الإرهاب يبحث عن مجنديه داخل السجون

كيف تيسر النزعة الإجرامية التحول إلى الراديكالية وعمليات التجنيد؟ وما الدور الذي تلعبه السجون؟ كيف يؤثر التلاقي بين الجريمة والإرهاب وكيف يؤثر على تمويل الهجمات الإرهابية؟
هذه التساؤلات وغيرها عن العلاقة بين الإجرام والإرهاب، استهدفتها دراسة صدرت نسختها الأصلية عن مركز دراسات الراديكالية والعنف بكينجز كولدج في لندن، أعدّها الباحثون بيتر نيومان وراجان بصرة وكلوديا برونر، ونقلها إلى العربية محمد العربي، تحت عنوان “تاريخ إجرامي ومستقبل إرهابي: الجهاديون الأوروبيون والرابطة الإرهابية الإجرامية الجديدة” وقد صدرت عن مركز الدراسات الاستراتيجية بمكتبة الإسكندرية.
انطلقت الدراسة من قصة تاجر المخدرات الدنماركي ميشا هودجيتش حين اقترب شرطيان في صباح الأربعاء 31 أغسطس 2016، من شخص مشتبه به كتاجر مخدرات في ضاحية كريستينا، وهي ضاحية بديلة في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن. دون تحذير، سحب الرجل مسدسه وأخذ بإطلاق النار على الشرطيين ثم هرب.
جرح الشرطيان وأحد العابرين ثم تم تعقب المشتبه به إلا أنه توفي. كان اسمه ميشا هودجيتش، وهو دنماركي بوسني يبلغ من العمر 25 عاما، وكان معروفا لدى الشرطة كتاجر مخدرات. بعد يومين أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن أفعال هودجيتش زاعما أنه من جنود الخلافة.
يكشف إقرار داعش عن حجم التضارب والتناقض داخل التنظيم؛ ألم يعلن الجهاديون أنهم متدينون ويمتنعون عن المخدرات والجرائم “العادية”؟ لكن ما اتضح أن هودجيتش لم يكن مجرد تاجر مخدرات رفيع المستوى، بل أيضا عضو في تنظيم سلفي وقد عبر عن تعاطفه مع تنظيم داعش وظهر في فيديوهاته الدعائية، وهو ما يكشف تداخل الخطوط بين الجريمة والتطرف.
وأضاف الباحثون “ليس هودجيتش الحالة الوحيدة التـي يتحول فيها مجرم عتيد إلى جهادي. فقد سبق أن أعلنت الشرطة الاتحادية الألمانية أنه من بين 669 من المقاتلين الأجانب الألمان الذين تمكنت من جمع معلومات كافية عنهم، كان لديهم سجلات شرطية قبل سفرهم إلى سوريا، فيما أدين الثلث الباقي بتهم إجرامية. أما المدعي العام البلجيكي فقد قال أيضا إن نصف الجهاديين في بلده كانت لديهم سجلات إجرامية.
وكشف مسؤولون من النرويج وهولندا أنه “على الأقل 60 بالمئة من الجهاديين في بلدانهم كانوا متورطين سابقا في الجريمة. وكان هذا السبب الذي دفع آلان غيرغنارد قائد شرطة بروكسل الاتحادية إلى وصف داعش بأنه “نوع من العصابة الكبرى”.
هذا التلاقي بين الإجرام والإرهاب ليس بالظاهرة الجديدة ففي منتصف التسعينات، فقد وصفت الصحف الفرنسية أفراد الجماعة الإسلامية المقاتلة على أنهم “إرهابيو عصابات”. وبالمثل، كان مرتكبـو الهجمات على قطارات مدريد في العام 2004 مجرمين سابقين وموّلوا العملية من خلال تجارة المخدرات. وبالتالي، لم يكن الاندماج بين الإرهاب والجريمة بلا سوابق.
وأوضح الباحثون أن التلاقي بين الأوساط الإرهابية والإجرامية أمر حقيقي، وله دلالات عميقة على الطريقة التـي يعمل بها الجهاديون في أوروبا. حيث تبحث الدولة الإسلامية وحلفاؤها عن المجندين في الغيتوهات الأوروبية والسجون وكذلك بين الأوروبيين في الشرائح المتدنية ممّن كانوا منخرطين سابقا في العنف والأعمال غير المشروعة. ويستطيع هؤلاء استخدام المهارات الإجرامية لأغراض إرهابية. نتيجة هذا، أصبحت مواجهة الإرهاب قضية اجتماعية أكثر من أي وقت مضـى. كما ينبغي توجيه المزيد من الاهتمام إلى السجون ومواجهة الجريمة المنظمة.
وتلعب السجون دورا هاما في استقطاب عناصر إرهابية وحسب الدراسة فإن 14 فردا ممن قضوا وقتا في السجون الأوروبية، قد اعتنقوا الجهادية في السجن، وكان لـ30 بالمئة من أعضاء عينة الدراسة خبرات في التعامل مع الأسلحة النارية، وتورط نصف هؤلاء في المخططات الإرهابية المحلية.
واعتبرت الدراسة أن أحد الأسئلة الأكثر أهمية في ما يتعلق بالرابطة الإجرامية الإرهابية هو الكيفية التـي يتحول فيها المجرمون إلى الراديكالية، وتتعلق تلك المسألة بالظروف والخبرات والشبكات الشخصية التـي تشرح انخراط الأفراد في التطرف وكيفية حشدهم في ممارسة العنف.
وقال الباحثون “تقدم السير والمسارات في قاعدة بياناتنا بعض الإجابات الأولية. وتشير إلى أن السردية الجهادية، التـي يعبر عنها بوضوح تنظيم الدولة الإسلامية، متسقة للغاية مع الاحتياجات والغايات لدى المجرمين على نحو مثير للدهشة، كما يمكن أن تستخدم للقبول والتستر على الانخراط الدائم في الجريمة. ومن بين الأفراد الموجودين في قاعدة البيانات، هناك حالات يكون فيها التحول إلى الجهادية مبررا ومشرعا للنشاط الإجرامي المستمر. وهناك حالات مغايرة، يعمل فيها التحول إلى الراديكالية كأداة لـ”التكفير” عن “خطايا” الماضـي.