوان قبل تاريخ عزلها عن السلطة في 3 يوليو 2013 من قيادات بقبول مجتمعي وتقدير نخبوي بالنظر إلى خطوته كونها مدفوعة بقناعات ومؤسسة على تأملات ومراجعات فكرية جادة، بعكس الموقف حيال من انفصلوا بعد هذا التاريخ وبعد فض اعتصامات جماعة الإخوان التي نظمتها عقب عزلها عن السلطة، فهذا يُصنف في الغالب كحالة أمنية خوفا من الاعتقال.
ويعكس حال غالبية من انفصلوا عن تيار الإسلام السياسي والحركي في مصر، صورة مشوشة بشأن مستقبل التغيير داخل هذا التيار، فالقصص المتداولة والرائجة عنهم تؤكد معاناة من نوع خاص، تجعل الكثير منهم يترددون في تكرار تجاربهم، حتى لو تشكلت لديهم قناعات فكرية شبيهة بضرورة التخلي عن التيار الإسلامي بأطيافه المختلفة.
ويختار غالبية من تكونت لديهم قناعات نقدية مناهضة للرؤى التنظيمية على خلفية أحداث السنوات الأخيرة، البقاء على ذمة التنظيم ولا يعلنون الانفصال بشكل مباشر ولا يتحدثون عن تحولاتهم الفكرية، خاصة إذا كان محل سكناهم في القرى النائية وفي أوساط بيئات أقل تعليما وثقافة وفي مناطق نفوذ الجماعات التقليدية.
ويفضل البعض من هؤلاء الصمت وعدم الإعلان عن موقف سياسي أو تصور فكري مختلف، ويرون أن ترك الأمور تمضي دون إعلان توجهات محددة يصدّ عنهم ما لاقاه من أعلن مواقف صريحة من حرب خفية تشمل تشويه السمعة والتشكيك في صحة المعتقد والترويج للدعاية التقليدية، كون المنشق هو “مخبر” لدى الأجهزة الأمنية أو ساع للشهرة والمال، وصولا إلى اضطهاده في عمله إذا أوقعه حظه العاثر تحت إدارة إخوانية الهوى وأيضا تهديد أمنه الشخصي في بعض الحالات.
وتستغل جماعة الإخوان وغيرها من الجماعات ضبابية الرؤية بشأن أفكار التجديد الديني وعدم تشكل رؤية موحدة وواضحة بشأن الأطروحات النقدية المناهضة لمناهج الجماعات المتطرفة، ما يمكنها من اللعب على عدم اكتمال وعي مجتمعي بهذا الملف الغائب عن الفضاء الثقافي والفكري لعقود طويلة، بهدف تخوين من يستندون إليه ضمن مبررات انشقاقهم عن حركتها دينيا وإحباطه معنويا.
وتجد الجماعات أن هذه المواجهة مع المنشقين عنها في متناول إمكانياتها بالمقارنة بمواجهات مع مؤسسات الدولة لم تعد تملك إمكانيات الاستمرار ;تحمل فواتيرها الباهظة، ويعد اللجوء لحرب المنشقين تنفيسا عن طاقة غضب لم يعد من السهل توجيهها لأركان الدولة والنظام، علاوة على اعتبارها مواجهة ضرورية في هذه المرحلة لوقف نزيف الانشقاقات والانقسامات وتخويف من يفكر في الخروج من الجماعة بمصير من خرج من عزلة مجتمعية وحرب نفسية.
ويكتمل الحصار مع الاستجابة المجتمعية لخطط الجماعات حيال المنشقين عنها، علاوة على ما تبديه قطاعات داخل المجتمع من نفور تلقائي تجاه هذه الحالة، فالواحد منهم وفق تصورهم إما أنه عنصر كامن يستخدم التقية مؤقتا لحين تغير الأوضاع لصالح جماعته التي يزعم خروجه منها، وإما هو مجرد شخص يهوى الشهرة ويستغل سقوط جماعته لنيل قسط منها.